واشنطن- يمكن أن تصبح اللحظات السياسية التي تعتمد على حشد دعم شعبي واسع، وإنما يقودها المتطرفون، أن تصبح في النهاية مدمرة للذات -وهو درس تعلمه الحزب الجمهوري بكلفة عالية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والذي ربما يكون لوبي “حقوق الأسلحة” على وشك تعلمه هو الآخر في أعقاب حادثة إطلاق النار الأخيرة في المدرسة الابتدائية الأميركية. وهناك أيضاً درس للقادة اليهود الأميركيين، الذين يزدادون انحناء أمام قبضة صغيرة من المتحمسين المتعصبين الذين تفترق رؤيتهم لمستقبل إسرائيل عن رؤية الغالبية من اليهود الأميركيين، وتتصادم مع القيم الأميركية الأساسية حول الحريات والديمقراطية. وتبدو مثل هذه الراديكالية قيد العرض مرة أخرى بينما يقوم اليمين المؤيد لإسرائيل، بما فيه جماعات مثل “لجنة الطوارئ من أجل إسرائيل” بشن حملة شرسة ضد الترشيح المحتمل للسيناتور الجمهوري السابق تشك هاغل Chuck Hagel ليكون وزيراً للدفاع. قبل خمس عشرة سنة، كان السيد هاغل –الذي تشمل خطاياه الدعوة إلى الحوار من أجل وقف طموحات إيران النووية، وقوله إن الكثيرين في الكابيتول خائفون من “اللوبي اليهودي”- كان ليعتبر شخصياً يمكن لداعمي إسرائيل في واشنطن العمل معه. واليوم، تظل المجموعات اليهودية الرئيسية، بما فيها “عصبة مناهضة التشهير” و”اللجنة اليهودية الأميركية”، إما صامتين إزاء الجدل المتصاعد، أو أنها تعرض دعماً حذراً لأولئك الذين يريدون إسقاط ترشيح السيد هاغل. وقد أجبر الصامتون على الصمت والخنوع بفعل ضغط شريحة متطرفة، والتي لا يمكن أن تمثل التيار اليهودي الأميركي السائد بأي شكل من الأشكال. وكان تم خلق الجماعات مثل “لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية” من أجل إقامة وتدعيم روابط أميركية-إسرائيلية قوية، وترويج الفكرة القائلة بأن إسرائيل ديمقراطية نابضة بالحيوية تشكل حليفاً حاسماً لأميركا في منطقة غير ديمقراطية –وهو عمل قامت هذه الجماعات بأدائه بجودة مدهشة لا تصدق في السنوات الأخيرة. ولكن، وبينما أصبح النقاش حول أفضل الطرق إلى السلام بالنسبة للدولة اليهودية أكثر استقطاباً وبشكل مرير، قامت المنظمات اليهودية مثل آيباك، وعصبة مناهضة التشهير ولجنة الطوارئ من أجل إسرائيل بإقصاء ومحاربة تلك الرسالة برفضها النأي بنفسها عن المتطرفين. وانطلاقاً من خضوعهم لترهيب المتعصبين الموالين للمستوطنين في إسرائيل، يصف المانحون اليمينيون أقل انتقاد للسياسات الإسرائيلية بأنه تقريع إسرائيل (أو حتى معاداة السامية)، ويتيح قادة المنظمات الداعمون لإسرائيل باطراد لهوامش حركاتهم بأن تضع الأجندة الداعمة لإسرائيل في واشنطن. وبينما يقوم مساهمو أقصى اليمين الأثرياء بتولي المسؤولية، تقوم الجماعات اليهودية باستمرار بخفض معايير ما تعتبره “تقريعاً لإسرائيل” لتخاطر بذلك بتحويل المؤيدين للدولة اليهودية إلى خصوم، ببساطة لأنهم لا يدعمون أيديولوجية الحكومة الإسرائيلية الحالية وأفكارها. قبل عشر سنوات مضت، تجنبت الجماعات السائدة المؤيدة لإسرائيل الخوض في قضية المستوطنات في