القاهرة: نشرت صحيفة “الأهرام” المصرية تقريرا عن تطور علاقة دولة الخليج بجماعة الاخوان المسلمين وجاء في التقرير الذي كتبته الصحفية ايمان رجب: شهدت دول الخليج, مؤخرا مجموعة من التطورات التي أعادت النقاش مرة أخري حول طبيعة مخاوف هذه الدول من الأخوان المسلمين, خاصة مع تزايد التحديات التي يطرحها الإخوان في الخليج للأسر الحاكمة في هذه الدول.
ومن ذلك ما أثارته الحكومة الكويتية مؤخرا عن تمويل بعض الجهات الكويتية لتنظيم الإخوان في الإمارات, بعد أن ألقت الإمارات القبض علي10 أطباء مصريين بسبب سعيهم لتشكيل خلية أخوانية, ترتبط بتنظيم الأخوان في مصر, من خلال تجنيد مصريين مقيمين هناك.
وهذه التطورات قد لا تؤدي إلي توتر علاقات مصر مع دول الخليج فقط, خاصة في ظل وجود قناعة بين النخب هناك بأن ما يحرك الأحداث في الخليج هم إخوان مصر, وإنما أيضا بتوتر علاقات هذه الدول مع بعضها البعض, خاصة الدول التي تسمح للأخوان فيها بالعمل السياسي مثل البحرين والكويت, أو مع قطر التي تتوافر شكوك حول دعمها لأنشطة الإخوان في الخليج.
والحديث عن مخاوف الخليج من الأخوان, مرتبط بالتصورات الرسمية لدي النخب الحاكمة في هذه الدول, أكثر من ارتباطه بالتصورات السائدة علي المستوي الشعبي, فرغم عدم توافر معلومات محددة حول حجم الأخوان في الخليج من حيث أعدادهم, إلا أن تاريخهم في هذه الدول, وشبكة الخدمات الاجتماعية التي يمتلكونها, كونت لهم رأس مال اجتماعيا, وفر لهم سطوة ما علي الشعب في الخليج, خاصة في المدن والقري الأقل تطورا من العواصم الخليجية, وهو ما يجعل محاولة عزلهم شعبيا, من خلال تصويرهم علي أنهم خطر يهدد أمن هذه الدول عملية معقدة, قد تترتب عليها تداعيات تفجر المجتمعات الخليجية من الداخل.
تحدي الشرعية وخطر الليبرالية:
تكشف التطورات التي تشهدها دول الخليج في الآونة الأخيرة, عن أن التصور الذي كان سائدا دوما بين المهتمين بالخليج, بأن الخليج هو الحاضن لجماعة الإخوان المسلمين وقياداتها, ليس صحيحا, فمن الواضح أن العلاقة بين الإخوان ودول الخليج أصبحت بعد الثورات العربية أكثر تعقيدا. حيث لا يعني احتضان دول الخليج لقيادات الإخوان, أثناء فترة الغضب العربي علي الإسلاميين, وسماحها لهم بإنشاء جمعيات وتنظيمات تتبني الفكر الإخواني, عدم وجود مخاوف لدي تلك الدول من الإخوان بعد وصولهم للسلطة في مصر وتونس والمغرب وليبيا والكويت, واستمرار علاقاتهم الفكرية والتنظيمية بإخوان الخليج.
ويمكن تحديد مخاوف دول الخليج من الإخوان بعد الثورات العربية في تخوفين رئيسيين, يتعلق التخوف الأول بتعزيز أزمة الشرعية التي تعاني منها دول الخليج, والتي أصبح واضحا أن مصدرها ليس الشيعة فقط, فهناك مخاوف لدي النخب الحاكمة الخليجية بدرجات متفاوتة من اهتزاز شرعيتها, لصالح الإخوان المسلمين, خاصة بعد وصولهم للسلطة في دول الثورات العربية. ومتابعة رد فعل دول الخليج علي هذا التطور, تسمح بالحديث عن دول أيدته, مثل قطر, وهو ما يمكن تفسيره باعتبارات خاصة برغبتها في التحكم في عملية التغيير التي تشهدها بعض الدول في المنطقة, من خلال دعم قوي محددة, وربما يرجع اختيارها لدعم القوي الإخوانية إلي احتضانها يوسف القرضاوي منذ عقود, والذي يتمتع بمكانة خاصة لدي الإخوان المسلمين, كما يرجع لكون الإخوان القوي الأكثر تنظيما في معظم الدول العربية التي شهدت ثورات خلال العام الماضي, مما يجعل الرهان عليهم رهان غير خاسر. كما أن هناك دولا نظرت لصعود الأخوان نظرة ريبة, كما في حالة السعودية والإمارات, بينما هناك دول أخري لم تول الموضوع اهتماما, لأنها حسمت علاقتها مع الإخوان فيها, وهو ما تعبر عنه عمان, وهناك مجموعة رابعة تتألف من البحرين والكويت تعيد النظر في موقفها من الأخوان.
