ما عاد الحديث عن عودة الحرب الباردة تحليلات صحافية ولا استنتاجات بحثية يغلب عليها طابع الاستشراف. بات حقيقة ظاهرة للعيان بفعل سلوك روسيا التي تخطط لإعلان أميركا والأطلسي عدوين، ولو في عقيدتها العسكرية، فيما الأخير يستعد لتشكيل قوة تدخل سريع لمواجهة موسكو
مناورات متبادلة يغلب عليها الطابع الاستراتيجي النووي، على الأقل من طرف روسيا التي أعلنت جهاراً أنها تخطط لتعديل عقيدتها العسكرية بنحو تحتل فيه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وضع العدو بالنسبة إليها، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1990. في المقابل، يبدو «الناتو» مصمماً على التمترس على الحدود مع روسيا، حيث بات واضحاً أن أوكرانيا أضحت خط التماس، وباتت تؤدي الدور الذي لعبته ألمانياً في أيام تلك الحرب.
بل أكثر من ذلك، هو يعتزم التصديق على تشكيل قوة تدخل سريع، موجهة على ما يبدو جلياً نحو روسيا، وذلك في قمته التي تبدأ في ويلز، اليوم، وقد تكون إحدى أهم القمم منذ تأسيسه، بسبب الملفات المطروحة للنقاش بين أعضائه الـ28، وإن كانت الأزمة الأوكرانية تبقى البند الأكثر أهمية، حيث من المتوقع إقرار خطة تحرّك تتعلّق بها.
«حرب باردة» جديدة بدأت تترجمها على أرض الواقع التصريحات المتبادلة، في ظل إعلان الأمين العام للحلف أندرس فان راسموسن، أن آلاف الجنود الأطلسيين من أسلحة الجو والبر والبحر معززين بقوات خاصة، يمكن أن ينتشروا «في غضون أيام» في أوروبا الشرقية، الأمر الذي قابلته روسيا بالكشف عن تعديل استراتيجيتها العسكرية، لتتناسب مع ذلك، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على مختلف الأقاليم وبينها الشرق الأوسط وملفاته، من نووي إيراني وعراق وسوريا وغيرها.
العقيدة العسكرية الجديدة ستشير إلى أن أميركا خصم رئيسي محتمل لروسيا
أوباما أكد أن «الحلف الأطلسي» يبقى مفتوحاً لاستقبال أعضاء جدد
منسّق إدارة المفتشين في وزارة الدفاع الروسية يوري يعقوبوف، أمس، أضاف أن «العقيدة العسكرية الروسية، بحاجة إلى تعديلات تخص قبل كل شيء الإشارة إلى أن الولايات المتحدة خصم رئيسي محتمل لروسيا»، في وقت ذكرت فيه وزارة الدفاع أيضاً، أن القوات المسؤولة عن الترسانة الاستراتيجية النووية، ستجري مناورات مهمة هذا الشهر يشارك فيها أكثر من 4 آلاف جندي. وقال يعقوبوف إنه «يجب أن تشير تلك الوثيقة الاستراتيجية، بدرجة أولى وبشكل دقيق وواضح، إلى خصم رئيسي محتمل بالنسبة إلى روسيا، الأمر الذي ينعدم في العقيدة العسكرية التي جرى تبنيها عام 2010». وأضاف: «أنا أعتبر أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هما خصمانا الرئيسيان، علماً بأن قواعدهما تقترب من حدودنا. ويجب أن تنعكس هذه التغيرات والتحديات الشاملة بصورة دقيقة في العقيدة العسكرية المعدلة».
وفي هذه الأثناء، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع إعلانها أن المناورات ستجري في ألتاي في جنوب وسط روسيا وستشمل أيضاً 40 وحدة فنية وتتضمن استخداماً كبيراً للقوة الجوية. وقال الضابط في قوات الصواريخ الاستراتيجية، ديمتري أندرييف، إن القوات ستتدرب على التصدي لوحدات غير نظامية وعلى أسلحة «فائقة الدقة» وستقوم «بمهمات قتالية في أحوال بها تشويش لاسلكي إلكتروني نشط وعمليات مكثفة للعدو في المناطق التي تنتشر بها القوات». وأوضح أندرييف أن وحدات القوات الخاصة ستقوم بدور العدو الافتراضي.
