( 25 عاماً على استشهاد المناضل مهدي عامل )
في الثّامن عشر من أيّار 1987 اغتيل الرّفيق ( حسن عبد الله حمدان ) ، مهدي عامل ، في شارع الجزائر في بيروت ، وخُلِّد استشهاده فاعتُبِر التّاسع عشر من أيّار من كلّ عام ” يوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي ” .
كم نفتقدك اليوم يا رفيقنا ، كم يفتقدك لبنان العلماني الثّوري ، وكم نفتقد نحن المزيد من فكرك النّقدي الّذي كان سبباً في ابتعادك عنّا وفقداننا لك .
أنت الّذي حاربت الفكر الطائفيّ الّذي يحاول اليوم أن يستغلّ الرصة ويتربّع على سدّة الحكم ، متجاهلاً أهم قضايا الأمة العربيّة ألا وهي قضيّة فلسطين ، الّتي ناضلت من أجلها وأبرزت في كتابك ” مدخل إلى نقض الفكر الطّائفي – القضيّة الفلسطينيّة في أيديولوجيّة البرجوازيّة اللبنانيّة ” التّناقض بين البرجوازيّة الّلبنانيّة وأيدولوجيّة الطّبقة العاملة ، وأكّدت بنقدك البعد السّياسي الّذي تغيّبه البرجواريّة الّلبنانيّة في نظرتها إلى القضيّة الفلسطينيّة .
تحدّيت مغتاليك ، فلم تكتفِ بما أعطيته من فكر ونقد ، بل تجوّلت من قرية إلى قرية ، ومن بلدة إلى أخرى ، تثقّف وتحثّ على تغيير علمانيّ حقيقيّ ، بقيت في بيروت عام 1982 متحدّياً الاحتلال والظّلاميّة والرّجعيّة والقمعيّة ، لم تخف من الّذين لا يملكون القدرة على الحوار مع الفكر العلميّ والّذين يرون في حريّة التّعبير نهاية لهم ، فيقومون بعمليّات التّصفية الجسديّة والاغتيالات.
لم تأبه للتهديدات الّتي جاءتك بعد اغتيال رفيقك ورفيقنا الشّهيد حسين مروّة ، الّذي اغتيل في فراشه في شباط 1987، بأنّك سوف تكون الهدف الثّاني ، وتابعت حياتك العاديّة.
كنت تعلم حقّ العلم أنّ اغتيالك جسديّاً ، لن ينجح في اغتيال فكرك ونقدك ، وسيبقى هذا الفكر نبراساً يستنير به كلّ الثّوريّين ، وأنهي صباحيّتي هذه بما كتبه فيصل درّاج في الذّكرى الخامسة عشرة لاستشهاد مهدي عامل : ” على عقل الإنسان أن لا تصيبه الرّطوبة ” قال مهدي مرّة ، في لحظة شرود وأسى ، ونقيض الرّطب ما يقبل الاشتعال ، الّذي اشتعاله حياته وموته في آن ، ومهدي لا يزال ، كما كان متناقضاً ، مشتعلاً ومنطفئاً معاً ، ينقد العقول الرّطبة ويرتاح إلى مكان مشمس فسيح.