الناصرة: تهدد سياسة إسرائيل في منطقة جنوب جبال الخليل وجود قرابة 30 قرية فلسطينية، وهي المنطقة الموجودة برمتها في مناطق C الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية التامة. وفي هذه المنطقة التي تُسمى أيضا بمسافر يطا (القرى المحيطة بيطا)، يعيش قرابة 30000 شخص يعتاش غالبيتهم من استصلاح أراضيهم ورعي الماشية.
تتمحور سياسة الإدارة المدنية في منع البناء في معظم القرى الفلسطينية الواقعة في منطقة جنوب جبال الخليل، زاعمةً أن المنطقة هي منطقة عسكرية. ويجري هذا من ضمن سائر الأساليب عبر الامتناع عن إنجاز خرائط هيكلية تسمح بترتيب وتسوية البناء القائم والتطوير المستقبلي. وتدعي الإدارة المدنية، كما جاء في تقريرٍ خاصٍ أعدته منظمة (بتسيليم) المناهضة للاحتلال، أن الخارطة الهيكلية التي من المفترض أن تعمل وفقها هي الخارطة التي صدقتها سلطات الانتداب البريطاني عام 1942. وبحسب هذه الخارطة، فإن هذه المنطقة مُعدة للاستخدام الزراعي. لكن، ورغم أن هذه الخريطة تسمح بالبناء المقلص داخل الأراضي الزراعية، قامت الإدارة المدنية بتفسير أوامر الخارطة بشكل مغلوط ومنعت أي نوع من البناء.
وفي غياب خرائط هيكلية مصدقة، يُحرم الفلسطينيون من إمكانية تشييد مبان مرخصة، مثل البيوت السكنية والمؤسسات العامة كالمدارس والعيادات الطبية، أو شق الشوارع اللائقة والارتباط بشبكة الكهرباء والمياه التي مدتها إسرائيل في المنطقة، ووصلت بها المستوطنات والبؤر الاستيطانية.
وقد حضرت الإدارة المدنية خرائط هيكلية معدودة لقرى فلسطينية في مناطق C في أرجاء الضفة، إلا أن هذه الخرائط تهدف بالذات إلى منع أي إمكانية لتطوير تلك القرى. فمثلا، حضرت الإدارة المدنية في مطلع سنوات التسعين خارطة هيكلية لقرية التواني جنوب جبل الخليل، وفي عام 2009 جرى تعديل الخارطة وتوسيع مساحتها. وقد وُضعت الخارطة من دون إجراء أي مسح تخطيطي كان من المفترض أن يعرض احتياجات القرية، كما يستوجب قانون التنظيم والبناء الأردني، الذي يُلزم إسرائيل العمل بحسبه. وقد خصصت الخارطة التي وضعتها الإدارة المدنية للقرية ما مساحته 52 دونما فقط، ولم تخصص لها أي مساحة للتطوير المستقبلي. كما أن الخارطة لم تشتمل على كل المساحة المبنية في القرية، ولو أنها طُبقت لكان الضرر لحق ببعض بيوت القرية. في مقابل ذلك، خصصت الخارطة الهيكلية التي أعدتها الإدارة المدنية لمستوطنة (معون) المجاورة ما مساحته 385 دونما، رغم أن عدد سكان القرية والمستوطنة متساويان، ورغم أن قرية التواني تُستخدم كمركز خدماتي لقرى أخرى في المنطقة، نتيجة لوجود مدرسة وعيادة طبية فيها. وتدعي الإدارة المدنية في السنة الأخيرة أنه لا يمكن تصديق خرائط هيكلية للبناء في قرى جنوب جبال الخليل، لأن هذه القرى لا تستوفي المعايير التخطيطية التي وضعتها من أجل تسوية وترتيب البناء في القرى الفلسطينية في مناطق C.
علاوة على ذلك، قامت إسرائيل، وبواسطة شركة (مكوروت)، بمد بنى تحتية في منطقة جنوب جبال الخليل، لتزويد المياه للمستوطنات والبؤر الاستيطانية ولمشاريعها الزراعية – الحظائر والدفيئات وكروم العنب.
