تقول مفاوضة سلام فلسطينية مخضرمة إن التحالف “غير القابل للكسر” والذي سيعاد التأكيد عليه خلال زيارة الرئيس الأميركي المقبلة لإسرائيل، سينزع عن الولايات المتحدة الأهلية لأن تكون وسيط سلام أمينا وشريفاً في الصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين.
وسيفشل هذا “التحالف غير القابل للكسر”، مهما ظلت الآمال معلقة خلال زيارة أوباما على إحياء “عملية السلام” المجمدة التي ترعاها الولايات المتحدة، والتي تعتمد استدامة قيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على استئنافها. وتشرح أيضاً الحنق الفلسطيني، والتوقعات المنخفضة، والترحيب غير الحماسي وغياب الاحتفالات بأعز الشخصيات العالمية المحتفى بها، في مفارقة صادمة مع النشوة التي تجتاح إسرائيل انتظاراً لما يصفها المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون بأنها “زيارة تاريخية”.
يوم 19 شباط (فبراير)، طرح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الشعار الأزرق والأحمر والأبيض الذي سيظهر على كل الوثائق والتواقيع خلال زيارة أوباما في أواخر آذار (مارس) المقبل . ويظهر الشعار عبارة “التحالف غير القابل للكسر” مكتوباً بالانكليزية والعبرية تحت أعلام إسرائيلية وأميركية.
وخلال زيارته، سيصبح أوباما أول رئيس يتقلد، وهو في البيت الأبيض، الوسام الرئاسي الإسرائيلي عرفاناً بحقيقة أنه “أسس أوثق علاقة عسكرية ومخابراتية عاملة مع إسرائيل على مر تاريخ البلد: تمارين وتدريبات مشتركة؛ ومساعدات أمنية متزايدة في كل عام؛ وتحويلات تكنولوجية متطورة غير مسبوقة؛ ومضاعفة التمويل الخاص بنظام الدفاع الصاروخي لإسرائيل؛ والمساعدة في تمويل نظام القبة الحديدية”، وفق ستيفن إل. سبيغل في صحيفة “هفنغتون بوست” في وقت متأخر من العام الماضي.
بينما تتحدث إلى راديو فرانس انترناشيونال في مقابلة حصرية، قالت مفاوضة السلام المخضرمة الفلسطينية حنان عشراوي، العضو أيضاً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وشريكة إسرائيل في التوقيع على اتفاقيات أوسلو الميتة، إن إدارة اوباما الأولى “استطاعت وحسب شراء الوقت لصالح إسرائيل” من أجل “خلق حقائق على الأرض (الفلسطينية المحتلة من جانب إسرائيل). وأضافت عشراوي: “إن تجربتنا كانت مأساوية مع هذه الإدارة الأميركية” التي “بدأت بآمال عراض ووعود ضخمة،” لكنه “تم التراجع عنها بمنتهى السرعة وبشكل غير معقول”. وخلصت إلى استنتاج أن “الولايات المتحدة نزعت عن نفسها أهليتها كوسيط للسلام”.
وكتب شلومي الدار في صحيفة المونيتور يوم 14 شباط (فبراير): “وإذن، ما من خطط للاحتفاء” بزيارة أوباما لرام الله” فهم لم ينسوا الدور الذي لعبه “في إجهاض جهود منظمة التحرير الفلسطينية لكسب اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كدولة كاملة العضوية، وفي معارضة اعتراف الأمم المتحدة بها كمراقب غير عضو في العام التالي. ومع ذلك، ولجعل الوضع السيئ أكثر سوءاً، سينقل أوباما لعباس نفس الرسالة خلال زيارته المقبلة”. إن موقفنا لم يتغير “لا من الدولة الفلسطينية ولا من المصالحة الوطنية الفلسطينية”، طبقاً للناطقة بلسان وزارة الخارجية الأميركية اوليفيا نولاند يوم 19 شباط (فبراير) الحالي.