وفي مقابل ذلك، خطّت أميركا وحلفاؤها الغربيون، ترجمتها الخاصة لـ«الحرب الباردة» الجديدة، مع إعلان وزارة الدفاع البولندية، أمس، أن تدريبات عسكرية دولية بمشاركة جنود من 12 دولة، بينها الولايات المتحدة ستنظم بين 13 و26 أيلول، في غرب أوكرانيا. وصدر الإعلان عن هذه المناورات في وارسو، في اليوم نفسه الذي أكد فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن «الحلف الأطلسي» يبقى مفتوحاً لاستقبال أعضاء جدد. وهذا الأخير، أكد أيضاً بقوة التزام الولايات المتحدة إلى جانب أستونيا العضو في «الحلف الأطلسي».
وشدد أوباما، خلال مؤتمر صحافي عقده في تالين مع نظيره الإستوني توماس هندريك ايلفيس، على أن «إستونيا لن تكون أبداً وحيدة»، متطرقاً في الوقت ذاته إلى البند الخامس من ميثاق «الحلف الأطلسي»، الذي ينص على التضامن بين الدول الأعضاء، في حال تعرض إحداها لاعتداء.
وبالعودة إلى المناورات العسكرية، فقد جاء في بيان صادر عن الوزارة البولندية، أن المناورات «رابيد ترايدنت 14» المرتقبة منذ فترة طويلة، ستجري خصوصاً على أرض للتدريبات قرب لفيف، وستضم بالتعاون مع وحدات أوكرانية جنوداً من بولندا ورومانيا ومولدافيا وبلغاريا وإسبانيا وإستونيا وبريطانيا وألمانيا وليتوانيا والنروج ودول أخرى. وفي السياق، أوضحت الوزارة البولندية، أنهم «سيتبعون تدريباً مشتركاً في عمليات الحصار والمداهمة والدوريات والإجلاء وكذلك رصد متفجرات يدوية الصنع ومنع زرعها».
وإضافة إلى كل ما سبق، فقد جاء وصف رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك روسيا، بأنها «دولة إرهابية»، ليُسهم في تعزيز حالة الصدام في القارة القديمة. فقد شدد ياتسينيوك، على أن موسكو مسؤولة بمفردها عن الصراع الدائر في شرق بلاده، مجدداً تأكيده رغبة كييف في الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي». وقال مستخدماً عبارات عنيفة، إن «روسيا دولة إرهابية… دولة معتدية وستتحمل المسؤولية، وفقاً لأحكام القانون الدولي. ماذا سنفعل؟ الدولة تحتاج لعقيدة دفاعية جديدة تتضمن تعريفاً واضحاً لمن هو المعتدي ومن الذي يشكل خطراً. وفي العقيدة الدفاعية الجديدة يجب أن تعرف روسيا باعتبارها دولة معتدية والدولة الرئيسية والوحيدة التي تشكل تهديداً لوحدة أراضي أوكرانيا وأمنها القومي». وأضاف ياتسينيوك، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، أن أوكرانيا تبنت مشروع «جدار» يهدف إلى بناء «حدود حقيقية» بين أوكرانيا وروسيا.
ورغم أن التغييرات التي شهدتها الأزمة الأوكرانية، منذ بدايتها، ساعدت في تحويل «الحرب الباردة» من مجرّد نظرية إلى واقع، إلا أن اليومين الماضيين كانا كفيلين، من خلال حدة التصريحات المتبادلة، في تعزيز هذه النظرية وإعلان انطلاقتها الفعلية، خاصة مع استبعاد الدول الغربية دعوة الرئيس فلاديمير بوتين إلى قمة العشرين المقررة في أوستراليا في تشرين الثاني المقبل.