الضفة الغربية. واليوم، يخاطر الساسة الذين يقولون بأن التوسع الاستيطاني يشكل عقبة في طريق السلام –وهو موقف أميركي قائم منذ زمن طويل- باحتمال وصمهم بلطخة معاداة إسرائيل. وحتى مع أن دعم بناء المسوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية يعكس منظور أقلية صغيرة من اليهود الأميركيين، فإنه يبدو باطراد وأنه الموقف السياسي لجماعات رئيسية مؤيدة لإسرائيل. هذا النوع من تسييد سياسة الحركات الهامشية هو الذي كان مسؤولاً بالضبط عن الخسائر الانتخابية للحزب الديمقراطي. وكانت نظريات المؤامرة الشرسة ضد الرئيس أوباما، والمواقف المتطرفة من برامج التأهيل الشعبية، والملاحظات العدائية التي تحدثت عن أشياء من قبيل “الاغتصاب المشروع” قد أبعدت الناخبين في زرافات. وقد جبن قادة الحزب الأكثر اعتدالاً، والذين يخشون على مناصبهم من غضب المتعصبين، عن التبرؤ من تلك المواقف والتعليقات، وغذوا الانطباع بأنهم موافقون عليها. وحكماً من المؤتمر الصحفي الإخباري الأخرق الذي عقدته “رابطة البندقية الوطنية” مؤخراً، ربما كان لوبي حقوق الأسلحة يقترب من حافة جُرف مماثل على جبهة العلاقات العامة. فمن خلال لعب جماعة الرابطة على مصالح المتعصبين الذين يرفضون وضع أي قيود حكومية على الأسلحة النارية، فإنهم لا يمارسون الضغط من أجل حق الصيادين في الاحتفاظ ببنادق صيد الغزلان، أو حق أصحاب المنازل في الاحتفاظ بمسدساتهم، وإنما يدافعون عن حق أي شخص، بما في ذلك الأكثر جنوناً، في امتلاك أكثر الأسلحة النارية فتكاً وتدميراً، ويروجون للزعم السخيف بأنه كلما زاد عدد الأميركيين المسلحين، أصبحنا أكثر أماناً. ونتيجة لذلك، ربما تجد رابطة البندقية الوطنية قاعدة دعمها وقد تبخرت قريباً في أوساط أولئك القابلين للإقناع أو الواقفين في الوسط (اعتماداً على المنطق). يمكن أن ينتج اللعب على الهامش المتطرف مكاسب قصيرة الأجل للجماعات الداعمة لإسرائيل من خلال تحشيد المؤمنين وتشجيع كبار المساهمين. لكن –وكما توضح انتخابات هذه السنة والعاطفة المتصاعدة المناهضة للأسلحة- فإنه يجلب معه المخاطرة بالتعرض لضربة شعبية ارتدادية على المدى الطويل. يبقى المؤيدون والداعمون للدولة اليهودية أقوياء وسط كلا الحزبين في الكابيتول هيل وبين الناخبين الأميركيين بالإجمال، ولن يختفي ذلك الدعم في أي وقت قريب. لكن ذلك الدعم سوف يذبل ويخفت في حال لم يرفض قادة آيباك والتيار اليهودي السائد بقوة توجهات المغالين في التعصب والحماس ممن ينشطون وسطهم. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يلحق هؤلاء الضرر فقط بمصالح إسرائيل ضعيفة. (نيويورك تايمز) ترجمة: علاء الدين أبو زينة – الغد الاردنية. *كان مراسل واشنطن لصحيفة “ذا جيويش ويك” من 1987 وحتى 2011، وكان كاتب عمود في عدد من الصحف اليهودية الأخرى. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Don’t Let Pro-Israel Extremists Sink Chuck Hagel ala.zeineh@alghad.jo
لا يجب السماح للوبي إسرائيل بالتدخل في التعيينات الأميركية… بقلم : جيمس بيسير

Leave a comment