كوانزو- الحياة الجديدة- سعيد شيلو- حط القطار السريع الذي تبلغ سرعته 500 كيلو متر في الساعة في مدينة قوانتشو أو كوانزو جنوب الصين، ليصل 31 صحفيا وصحفية غادروا من فلسطين إلى الصين بدعوة من وزارة التجارة الصينية إلى محطة أخرى من الزيارة التي استغرقت 14 يومًا، للمشاركةِ في ندوة مهنية.
هذه المحطة مختلفة، أول ما تراه عند دخولك المدينة تمثال ضخم على شكل عملة نقدية مصنوع من الحاويات، في إشارة رمزية إلى أن الصين استطاعت تحويل الوضع البائس إلى ازدهار ملموس في غضون سنوات قليلة، فالصين التي كانت غارقة في الفقر والبطالة والأوبئة والتخلف، استطاعت منذ بدء مرحلة “الإصلاح والانفتاح” في العام 1978 أن تنتفض على الفساد والتخلف وتسابق الزمن لتغدو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بناتج إجمالي محلي ناهز الـ18 تريليون دولار.
أسواق المدينة صخمة، وكل سوق يختص بسلعة معينة، يؤمها كبار التجار من كافة دول العالم بما فيها فلسطين، ويطلق عليها مدينة “الجملة” كونها تحتوى على معظم البضائع والمنتجات الصينية.
كوانزو ليس عليك أن تراها مدينة تجارية فقط، لكن عندما تذهب بجولة على متن القارب بنهر اللؤلؤة وتشاهد على ضفاف النهر تلك البنايات الشاهقة وتلك الأضواء المبهرة تصيبك الدهشة لحظات عديدة من عظمةِ المشهد ودقة التصميمات.
انتهت رحلتنا في مدينة قوانتشو، وعبر القطار مرة أخرى في رحلة استغرقت ساعتين، إلى مدينة المستقبل مدينة شنزين مدينة التكنولوجيا الصينية بمبانيها العالية وناطحات السحاب الضخمة ومراكزها التجارية الهائلة، فهذه المدينة العملاقة تجذب آلاف الشباب من جميع أنحاء المدن الصينية الأخرى.
يبدأ كل شيء بالاختفاء تأخذك الغفلة لحظة وكأنك في العالم خارج الكوكب، لعل نسيم هواء هناك، لعل الماضي والحاضر والمستقبل معا يشدك إلى ثاني أكبر اقتصاديات العالم، فقط عندما تحط الطائرة بك يمكن اكتشاف ذلك العالم، حيث تختفي كل الصورة ويخيم عليك جو العالم الجديد، يصيبك الذهول في بعض اللحظات وفي البعض الآخر يصيبك الهذيان، تتساءل بين الحين والآخر: هل نحن على هذا الكوكب؟ أين نحن من ذلك العالم؟ لتجد أنك في جمهورية الصين الشعبية.
قبل أن تحط الطائرة رحالها يتبادر إلى الذهن بأن الصين هي عبارة عن سور الصين العظيم، ورياضة الكونغ فو، والخزف الصيني، لحظة بلحظة تبدأ باكتشاف ما هو جديد بأنك بأرض تحتل المرتبة الثانية عالميًا اقتصاديا من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ما يدلل على أن كل اقتصاد صاعد يصاحبه صعود في كافة المجالات الاخرى.
تبدأ حيث لا يمكن اكتشاف الصين دون أن تلامس قدماك أرضها، وما أن تلامس الأرض وتبدأ حافلتك بالتحرك نحو مكان إقامتك يشدك ما تشاهده على جانبي الطريق من ناطحات سحاب وبنى تحتية، ومساحات خضراء وسط كتل اسمنتية.
لتستمر متعة تجربة الاكتشاف والتعرف على عظمة الاقتصاد وأمة ذات إرادة قوية استطاعت خلال 70 عامًا فقط أن تصنع حضورًا عالميًّا كان له الأثر البالغ في المشهد الدولي.
