عندما يصرح نائب رئيس وزراء كيان الاحتلال موشيه يعالون “ان على إسرائيل ألا تقدم على الانسحاب من ملليمتر واحد من الضفة الغربية المحتلة”، فإنما هو يعبر عن العقلية الصهيونية الحاقدة، وعن الأهداف الحقيقية التي من اجلها تم زرع هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني في المنطقة من قبل الحركة الصهيونية بمساعدة قوى الطغيان والاستعمار العالمية.
تصريح يعالون لم يأت من فراغ، ذلك لأنه يدرك ان موازين القوة تميل بشكل لا يقبل الشك لصالح كيانه البغيض، والمقصود هنا ان دولة الاغتصاب لديها أضعاف ما لدى الدول العربية مجتمعة من قوة، هذا إذا غضضنا الطرف عما لديها من ترسانة استراتيجية تتمثل بمئات الرؤوس والقنابل النووية، كما يدرك “يعالون” ان احتلال دولة الاغتصاب للأراضي الفلسطينية هو ارخص احتلال على وجه الأرض منذ أمد طويل، حيث لم يكن هنالك احتلال بمثل هذا الثمن، هذا إذا لم تكن دولة الاحتلال تستفيد منه مليارات الدولارات أو في أسوأ الأحوال مئات الملايين من الدولارات سنويا.
دولة الاغتصاب ومنذ نشأتها، لم تتكلف الكثير من اجل بناء الدولة، فقد كانت البنى التحتية موجودة ولو بشكل نسبي، فهي على أية حال كانت موجودة كما في دول المحيط، كما انها وجدت مدنا وقرى معمرة ومشيدة بالكامل بكل ما تحمله تلك المدن من تطور إذا ما قيست بالدول المجاورة، وأراض زراعية جاهزة ليست بحاجة إلى استصلاح، لا بل كانت ثمار تلك الأراضي جاهزة للقطاف في كثير من الأحيان، والبيوت التي تم طرد أصحابها الفلسطينيين منها تحولت إلى بيوت يسكنها قطعان المستعمرين الجدد القادمين من خلف البحار.
في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، قامت إسرائيل بالاستيلاء على عشرات الآلاف من الدونمات العامة والخاصة، وسيطرت على الحدود والمعابر ومصادر المياه، ولديها في هذه الأراضي سوق استهلاكية يتم تصريف ما تنتجه مصانع دولة الاحتلال، هذا عدا عن انها مكب لنفايات الصناعات الرديئة وكل ما لا ترغب دولة الاحتلال به بما في ذلك النفايات الحقيقية.
ما صرح به يعالون، جاء كنتيجة طبيعية للوضع القائم في الأراضي الفلسطينية، حالة السبات التي تمر بها هذه الأراضي، حيث المقاومة شبه خامدة إلا من بعض الأفعال الموسمية، التي يقوم بها نفر قليل من الناس، وحالة استرخاء غير طبيعية هي أميل إلى حالة “الدعة” لدى قوات الاحتلال.
ان أي مراقب يستطيع ان يرى مثل هذه الحالة خلال مروره عبر حواجز التفتيش المقامة في أماكن عديدة من الضفة الغربية، حيث تجد جنود الاحتلال في حالة من الاسترخاء، غير عابئين في أحيان كثيرة بهؤلاء الفلسطينيين المارين عبر الحواجز، لا بل قلما تراهم يلبسون الخوذات أو الدروع التي قد تحميهم في حالة نشوب أي اشتباك، أو تقيهم الرصاص أو غير ذلك.
من الواضح ان يعالون يراهن على بقاء الحال على ما هو عليه لمائة عام أخرى، كما يبدوا انه نسي أو تناسى ان حالة ربما تكون مشابهة مرت على الأراضي الفلسطينية خلال الأعوام 1967 حتى 1987 عام الانتفاضة الأولى، الانتفاضة التي دفعت إسرائيل ثمنا غاليا لها على كل المستويات، كما يبدو انه نسي أو تناسى ان الجمهور الاستيطاني العنصري كان في حالة رعب خلال الانتفاضة الثانية، وان شوارع المدن في دولة الاغتصاب كانت تبدو شبه خالية، وان قطعان المستعمرين في تلك المدن كانوا لا يتجرؤون على الخروج إلى الشوارع إلا عند الحاجة الضرورية جدا.
ان استمرار الحال من المحال، هذه قاعدة ربما نسيها يعالون عندما صرح بما صرح به، ونسي ربما المقولة التي يرددها العربان وأمة الإسلام “سبحان مغير الأحول” أو ” لا يبقى على ما هو إلا هو”أي الله، إذا كانت هذه هي أحلام يعالون، وانه غير مكترث لبقاء الصراع مئة عام أخرى، فان الرد على هكذا تصريحات وعقلية عنصرية احتلالية بغيضة، هو ان التجارب التاريخية أثبتت ان بقاء الاحتلال – مطلق احتلال- من المحال، وان عليه ان يعيد قراءة التاريخ ليعرف ان كل الاستعماريين في العالم قد انتهوا إلى هزائم منكرة، وان دورة التاريخ معروفة، وان مائة عام أخرى من عمر الشعب الفلسطيني سوف لن تكون مثل المائة عام التي انصرمت، وان رهانه على استمرار الوضع على ما هو عليه ليس سوى أحلام وأماني يتمناها، حيث الشعب الفلسطيني إنما هو كما طائر الفينيق الذي يمثل الخلود والمجد والحياة الأبدية، فلنا الحياة وللاحتلال الذي يمثله يعالون الاندثار.