رام الله / مع الإعلان عن الخطوط العريضة لموازنة السلطة للعام الحالي والبالغة نحو 3.6 مليار دولار ، بعجز يقدر بنحو 1.375 مليار دولار، بدأ حديث يدور في وزارة المالية عن خطط لتخفيض النفقات الحكومية.
ومن بين الخطط التي وضعتها وزارة المالية، مقترحاً للتقاعد المبكر يشمل نحو 13000 موظف في القطاع الحكومي، وزيادة الجمارك على السيارات التي تزيد قوة محركاتها عن 2000CC ومحاربة التهرب الضريبي الذي أفقد السلطة خلال العام 2011 نحو نصف مليار دولار، حسب تقرير نشرته دوت كوم في وقت سابق.
وكان وزير المالية د. نبيل قسيس قد استعرض في وقت سابق من الأسبوع الماضي آلية تفصيلية للتقاعد المبكر أمام ممثلين عن نقابة الموظفين العموميين، والتي اعتبرها رئيسها بسام زكارنة مجحفة بحق الموظفين، مشيراً إلى نية النقابة مواجهته بشتى الوسائل.
عبد الله: لن تحل المشكلة لكنها ستخفف منها
قضية التقاعد المبكر يعتبرها مدير عام معهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية “ماس” د. سمير عبد الله بانها ناجحة، لكنها لن تحل المشكلة بل ستخفف منها، لأن المشكلة المالية للسلطة هي مشكلة بنيوية في الأساس.
ويضيف، تقليل عدد الموظفين سيقلل من حجم الرواتب، وسيقلل من التكاليف الأخرى كالمواصلات، ومكتب وخدمات أخرى تكلف الحكومة مبلغاً من المال.
علاونة: ليست حلا بل ترحيلا
لكن المستشار الاقتصادي في بنك فلسطين د. عاطف علاونة يرى أن تنفيذ خطة التقاعد المبكر، سيؤدي إلى ترحيل المشكلة وليس حلها، “حيث أن الحكومة مضطرة لدفع الرواتب التقاعدية من الموازنة العامة ولا يتم دفع الرواتب من صندوق التقاعد الفارغ أصلاً”.
“كما أن ترحيل المشكلة إلى صندوق التقاعد يعني إلزام الصندوق بدفع رواتب تقاعدية على مدار عشرات السنوات في المستقبل ما يعني نقل العبء المالي إلى الأجيال القادمة”.
وحسب علاونة، فإن عدد الموظفين الذين سيقبلون فكرة التقاعد المبكر سينعكس في زيادة نسبة البطالة في صفوف الخريجين الجدد الداخلين إلى السوق، بسبب عدم قدرتهم على منافسة المتقاعدين أصحاب الخبرات العالية.
ويكمل علاونة حديثه بالقول “يمكن أن يوفر التقاعد المبكر مبلغا بسيطا من المال، لكن الآثار السلبية الاجتماعية والمالية ستكون أضعاف التوفير الذي ستحصل عليه الحكومة، لذا لا أنصح بالتقاعد المبكر إلا في حالات خاصة، وفي حالة توفر أموال في صندوق التقاعد”.
ارتفاع أسعار السلع
من جهة أخرى، أعلنت جهات رسمية منذ مطلع العام الحالي عن ارتفاع أسعار عدد من السلع الأساسية، كالخبز بنسبة 6%، والكهرباء بنسبة 10%، وبعض أنواع السجائر بزيادة شيكل واحد على أسعارها السابقة، والبنزين بنسبة 2%، واللحوم البيضاء بنسبة 4%، إضافة إلى المعسل والكحول.
هذا الارتفاع، يطرح تساؤلات حول مصداقية الجهات الرسمية التي ربطت الزيادة في الأسعار إلى ارتفاعها من الشركة المصنعة، كالسجائر مثلاً حسب ما أعلنت عنه دائرة التبغ والمكوس في وزارة المالية، أو ربط أسعار الكهرباء والوقود بإسرائيل وفق بروتوكول باريس حسب ما أعلنت وزارة المالية وشركات الكهرباء العاملة في الضفة.
ويرفض علاونة أن تكون الحكومة المسؤولة عن زيادة أسعار السلع الأساسية، “بل إن الحكومة تنفق مبلغ 7 مليون شيكل كدعم للسلع الأساسية كالوقود بالاضافة إلى دعم يصل إلى عشرات الملايين سنوياً من الشواكل على الكهرباء من خلال ما يسمى بصافي الإقراض”. بل الاتحاد الجمركي بين السلطة وإسرائيل هو المسؤول عن زيادة الأسعار خاصة أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد على الاقتصاد الإسرائيلي للحصول على هذه السلع. وهو الأمر الذي يتفق معه د. عبد الله.
خفض ميزانيات الوزارات
وزارة المالية لم تتطرق إلى خفض نفقاتها عبر اللجوء إلى التقليل من نفقات الوزارات، أو إجراء تعديلات على قانون رواتب موظفي المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين، أو تخفيض في النفقات التشغيلية لكافة مؤسسات السلطة الوطنية.
فعلى سبيل المثال، بلغت نفقات وزارة الداخلية والأمن خلال العام 2012 أكثر من 4 مليارات شيكل، في حين بلغت نفقات وزارة شؤون القدس نحو 43 مليون شيكل، وهي أكثر من نفقات مجلس الوزراء أو المجلس التشريعي خلال نفس العام، حسب بيانات وزارة المالية.
