قمة المصالحة هي تلك التي نعلن فيها عن سبق إصرارٍ وترصد قــــبرنا للانقسام الفلسطيني، نكبتنا الثانية ونكستنا الجديدة وانكسارنا الذي حطم شأفتنا وهلهل ضلوعنا وهزّ صورة الفلسطيني المناضل الثائر في وجه الظلم والاحتلال وحطّ من قيمة المسيرة النضالية وما راكمته من إرثٍ وطنيٍ مشّرف.
أما مصالحة القمة فكما يراها البعض مهرجاناً خطابياً وقبلات احتفالية ومعانقات دبلوماسية وكلاماً معسولاً ينتهي مع انتهاء المهرجان لنعود بعدها للكر والفر والدك والشك وما بينهما. قمة وكما يفهمها البعض الآخر فيها وفاق وقتي ووئام لحظي وتواقيع بروتوكولية لوثيقة جديدة تعيد تكرار ما حفظناه عن ظهر قلب. قمة يعتبرها الكثيرون أشبه بالحمل الكاذب الذي يوفر البهجة عند أول الدراية به والنكبة عندما يتضح بأن لا جنين منتظر.
نعم كثيرون يأمنون بأن المصالحة لا تحتاج إلى قمة ومهرجان خطابي جديد واستعراض سياسي ومنصات إعلامية وأحلام عريضة. بل تحتاج إلى قرار وإقدام. فالمواطن المغلوب على أمره لا يهمه من سيكون وزير الزراعة أو الخارجية أو السياحة الفلسطيني القادم بقدر ما يهمه الوفاق والوئام ووحدة الحال والتركيز على المسبب الأول لضياعنا ونكبتنا ونكستنا وهجرتنا ونزوحنا.
المواطن يريد ديمقراطية بين الجميع تقوده إلى الخلاص بالعزيمة لا إلى خلاص العزيمة ويتوق إلى الوصول إلى خط النهاية لا نهاية الخط المقبول من مساحات الوفاق والوحدة.
المواطن يريد إنهاء الاحتلال ويريد الديمقراطية بالانتخابات والبدء بإعمار غزة المنكوبة على من يموتون فيها كل يوم.
لذا فإن المصالحة هي فاعل مرفوع بالإرادة لا مكسور بالمحاصصة والاقتسام. فاعل يحركه الفعل لا الجري وراء مصالحة يتيمة ووثيقة جديدة واتفاق حديث يولدون جميعاً يوم القمة ويموتون مع أفول أضوائها ورحيل روادها.
المصالحة انتقام لأبو عمار وأحمد ياسين وأبو علي مصطفى وفتحي الشقاقي وثأر كبير لباب الشمس وسامر العيساوي ومروان الــــبرغــــوثي وأحدث شهداء الظلم الأسير ميسرة أبو حمدية.
المصالحة مصارحة ومفاتحة ومراجعة لا مناورة أو مقارعة أو مصارعة أو حتى مراوحة. فزمن الأنبــــياء لم يعـــد موجوداً وزمن المغامرات لم يعد متاحاً خاصة مع القتل المستمر لأرضنا ومائنا وهوائنا.
نعم جهد المبادرين لقمة المصالحة مهم ومشكور لكن الأهم النتائج التي ينتظرها الشارع الذي أتحف بالوعود وينتظر الجهود. الشارع الذي لم يعد يبتهج لحديث المصالحة وبات يقابله بتهكم وتنّدر واسعين.
لذلك وبالنسبة لهذا الشارع المطلوب ليس قمة وإنما همة وليس أقوال وإنما أفعال: حكومة وانتخابات وإعمار لغزة وتفعيل لمنظمة التحرير.
خطوات واضحة لا لبس فيها يجب أن نراها حقيقة وإلا استمر الكبير والصغير، الموسع والمضيّق من القمم ..
القدس العربي .