وينصرف التخوف الثاني إلي امكانية تحول الإخوان إلي محرك لعملية التغيير السياسي في هذه الدول, وليس مجرد قوي تجني ثمار التغيير كما حدث في دول الثورات, فيما يشبه عملية تصدير للثورة من دول الثورات إلي دول الخليج, مستغلة في ذلك غياب أي بديل لها كقوة سياسية منظمة لديها فكر مستقر وهدف سياسي محدد.
وتدرك دول الخليج, أن تكرار الثورة المصرية علي أراضيها أمر قد يكون مستبعدا لاعتبارات خاصة بالتركيبة السكانية, وتاريخ العلاقة بين الشعب والحكم هناك, ومستوي الإزدهار الاقتصادي الذي حققته, فما يقلق هذه الدول من الإخوان ليس انتمائهم لقوي الإسلام السياسي, فنظم الحكم في هذه الدول ليست علمانية, بل الخطاب المتقدم للإخوان, والمحمل بقيم الليبرالية, خاصة ما يتعلق منها بالانتخابات وتداول السلطة, والتي هي دخيلة علي فكر الإخوان وعقيدتهم, وهذا الإدراك تعكسه المواقف الخليجية المتخوفة من احتمال انتقال النموذج الكويتي إلي دول خليجية أخري, خاصة بعد نجاح الإخوان والإسلاميين في انتخابات فبراير2012, حيث حصل الإسلاميون علي23 مقعدا من أصل50 مقعدا, وهو عدد قياسي مقارنة بفترات سابقة, علت بعدها مطالبهم بانتخاب رئيس وزراء شعبي وبالتحول نحو الملكية الدستورية.
الاحتواء أم المواجهة؟
منذ وصول الأخوان المسلمين للسلطة في مصر وغيرها من الدول العربية, اختلفت استراتيجيات دول الخليج في التعامل مع الإخوان, حيث اعتمدت السعودية إستراتيجية الاحتواء, في حين تسعي الإمارات لتفكيك حركة الإصلاح فيها, وظلت البحرين والكويت حتي فترة قريبة هما الاستثناء علي دول الخليج فيما يتعلق بالعلاقة مع الإخوان, حيث سمحتا للإخوان بالمشاركة في الحياة السياسية, من خلال جمعية المنبر الإسلامي, ومن خلال الحركة الدستورية الإسلامية علي التوالي. وإذا كانت البحرين بعد احتجاجات فبراير2011 أصبحت سيناريو أسوأ حالة الذي لاتريد دول الخليج أن تمر به, غدت الكويت النموذج السيء للديمقراطية الذي ينبغي تجنبه, وازداد سوء هذا النموذج مع انتخابات الكويت في فبراير2012 السبق الإشارة إليها.
ويمكن القول أن تلك الانتخابات وما تبعها كانت المتغير الحاسم في تنبه دول الخليج إلي امكانية انتقال خطر الأخوان إليها دون حاجة إلي ثورة, ولذا حظي ما اتخذته الكويت من إجراءات لتقليص نفوذ الإخوان والإسلاميين من خلال حل مجلس الأمة المنتخب في فبراير2012 وإصدار قانون انتخابات جديد وعقد انتخابات جديدة, بقبول خليجي.
ويستدعي هذا التطور, الانتباه لوضع الإخوان في البحرين, الدولة الثانية في الخليج التي تشهد انتخابات دورية, حيث اتبع النظام هناك منذ احتجاجات فبراير2011 استراتيجية تقوم علي استخدام الأخوان والجماعات الوهابية من اجل التقليل من أهمية تحركات المعارضة, وتشويهها, حيث خاضت حرب كلامية ضد المعارضة نيابة عن النظام لإثبات تبعيتهم لإيران, وأصبح الأخوان قوة سياسية مهمة في أي عملية تفاوض يمكن أن تتم بين الحكومة والمعارضة, وأخذوا يطالبون بمكاسب سياسية مماثلة لتلك التي يمكن أن يتم تقديمها للمعارضة, وبالتالي لم يعد من الممكن احتواء تأثيرهم السياسي. وإذا كانت الكويت قد سعت بعد انتخابات فبراير2012 لتغيير طريقة تعاملها مع الأخوان المسلمين سياسيا, تظل قدرة البحرين علي تغيير استراتيجيتها بهدف تقليص النفوذ السياسي للأخوان محدودة, خاصة مع استمرار الأزمة بينها والقوة الثانية المنظمة ممثلة في المعارضة التي تتزعهما جمعية الوفاق.
لقد خلقت الثورات العربية واقعا جديدا في المنطقة, من المتوقع أن يؤدي إلي تغير نمط العلاقات بين دول الخليج وجماعة الإخوان المسلمين والذي استقر طوال العقود الماضية, ليكون مبنيا علي أمن الدولة الخليجية, وليس علي التعاطف الديني كما كان في السابق.
الاهرام .