يقول علاونة، “الحكومة تميل لاتخاذ القرار الأسهل، في ظل وجود جو سلبي في الوزارات من حيث انتشار البطالة المقنعة والموظفين الوهميين خاصة المتواجدين في الخارج، حيث تعتقد وزارة المالية حسب علاونة ان اللجوء إلى تجميد العلاوات والمواصلات يعد قراراً سهلا اذا ما قورن بالإجراءات المتعلقة بإعادة هيكلة الحكومة وتخفيض النفقات العامة لوزارات ومؤسسات السلطة بالرغم من معارضة الموظفين القوية لإجراءات التخفيض”.
من جانبه، يرى مدير عام معهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية “ماس” د. سمير عبد الله أن النفقات التي يمكن للوزارات التي تخفضها تتعلق بالخدمات اللوجستية وخدمات الكهرباء والتدفئة ما يوفر ملايين الشواكل سنوياً.
وفيما يتعلق بالفوائد المستحقة على الحكومة لصالح البنوك والبالغة نحو 1.450 مليار دولار ، فإن نسبة الفوائد بالحد الأدنى تصل إلى 70 مليون دولار سنوياً إذا كانت نسبة الفائدة 5٪ فقط.
يقول عبد الله، أن الحكومة لا تستطيع سداد المبلغ كاملاً إلا إذا تم دفعه من قبل الجهات المانحة فقط.
وتتحمل السلطة شهرياً رواتب إضافية وفق قانون رواتب نواب المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين الحالين والسابقين، حيث يبلغ راتب النائب أو الوزير أو المحافظ 3000 دولار شهرياً، بحيث يتواصل صرف الراتب حتى بعد وفاة الشخصية لصالح أبنائه أو أحفاده، حسب ما أدلى به المستشار القانوني السابق في المجلس التشريعي د. عصام عابدين لـ دوت كوم.
وفيما يتعلق بالتهرب الضريبي، بدأت وزارة الاقتصاد عبر لجان المراقبة التابعة لها بحملات تفتيش لبضائع المستوطنات، والتي تدخل مناطق السلطة دون حسيب أو رقيب، ونجحت خلال الأسابيع الماضية بضبط عشرات الأطنان من البضائع الفاسدة.
قضية التهرب الضريبي بالنسبة لـ د. عبد الله يجب أن تكون محور اهتمام الحكومة، والتي يجب أن تبدأ بالعمل على مكافحتها عبر علاقة الحكومة مع القطاع الخاص، لأن الأخير هو من يجمع الضريبة، وبحاجة إلى جهد كبير من قبل وزارة المالية بتشجيع المكلفين بتسجيل الضرائب بصورة طوعية، كالأطباء والمحامين والمهندسين أو أصحاب أي نشاط تجاري، لأن الضريبة هي جزء أساسي من المواطنة.
من جانبه يقول علاونة أن الحكومة تلجأ إلى الإجراء الأسهل في العادة، وذلك عبر زيادة نسب الضرائب بشكل عام، وتخفيض الأجور، ودون الحاجة إلى اتخاذ اجراءات يمكن أن تواجه بقوة.
وأضاف، على سبيل المثال، زيادة نسبة الضرائب تخفف عن الحكومة عناء مكافحة التهرب الضريبي المتمثل في زيارات ميدانية وملاحقة المتهربين من الضريبة وغيرها من الإجراءات لتحصيل الضريبة الضائعة التي تقدر بحوالي 700 مليون دولار، الا اننا بالواقع بحاجة الى توسيع القاعدة الضريبية دون الحاجة الى زيادة نسب الضريبة.
أزمة بنيوية
ويرى الأكاديمي والمستشار الاقتصادي في بنك فلسطين د. عاطف علاونة أن الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة هي بنيوية في المقام الأول والتي بدأت مع مطلع العام 2002، والتي تعود لعدة أسباب
أولى هذه الأسباب الاتفاقيات الاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي متمثلة اتفاقية أوسلو وبروتوكول باريس ، وتأثيرها على السياسات الاقتصادية والمالية للسلطة، حيث استطاعت إسرائيل في استغلالها لصالحها، وحالت دون ممارسة السلطة سياسة اقتصادية ومالية وطنية.
ثاني الأسباب حسب علاونة يتمثل في الارتهان الفلسطيني للدول المانحة، خاصة بعد موازنات 2006 والتي ضاعفت من الرواتب والنفقات العامة، والاعتماد على أموال الدول المانحة لتغطية هذا العجز، على الرغم من علم الحكومة بتبعات هذه القرارات على المستويات السياسية والمالية.
أما السبب الثالث، فهو لجوء الحكومة إلى السياسة المالية التوسعية (توسيع النفقات وزيادة الموازنات) لمؤسسات السلطة، مما يضطرها إلى اللجوء للخارج لتغطية النفقات، حيث تعد الأموال التي تقدمها الدول المانحة أموالاً سياسية، تعبر عن رضى المانحين على السلطة وأدائها.
رابعاً، حسب المستشار الاقتصادي لبنك فلسطين يتمثل في السياسة الاقتصادية والمالية للسلطة القائمة على الإنفاق الذي يشكل 300٪ من الإيرادات.
القدس دوت كوم- محمد عبد الله.