ويبدو لافتاً المسار الذي سلكته الأزمة الأوكرانية التي تحولت بسرعة قياسية من أزمة داخلية إلى «أزمة تهدد الأمن الإقليمي»، على ما كانت تعتبر الولايات المتحدة، قبل أن تصبح أزمة عالمية أعادت عقارب الساعة أكثر من ربع قرن إلى الوراء. وقتها، ومع انهار جدار برلين، يجدر التذكير بأن حواراً أميركياً روسياً قد فتح حول مستقبل «الأطلسي» تضمن في الوقت ذاته وعداً أميركياً لروسيا، بأن «الحلف» لن يتوسع شرقاً.
وحتى الآن بعد عقدين من الزمن، لم ينتهِ هذا النقاش. فالدبلوماسيون الروس ما زالوا يتحدثون عن أن الولايات المتحدة قدمت هذا الوعد مقابل انسحاب قوات الاتحاد السوفياتي من ألمانيا الشرقية، وخانته لاحقاً بضم 12 دولة من أوروبا الشرقية إلى «الحلف الأطلسي»، خلال ثلاث جولات توسعية.
وفي هذا الإطار، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة شيكاغو الأميركية، جون ميرشيمر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يتقاسمون مسؤولية الأزمة في أوكرانيا. فهو يعتبر أن «جذور المشكلة تكمن في توسع الحلف الأطلسي الذي سعى إلى نقل أوكرانيا من الفلك الروسي ودمجها مع الغرب». وفي الوقت نفسه، شكل الاتحاد الأوروبي بتوسعه شرقاً ودعمه التحركات المطالبة بالديموقراطية في أوكرانيا، بدءاً من الثورة البرتقالية في عام 2004، نقاطاً مفصلية في هذه القضية.
وفي هذا الإطار، يلفت ميرشيمر إلى أنه «منذ عام 1990، عارض الروس توسع الحلف الأطلسي، وخلال السنوات الأخيرة أعلنوا بوضوح أنهم لن يقفوا متفرجين، أمام استدارة جارهم الاستراتيجي والأهم نحو الغرب».
وأيضاً يوضح ميرشيمر أنه «بالنسبة إلى بوتين، إن إسقاط الرئيس الأوكراني المنتخب ديموقراطياً والمقرب من روسيا»، شكل القشة التي قصمت ظهر البعير، فكان رد الرئيس الروسي على ذلك، «بضم شبه جزيرة القرم، حيث كان من المتوقع أن يقيم الحلف الأطلسي قاعدة بحرية». ويقول الباحث الأميركي إنه «في الوقت ذاته يعمل بوتين على زعزعة استقرار أوكرانيا حتى تتخلى عن جهودها للانضمام إلى الغرب».
من هنا، يرى ميرشيمر أن تصرف بوتين «يجب ألّا يشكل مفاجأة، فالغرب كان يتحرك باتجاه الحديقة الخلفية لروسيا ويهدد مصالحها الاستراتيجية، وهي النقطة التي أثارها الرئيس الروسي بشكل قاطع ومتكرر».
(الأخبار)
حظر الأغذية الروسية يكلّف أوروبا 5 مليارات يورو سنوياً
أظهرت وثيقة داخلية للاتحاد الأوروبي أن حظر استيراد الأغذية من أوروبا، الذي فرضته روسيا، رداً على العقوبات التي فرضها الاتحاد بسبب أزمة أوكرانيا، قد يكلف الاتحاد الأوروبي خمسة مليارات يورو (6.6 مليارات دولار) سنوياً.
وتشعر البلدان الأوروبية الرئيسية المصدرة للفواكه والخضروات، مثل بولندا وهولندا بالفعل، بتأثير الحظر. وتدرس المفوضية الأوروبية الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي سبل تعويض المزارعين أو إيجاد أسواق أغذية جديدة.
وأيضاً تعاني ألمانيا، التي قادت قرار الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا، حيث تعدّ أحد المصدرين الرئيسيين للحوم ومنتجات الألبان في أوروبا.
(رويترز)