وسيقوم أوباما بالزيارة على خلفية أزمة سياسية فلسطينية-أميركية مشتعلة منذ عامين، والتي يمكن أن تتفجر في أعقاب زيارته. وكان من شأن موافقة الولايات المتحدة على اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية أن يؤسس على نحو غير قابل للنقض الشرط المسبق لصنع أو كسر “حل الدولتين” الذي شكل الصراع القديم لأغلب القرن -لأنه سيؤكد حدود العام 1967 كأساس لهذا الحل، وبالتالي سينزع فتيل القنبلة المؤقتة المتمثلة في مؤسسة الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمهد الطريق لاستئناف المفاوضات. ومع ذلك، لا يبدو الرئيس أوباما ولا الولايات المتحدة عاقدي العزم على المضي قدما نحو السلام، ويستمران في “إدارة” الصراع بدلاً من السعي جدياً إلى حله.
في وقت سابق من هذا الشهر، قاطعت إسرائيل على نحو غير مسبوق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لأن تحقيقاً استغرق عاماً أجراه المجلس أنتج تقريراً يطالب إسرائيل تماشياً مع المادة 49 من معاهدة جنيف الرابعة بوجوب وقف كل النشاطات الاستيطانية من دون شروط مسبقة، ويجب عليها البدء مباشرة بعملية سحب كل المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأكد التقرير أنه تم تأسيس 250 مستوطنة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، حيث يعيش راهناً 520.000 مستوطن، وبحيث يمكن أن تكون إسرائيل، كما قال التقرير، عرضة للملاحقة القضائية بسبب اعتبار ذلك جرائم حرب.
وحديثاً كتب ياكوف بن أفرات، الأمين العام لحزب “دام” الإسرائيلي في مجلة “تشالنج” يقول إنه عندما يصل أوباما إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة قادماً من إسرائيل، فإنه “سيرى أن سياسته القائمة على إرضاء اليمين الإسرائيلي قد قتلت تقريباً سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية” اقتصادياً وسياسياً، ليخلص إلى استنتاج ما يلي: “لأنهم خبروا أصلاً اتفاقيات أوسلو، يرى الفلسطينيون أصلاً كيف يصبح المؤقت دائما، وليست ثمة من طريقة ليقبلوا بهذا”.
كما نسب إلى كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، القول يوم 14 شباط (فبراير) الحالي: “إن الأمر واضح وبسيط: إما المستوطنات وإما السلام… وحتى أوباما لا يستطيع حملنا على التخلي عن هذا المبدأ”.
إذا قرر أوباما التصرف حسب الأصول، فقد يعمد إلى تعزيز “التحالف غير القابل للكسر” مع إسرائيل بما يعود عليه بالمنفعة من منظور فلسطيني. وبغير ذلك، فإن أي مبادرة يطرحها أوباما لاستئناف مباحثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية خلال زيارته المقبلة للمنطقة ستفشل في أن تكون نقطة انطلاق.
في 19 شباط (فبراير) الحالي، كتب المؤلف مارفن كالب: “بدلاً من فتح دبلوماسيته الشرق أوسطية بتوجيه انتقاد مبتور لسياسة الاستيطان المشاكسة في إسرائيل التي تعتبر غالباً المسار الثالث للسياسة الإسرائيلية… وبدلاً من السماح، وحتى التشجيع، للفتور المحبط في العلاقات الإسرائيلية الأميركية… فقد ينخرط الفلسطينيون والإسرائيليون في مفاوضات جادة وجهاً لوجه للتوصل إلى معاهدة سلام بحلول هذا الوقت”.
لا يشكل الإفراج عن 700 مليون دولار من المساعدات الأميركية المحجوزة عن الفلسطينيين، واستخدام مكاتب المساعي الحميدة الأميركية لحمل المانحين العرب على الالتزام بعهودهم لهم أو إقناع إسرائيل بالإفراج عن العوائد الضريبية والجمركية التي تجمعها نيابة عنهم –لا تشكل هذه الخطوات نوع “الجزر” الذي يمكن أن يفتح نافذة الانفراج.
(كاونتربنتش) -ترجمة: عبد الرحمن الحسيني – الغد الاردنية .
صحفي عربي مخضرم يتخذ من بير زيت، في الضفة الغربية من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، مقراً له.