وتمر البنى التحتية المائية بمحاذاة القرى الفلسطينية، إلا أن الإدارة المدنية لم تصل أي قرية بهذه الشبكات، ويعمل الفلسطينيون في المنطقة على جمع مياه المطر في الآبار، إلى جانب المياه التي يشترونها من الحاويات. إلا أن الإدارة المدنية أصدرت أوامر هدم للكثير من هذه الآبار بادعاء أنها أقيمت من دون تصاريح، رغم أن قسما منها قائم منذ فترة الانتداب البريطاني، وهذا الأمر، أدى إلى أنْ يصل إلى 28 لترا لليوم للفرد الواحد، وهي نسبة مشابهة لتلك السائدة في المناطق المنكوبة في العالم، مثل دارفور في السودان. كما لا تسمح إسرائيل بوصل قرى المنطقة بشبكات الكهرباء التي أقامتها لصالح المستوطنات والبؤر الاستيطانية، حتى حين تمر الخطوط الكهربائية على بُعد عشرات الأمتار فقط من تلك القرى. بالإضافة إلى ذلك، جاء في التقرير، يتعرض سكان جنوب جبال الخليل الفلسطينيون، وبشكل دائم، للعنف الصادر عن سكان المستوطنات والبؤر الاستيطانية في المنطقة.
وقد زاد حجم هذا العنف بعد إقامة بؤرة ‘حَفات مَعُون’ الاستيطانية عام 1997، وفي أعقاب الانتفاضة الثانية. وتمتنع السلطات الإسرائيلية ـ الجيش والشرطة – في العادة عن التدخل في الأحداث العنيفة، وهي لا تستنفد في غالب الحالات عمليات التحقيق المطلوبة من أجل فرض تطبيق القانون على المستوطنين العنيفين. وتشمل الأعمال العنيفة الاعتداء على فلسطينيين داخل مناطقهم السكنية ومحاولة إحراق الخيام السكنية والاعتداء الجسدي على الرُعاة وعلى الناشطين الإسرائيليين والأجانب الذين يرافقون سكان القرى، وإتلاف وقطع أشجار الزيتون وأشجار مثمرة أخرى، وحرق المحاصيل وتهويش الكلاب وسرقة الضأن والمس بقطعان الماشية.
وأمس الأربعاء كشفت صحيفة (هآرتس) العبرية عن وجود وثيقة قضائية رسمية قام باعداها البروفيسور إيال بنيبشتي، وجاء فيها أن المحاولات الإسرائيلية لطرد السكان الفلسطينيين من المنطقة تُعتبر جريمة حرب وتسمح للفلسطينيين بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد سلطات الاحتلال، وكان الجيش قد أمر بطرد السكان، إلا أن الالتماسات التي قُدمت للمحكمة العليا الإسرائيلية منعت تنفيذ القرار، وفي العام الماضي قدم وزير الأمن الإسرائيلي، إيهود باراك، ردًا للمحكمة جاء فيه أن الحكومة الإسرائيلية تُصر على طرد السكان، لكي يتسنى للجيش القيام بالتدريبات العسكرية.
وقال البروفيسور بنيبشتي، في تصريح مشفوع بالقسم، قدمته منظمة حقوق الإنسان إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لمنع طرد السكان الفلسطينيين، إن عملية الطرد منافية لاتفاقيات جنيف، كما أن الاتفاقيات تُلزم الدول التي لم تنضم إلى هذه المعاهدات، موضحا أن المحكمة الدولية في قضية يوغوسلافيا قررت في حينه أنه يُمنع الطرد في حالتين: الطرد من منطقة محتلة والطرد إلى منطقة محتلة، ولفت إلى أن القانون الدولي يُحرم طرد السكان من مناطقهم، ولا تنفع الحجج العسكرية، كما أوضح أن الطرد بالقوة ممنوع، بالإضافة إلى ذلك، فإن عمليات الجيش والإدارة المدنية غير القانونية لطرد السكان، كما قررت محكمة لاهاي في قضية يوغوسلافيا، على حد قوله.
‘القدس العربي’– زهير أندراوس.