مع اقتراب شهر رمضان وتزايد التوتر في أوساط الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية، قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، تخفيف الحملة العسكرية الجارية في الضفة الغربية بالإعلان عن تقليص النشاطات.
وجاء الإعلان بعد حوالى أسبوعين على بدء الحملة، التي أعلن أن هدفها، بالإضافة إلى استعادة المستوطنين الثلاثة المفقودين، ضرب البنية التحتية لحركة «حماس». وتقر أوساط الجيش الإسرائيلي بأن كل الحملة، واعتقال المئات من النشطاء، واقتحام آلاف البيوت والمؤسسات، لم يقدم التحقيقات حول مصير المفقودين شبرا واحدا.
وأوحت إسرائيل بأن القرار بشأن تقليص العمليات قد جاء بعد استنفاد أغراض الحملة، وهو ما يصعب تأكيده. فلا أثر للمفقودين البتة ولا أحد يعلم من هي الجهة الخاطفة، ولا مطالبها، ولا أين يوجد المخطوفون. وقيل إن القرار اتخذ في جلسة المجلس الوزاري المصغر ليلة الأحد الماضي، وأن تنفيذه على الأرض بدأ أمس. وقد طالب بتخفيض منسوب العمليات العسكرية في الضفة وزراء مثل يائير لبيد وتسيبي ليفني بل ووزير الدفاع موشي يعلون. وعارض القرار وزراء من اليمين المتطرف في «الليكود» و«البيت اليهودي» مثل جلعاد أردان ونفتالي بينت. وقد طالب الآخرون بدلا من تقليص الحملة ضد «حماس»، بتوسيع نطاقها لتشمل أيضا تصفية حساب مع السلطة الفلسطينية ذاتها.
ومن الواضح أن تقليص إسرائيل للحملة العسكرية لا يعود فقط إلى اقتراب شهر رمضان وإنما أساسا إلى بداية التململ في صفوف الشارع الفلسطيني، بل والسلطة الفلسطينية من استمرار الحملة. ولم يكن مريحا للسلطة الفلسطينية أن تظهر وكأنها متواطئة مع قوات الاحتلال، ليس فقط في ملاحقة نشطاء «حماس» وإنما أيضا في التنكيل الذي يلحق بعموم المواطنين جراء الحصار والحواجز وعمليات التفتيش والقيود. ومن الجائز أن التظاهرات التي نشبت ضد السلطة في رام الله وأماكن أخرى، وحديث «حماس» عن «انتفاضة ثالثة»، والخشية من انهيار السلطة الفلسطينية، كانت جميعها خلف القرار الإسرائيلي.
والقرار الإسرائيلي بتقليص النشاطات يتعارض مع التهديدات السابقة التي كانت تتحدث عن أهداف كبيرة لتدمير «حماس»، بل وزيادة معاناة الفلسطينيين في رمضان إذا لم يعد المفقودون الثلاثة. وكما هو واضح لا شيء من ذلك حدث، واضطرت إسرائيل إلى الإعلان عن تقليص النشاطات بغرض إعادة النظر في الحملة بعد مرور أسبوعين عليها من دون نتائج تذكر.
وادعت أوساط عسكرية إسرائيلية أن القرار اتخذ بعدما بين الجيش للوزراء أن الحملة «حققت أغراضها»، وأنه تم «إضعاف حماس بشكل جوهري في الضفة»، وبعد أن اتضح أن «توسيع العملية قد يخلق وضعا متفجرا من الناحية الأمنية في المنطقة». وقد وقف يعلون إلى جانب وزراء «الاعتدال» بعدما طالبت المؤسسة الأمنية بالعودة إلى التركيز على هدف اكتشاف خلية الخاطفين ومعرفة مصير المخطوفين.
ونقلت صحف إسرائيلية عن ضابط رفيع المستوى تأكيده بأن «الشاباك»، الذي يشرف على التحقيقات، لم يحقق أي اختراق حتى الآن. وقال «ليست لدينا أية معلومات بشأن وضع المخطوفين»، وأنها «مهمة مستحيلة أن نقلب من دون معلومات استخبارية كل بيت وكل بئر في منطقة يقطنها 700 ألف نسمة». وانتقد من جهة ثانية «الشاباك» لأنه لم يوفر أصلا معلومات وتحذيرات ملموسة حول الاختطاف. وفي كل الأحوال فإن قيادة الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية ليست مقتنعة أنه بالوسع معرفة أي شيء عن مصير المخطوفين نتيجة النشاط الميداني والتي «استنفدت نفسها ولم يعد لدينا ما نفعله».
وفي العموم تحدثت الصحف الإسرائيلية عن تراجع ملموس في عدد الاعتقالات والحواجز ومداهمة البيوت في منطقة الخليل، التي كانت المركز الرئيس للعمليات الإسرائيلية. وذكرت إن الحكومة الإسرائيلية اعتبرت بين أبرز إنجازات الحملة اعتقال أكثر من 410 من نشطاء «حماس» وإعادة اعتقال جزء كبير من محرري صفقة جلعاد شاليت في الضفة وتفتيش أكثر من ألفي بيت.
ورغم ذلك اضطرت مصادر سياسية إسرائيلية للإقرار بأن «رئيس الحكومة يدرك جيدا الحاجة الأمنية والسياسية على حد سواء للمحافظة على استقرار سيطرة السلطة الفلسطينية، إلى جانب مواصلة الجهد الإعلامي في الحلبة الدولية لتأكيد أهمية تفكيك اتفاق المصالحة بين السلطة وحماس».
وحاول يعلون تبرير تقليص الحملة، فقال، خلال جولة له على الحدود مع لبنان، إنها «مسألة وقت قبل أن نصل إلى الشبان المخطوفين وإلى الخاطفين. ونحن في الاتجاه الصحيح، وسنصل إلى حل اللغز، وآمل أن نفلح في إعادة المخطوفين بسلام». وأضاف أن «تقليص الاعتقالات، لم يكن بتوجيه من المستوى السياسي وإنما بسبب أن هذه الحملة ببساطة استنفدت جزءا كبيرا من غرضها. ومع ذلك فإنها ستستمر بقدر ما يتطلب الأمر ذلك».
وخلافا للموقف الرسمي اللامبالي السابق لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في إدانة الخاطفين، عاد وقال «إنني أقدر أقوال الرئيس عباس قبل عدة أيام في السعودية، فهذه أقوال مهمة، لكنه إذا كان فعلا يقصد كلامه، وأنه ملزم فعلا بالسلام ومكافحة الإرهاب، فإن المنطق يفرض عليه تفكيك تحالفه مع حماس».
وتحدثت أوساط مختلفة عن أن للأميركيين، خصوصا وزير الخارجية جون كيري، دورا بارزا في تلطيف مواقف الطرفين من بعضهما، وإعادة ترسيخ العلاقات بين السلطة وإسرائيل. وقد تحادث كيري أمس مع كل من عباس ونتنياهو بهذا الشأن.
السفير