بمقاطعة هونان بمدينة تشانغا مالكة لقب مدينة السعادة، أول ما يخطر ببالك تساؤل: كيف لمدينة يعيش فيها حوالي 16 مليون مواطن لا يوجد فيها ازدحام مروري، وكيف خطط لذلك عبر هذه الجسور، كيف لهذه المباني أن ترتفع؟ لماذا يطلق عليها مدينة السعادة؟ لتجيب نفسك بنفسك على كل هذه الأسئلة بجواب بأن كل الحجم الاقتصادي الهائل يقابله تطور ونهوض وتقدم ما يجعل كل السكان سعداء.
فقط في تلك المدينة تنعكس السعادة على روحك لتخرج دون أن تلاحظ وتستمع دون أن تفكر في جمالية المكان والمباني والطرق والجسور، فقط تشعر بأن كل ما في المدينة يجعلك تعيش في حالة سعادة غامرة وذهول كطفل ينتظر والده.
في المقاطعة ذاتها ذهبنا لزيارة مدينة تشانغجياجيه، تبدأ الرحلة من حديقة تشانغجياجيه الوطنية الصينية التي أدرجت على قائمة منظمة اليونسكو في عام 1992 باعتبارها حديقة جيولوجية عالمية، تغطي الأشجار والنباتات حوالي 98% من مساحتها، لتشاهد جمال الطبيعة الخلابة في خليط رائع بين الجبال والغيوم والغطاء النباتي، الكثيفة في آن.
هنا أنت فقط تستمتع بجمال الطبيعة وصنيعة الإنسان، من طرق معبدة وأدراج ذات أمان عالٍ في “تلفريك” ينقلك من جمال إلى جمال، وتعود الى الذهن التساؤلات نفسها، ثم تصل الى الإجابة ذاتها: كل صعود يقابله صعود.
عندما تصل إلى أعلى القمم في منطقة الحديقة الوطنية الصينية أينما تشيح بناظريك ترى الضباب يعانق الجبال في مشهد يعكس علو المكانة التي وصلت إليها الصين.
في حديقة تشانغجياجيه الوطنية للغابات، تنتشر أعمدة الصخور المنحدرة في أرجائها، التي يصل ارتفاع بعضها الى ما يقارب الـ 1000 متر، يزور المنطقة كل من المغامرين الذين يعشقون تسلق الصخور، أو محبي الاستكشاف الذين ينظمون مسارات للمشي الطويل حول الأعمدة، بالاضافة الى وجود تلفريك ومصاعد تنقل من يفضل مشاهدة الإطلالة من الأعلى وهي موقع تصوير فيلم أفاتار، حيث أطلق عليها اسم Avatar Hallelujah تكريمًا للفيلم عام 2010.
في مدينة المستقبل يربض مجمع الصحف، ترى المستقبل أمامك بمجرد مشاهدة المجمع. يأخذك خيالك إلى الجمال مرة اخرى ولكن بطابعٍ إعلامي هذه المرة، حيث إن مجموعًا من الصحف داخل مبنى واحد، ويحتوي على مكتبة تضم حوالي 30 ألف كتاب، وناد رياضي، مخصص للصحفيين، على قاعدة العقل السليم في الجسم السليم.
شنزين تدل على مدينة العالم الجديد، ليس عليك سوى أن ترى وتشاهد تلك المدينة الصاخبة من بعيد دون أن تقترب فهي تمثل المستقبل للعالم أجمع وليس الصين فقط، هنا يمكن القول: إن الحكومة الصينية عملت طوال تلك الأعوام الـ70 على بناء حضارة وثقافة لا يمكن لأي دولة في العالم على منافستها.
الصين ليست فقط تاريخًا وماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا وأرض حضارة وتكنولوجيا فقط، بل شعب منظم، ودود لطيف قريب للقلب، متقبل للآخر، يدعوك لالتقاط الصور. يبتسمون في وجه الجميع، يمكنك الخروج وتمتّع ناظريك بجمالها وسط أمن وأمان، ورغم الاحتلافات الحضارية والثقافية والجغرافيا، إلا أن زائر الصين يشعر وكأنه في وطنه.