عندما ينفي وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه وصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري فإنه لا يمكن أن يبرئ نفسه مما قاله، أو يبرئ الدولة الإسرائيلية من أنها دولة فصل عنصري بالفعل، فتاريخها يشهد على أنها ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني جرائم كالجرائم التي ارتكبها النازيون الألمان ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، والتي وصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنها أبشع جرائم هذا العصر.
فإسرائيل من خلال هذه الحكومة اليمينية، التي على رأسها بنيامين نتنياهو، عندما تصر على اعتراف الفلسطينيين بها دولةً يهودية فإنها تثبت وتؤكد أنها دولة فصل عنصري بالفعل، فمطالبة منظمة التحرير بالاعتراف بيهوديتها يعني تحويل سكانها الآخرين، وخاصة العرب، إلى مواطنين لا من الدرجة الثانية بل من الدرجة العاشرة.
ولعل ما يشير إلى أن إسرائيل تستهدف العرب المسلمين تحديداً أنها أصدرت قراراً قبل يومين أكدت فيه السماح للعرب المسيحيين بالخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وهذا كما هو معروف بقي ينطبق على العرب الدروز منذ قيام الدولة الإسرائيلية عام 1948 وحتى الآن… وهنا تجب الإشادة بالمسيحيين من فلسطينيي عام 1948 الذين أدركوا حقيقة هذه اللعبة الإسرائيلية وردوا على حكومة بنيامين نتنياهو برفض قرارها هذا، واعتبروه محاولة مكشوفة لتملق الأميركيين والغرب كله، بالإضافة إلى السعي لدقّ إسفين في الوحدة الفلسطينية الصلبة، وبخاصة داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948.
وأغلب الظن أنَّ كيري، هذا الذي يقال إنه اكتشف “عروقه” اليهودية متأخراً، يعرف أن جوناثان بولارد، الذي يُفترَض أنه أميركي، قد اختارته إسرائيل جاسوساً لها داخل القوات المسلحة الأميركية لأنه يهودي، وأنه قَبِل بأن يكون جاسوساً لإسرائيل لأنه يعتبرها دولة يهودية وأنها، أي إسرائيل، تسعى الآن إلى إخراجه من سجون الولايات المتحدة، كجزءٍ من صفقة إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، ليهوديته، وكل هذا والأميركيون يعرفون أنَّ منظمة الـ”أيباك” هي منظمة يهودية لا أميركية، وأنها لا تقبل في دوائر وأطر معينة ومحددة فيها إلا اليهود الأميركيين.
لقد كان على جون كيري ألا يبادر، وهو مرتجف الفرائص، إلى نفي ما نُسب إليه منْ أنَّ إسرائيل بمواقفها من مفاوضات السلام مع الفلسطينيين تُحوِّل نفسها إلى دولة فصل عنصري، فهذه نصيحة لا يساوي ثمنها جملاً واحداً بل ألف جمل، وذلك لأن إصرار الإسرائيليين على اعتراف الفلسطينيين بدولتهم هذه دولة يهودية سيكون وبالاً على الأجيال الإسرائيلية المقبلة إذا تحولت منطقة الشرق الأوسط كلها إلى دولة إسلامية كردِّ فعل منطقي عندما تصبح إسرائيل دولة يهودية.
ربما لا يعلم كيري أنَّ التطرف العربي، الإسلامي والمسيحي، وإنْ كان لايزال تطرفاً لفظياً، هو رد فعل على المجازر العنصرية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، ولايزال يرتكبها، ضد الفلسطينيين لأنهم عرب، وربما لا يعلم أيضاً أنه عندما يصر الإسرائيليون على رفض السلام الحقيقي الذي يعترف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأنهم عندما يتعاملون مع الشعب الفلسطيني بكل هذا الاستعلاء وبكل هذه الكراهية البغيضة، فإنهم في حقيقة الأمر يشيدون جدران فصل عنصري، ومنذ الآن، كجدار الفصل العنصري الذي أقاموه في الضفة الغربية بين الأطفال اليهود والأطفال الفلسطينيين، وبين الأجيال الفلسطينية والأجيال اليهودية المقبل.
عن الجريدة الكويتية