نكبة اخرى ترسخ نهج الاحتلال الاسرائيلي في القتل والتدمير والتشريد وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، ونحن ما زلنا حتى الآن نلملم قصص وحكايا الفلسطينيين في شتاتهم، كبار يروون فصول التغريبة الفلسطينية المريرة وصغار لا ينسون، يراودهم حلم العودة من لجوء ورثوه قسرا، أدرج في هويتهم الوطنية.
وكم خرجت على مدار عقود النكبة أصوات تشكك في تمسك الفلسطينيين بوطنهم وتتهمهم بالتنازل عن أرضهم وبيعها للمحتل، في محاولة لا تعدو أن تكون تنصلا من أي تعاطف معهم او دعمهم في نيل حقوقهم الانسانية في الأوطان التي لجأوا اليها عبر تحميلهم وزر اللجوء والشتات.
ومع حلول نكبة جديدة بحق الشعب الفلسطيني ساحتها قطاع غزة الذي يتعرض لأبشع ابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية وتطهير عرقي وتهجير وتجويع، يتم تلقائيا الربط بين الجريمتين التاريخيتين 1948 و2023 مع فارق ان مجريات الأخيرة في غزة تتسم بالتوثيق الكامل والدقيق عبر الشاشات الكبيرة والصغيرة وكل ما اتاحته وسائل التكنولوجيا لكل ما ارتكبه الاحتلال منذ اللحظة الأولى لهجومه الوحشي على القطاع.
حتى العالم الغربي الذي دعم بغالبيته اسرائيل في احتلالها فلسطين لعقود طويلة، نرى اليوم تبدلا غير مسبوق في موقفه الموروث، خصوصا أن شريط الحرب الذي يمر أمامه يعكس حجم تخطي الاحتلال لكل مبادئ الانسانية في هذه الحرب وقفزه فوق مرتكزات وقواعد المجتمع الدولي، هذا كان كفيلا بأن ينسف أي قناعة بأكاذيب اسرائيل وخصوصا لدى الشعوب التي خرجت بالملايين في مختلف بلدان العالم لا سيما في اميركا والدول الأوروبية وقد استطاعت احراج حكوماتها التي ما زالت تدافع عن الجلاد بوجه الضحية.
من هنا نرى التقهقر في مواقف قيادات تلك الدول التي تتغنى بالديمقراطية وقد هرع معظمهم الى اسرائيل في أيام الحرب الاولى لتسجيل موقف الدعم والتضامن، نفسها هذه القيادات محرجة من شعوبها ومستاءة ضمنا من العبثية الاسرائيلية، فرنسا واحدة من هذه الدول التي تدحرجت قراراتها تجاه الحرب في غزة، وقد زار ماكرون اسرائيل بداية، وأعرب عن دعمه لها في الدفاع عن نفسها ثم انزلق عبر تصريح له بدعوتها (اسرائيل) الى التوقف عن قتل المدنيين في غزة، ما أثار حفيظة نتنياهو وحكومته وثم تراجعه عن حديثه، وقد أثار الارتباك في تصريحات ماكرون انتقادات كبيرة. واعرب العديد من السفراء الفرنسيين في مذكرة لهم عن أسفهم لموقف باريس في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وذلك بسبب التحول المؤيد لإسرائيل الذي اتخذه الرئيس الفرنسي حيال الحرب الحالية على قطاع غزة.
لم تدع اسرائيل ما يحتمل الشك حول اجرامها اللامتناهي بحق أهالي غزة بدءا من الخدج الذين يصارعون الموت على أسرتهم وليس انتهاء بالمسنين الذين يعايشون نكبة بلادهم الثانية، عبثا يظن الاحتلال انه يرسم ممرا الى دولته الكبرى عبر العقاب الجماعي لأهالي غزة وهو يستبيح أمواتهم المكدسة جثثهم في كل زوايا القطاع كما احياؤهم الذين يقطع عنهم حتى شربة المياه، نكبة تشكل فصلا من فصول تاريخ هذا العدو الدموي، وقد وثقناه، فكلنا شهود، كلنا رواة، لم يبع الفلسطينيون ارضهم، وحتى الساعة وبعد ما يقارب الشهر ونصف الشهر على حمم النيران فوق رؤوسهم، اهالي غزة يتطلعون للعودة الى بيوتهم المدمرة، لم نسمع أحدا منهم يطلب لجوءا، انما رحمة، ورحمة السماء ليس إلا.
———
* صحفية لبنانية
عن صحيفة الحياة الجديدة