بقلم: يوسي ميلمان /الخيال الصهيوني الذي لا ينقطع حول إقامة دولة يهودية بدون عرب، عاد مرة أخرى في حرب غزة. عضو الكنيست رام بن براك (يوجد مستقبل)، وصديق عضو الكنيست داني دنون (الليكود)، قاما بنشر مقال في “وول ستريت جورنال” طرحا فيه اقتراح، للوهلة الأولى يبدو اقتراحا جديدا، لتشكيل مستقبل قطاع غزة. ما هو هذا الاقتراح؟ بلورة خطة تمكن من الانتقال الجماعي للاجئين من القطاع إلى دول توافق على استيعابهم. ليس بالصدفة أن أول من بارك هذه المبادرة هو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المؤيد المتحمس لفكرة الترانسفير.
فكرة الترانسفير الطوعي أو الطرد القسري ترافق الحركة الصهيونية منذ أن اكتشف بعض الآباء المؤسسين لها بأن اليهود الذين عادوا إلى وطنهم التاريخي لا يأتون إلى ارض فارغة بالكامل. في حزيران 1895 (قبل سنتين على مؤتمر بازل) كتب ثيودور هرتسل “الأراضي الخاصة في البلاد التي أعطيت لنا يجب أن نأخذها بالتدريج من أيدي أصحابها. سنحاول نقل السكان الفقراء بدون ضجة إلى خارج الحدود عن طريق تقديم عمل في البلاد التي سينتقلون إليها، لكن في بلادنا علينا منعهم من أي عمل… نقل الأراضي إلى أيدينا وإخراج الفقراء من دولتنا يجب أن يتم بشكل لطيف وبحذر”.
هذه الفكرة وجدت التأييد بشكل خاص عند انتهاء الحرب العالمية الأولى وفي أعقاب الحرب بين اليونان وتركيا في الأعوام 1919 – 1922 التي انتهت باتفاق لوزان في 1923 الذي تقرر فيه تبادل السكان بين الدولتين: حوالى 1.25 مليون يوناني تم طردهم من تركيا، وحوالى 600 ألف تركي وجماعات مسلمة أخرى (مثل الألبان) تم طردهم من اليونان.
مفكرون صهاينة مثل إسرائيل زنغبيل ويعقوب تاهون طرحوا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي اقتراحات لنقل عرب إسرائيل إلى شرق الأردن، ولجنة بيل التي طرحت في 1937 باسم الحكومة البريطانية اقتراحا لتقسيم ارض إسرائيل الانتدابية، اقترحوا تبادل السكان. دافيد بن غوريون وخصمه جابوتنسكي انشغلا بهذا الأمر أيضا.
رغم أن فكرة الترانسفير لم تكن في أي يوم سياسة صهيونية رسمية، فإنه فعليا تم تنفيذها في حرب الاستقلال (النكبة) عندما هرب حوالى نصف عرب البلاد – الذين كان عددهم 1.25 مليون شخص – أو تم طردهم أو غادروا بإرادتهم. في الضفة الغربية التي تم ضمها للأردن بقي
نحو 400 ألف شخص، في غزة حوالى 150 ألفا، ومثل هذا العدد بقي داخل حدود دولة إسرائيل. حتى بعد حرب الأيام الستة تم طرد، بالأساس غادر، اكثر من 200 ألف فلسطيني.
إن نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يمكن رؤيته نتيجة للحروب وليس كخطة عليا ومنظمة، رغم أنه بعد حرب الأيام الستة كانت هناك محاولة واحدة كهذه. بأمر من رئيس الحكومة ليفي أشكول تم تشكيل وحدة سرية الأعضاء فيها كانوا عيدا سيرني، التي خدمت في مؤسسة الهجرة ب، ويوسف ياريف، رئيس قسم العمليات “قيصاريا” في “الموساد”، وضابط الشرطة شلومو بن الكنا وغيرهم. وقد تم إلقاء عليهم مهمة تشجيع عرب غزة إلى المملكة الأردنية والى دول أميركا الجنوبية (مقابل الأموال).
بضعة آلاف استجابوا لهذا العرض، لكن تيار الهجرة كان ضئيلا مقارنة مع الموارد التي استثمرت فيه، وقد انتهى بفشل ذريع ومأساوي في أيار 1970 عندما دخل اثنان من شباب غزة إلى السفارة الإسرائيلية اونسيون عاصمة البروغواي واطلقوا النار هناك وقتلوا عدنا بئير، سكرتيرة السفير. في محاكمتهما قالا، إنه تم إغراؤهم من اجل الهجرة إلى البروغواي وأنه تم وبحق توفير تذاكر السفر لهم ومصروف جيب، لكن الوعود التي وعدوا بها لم يتم الوفاء بها وذلك فقد قررا الانتقام من إسرائيل. وقد حكم عليهما 13 سنة سجن. إسرائيل نفت وجود هذه العملية وقالت، إنهما “مجرد” إرهابيين قامت حركة فتح بإرسالهما.
في الثمانينيات، عادت فكرة الترانسفير إلى الخطاب العام بسبب نظرية مئير كهانا العنصرية، التي تم تبنيها من قبل رحبعام زئيفي واليمين الاستيطاني.
منذ العام 1967 سكان غزة ازداد عددهم 15 ضعفا، وعددهم الآن 2.3 مليون نسمة يتجمعون في مساحة 365 كم مربع، وهي من المناطق الأكثر اكتظاظا في العالم. الآن في الحرب، التي فيها اكثر من نصف بيوت غزة تم تدميرها بقصف الجيش الإسرائيلي، وتقريبا 2 مليون شخص اصبحوا مرة أخرى لاجئين، فإنه ليس من الغريب أنهم في إسرائيل اصبحوا مرة أخرى يتسلون بالفكرة القديمة، ترانسفير ما (تهجير، تشجيع على الهجرة ومغادرة طوعية)، وتسمع أقوال على صيغة اقتراح بن براك ودنون أو أقوال وزير الزراعة. هذه الأفكار تنبع أيضا من اليأس الذي أصاب الكثير من الاسرائيليين والذين مصدره الشعور بأنه لا يوجد أي حل لغزة، وبالتأكيد في الوقت الذي لا يوجد فيه للحكومة أي خطة لليوم التالي. الحل الأقل ضررا ولكن الأكثر معقولية، نقل السلطة في غزة للسلطة الفلسطينية وقوة متعددة الجنسيات، تم رفضه من قبل نتنياهو.
الخطر الأكبر الذي يهدد إسرائيل هو أن أقوال ياسر عرفات ورئيس الحكومة اسحق شامير قد تحققت. فعرفات قال شيء على صيغة “إذا لم يعجبكم اشربوا بحر غزة”. واسحق شامير قال، “البحر هو نفس البحر والعرب هم نفس العرب ونتنياهو هو نفس نتنياهو”.
عن “هآرتس”