لماذا الخوف من الإسلاميين؟ امنحوهم فرصة للفشل 2/2
حيث ان الحركات الإسلامية لا تعيش بمعزل عن العالم كما تمت الإشارة في القسم الأول من المقال، فانه يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها، ان حركة مثل حماس التي استطاعت ان تفوز بأغلبية كبيرة خلال الانتخابات الماضية، لم يكن من الممكن لها ان تقدم أكثر مما قدمته حركة فتح تحت أي ظرف من الظروف، خاصة وان السقف الذي تحكم من خلاله هذه الحركة –فتح- لن يختلف بأي حال من الأحوال، ولن يكون أكثر ارتفاعا عما هو عليه، فيما لو كانت حركة حماس في سدة الحكم، حيث الاتفاقيات الموقعة هي ذاتها، والاحتلال الجاثم على الرقاب والصدور والأرض هو نفسه، والأوضاع الاقتصادية المتردية بدون تغيير، والاعتماد على المنح والهبات والمساعدات الخارجية باق على ما هو عليه، هذا على افتراض ان حماس تسلمت السلطة ومارست الحكم في شطري الوطن.
وعليه فان أي نتيجة لحكم حركة حماس، لن تكون أفضل مما هو عليه الحال في ظل حركة فتح، هذا على افتراض بأن سقف الحريات السياسية لن ينخفض أكثر، خاصة في ظل الممارسات التي خبرناها في القطاع على مدار السنوات الماضية، عدا عن أن سقف الحريات الشخصية لا بل الشخصية جدا، سينخفض أيضا، وقد كانت تجربة حكم الإخوان الحمساوي في هذا الإطار واضحة أيضا تماما.
في دولة كمصر، فان حركة الإخوان المسلمين التي استطاعت ان “تلتهم” ثمرة الثورة بعد ان قطفها الشباب المصري، فإنها لن تستطيع عمل الكثير في ظل وضع اقتصادي متهالك، وفي ظل ارتباط مصر باتفاقيات لا يمكن الفكاك منها، وستظل سيناء عصية على الجيش المصري مهما حاولت حركة الإخوان ان تدعي في هذا الإطار، ومهما حاولت الترويج.
ان المؤشرات الأولى التي بدرت خلال عام الربيع العربي، تشير إلى ان حالة من “زوغان” البصر والبصيرة أصابت الحركات الإسلامية بعد ما حققته في دول الربيع، مما جعلها تعتقد بأنها أصبحت قوة رئيسية ومهيمنة على صناعة القرار في تلك الدول، وكان ان بدأت تتكشف عورتها بشكل أسرع مما اعتقد الكثير، حيث فيما صدر عن العديد ممن هم الآن في سدة الحكم في تلك البلدان، ومن هم في قيادات هذه الحركات، ما يفيد، بان شعارات التحرير والعروبة لفلسطين بدأت بالتلاشي وفي أحسن الأحوال تراجعت، هذا على اعتبار أو افتراض انها أخذت أصلا في ذهنية هؤلاء وأدبياتهم حيزا ملموسا قبل ذلك، وصار الجنوح نحو السلم هو السمة الأبرز في تلك المواقف، جنوح إلى السلم بمنطق الضعفاء، المنطق ذاته الذي ساد خلال حقب من سبقوهم في استعباد الأمة من الحكام الطغاة.
حالة “الزوغان” تلك، أدت الى انكشاف ما سيكون عليه الحال في الدول التي يمكن ان تحكمها الحركات الإسلامية فيما يتعلق بالتعددية والديمقراطية، حيث بدأت سياسة الإقصاء والتهميش والتشكيك بوطنية وانتماء الآخرين بشكل يبعث على العجب، كما بدأت تلك الحركات بتكفير بعضها البعض كما هو ديدنها في التعامل مع كل من ليس هو معها او جزء منها، سياسة بوش الصغير ذاتها”من ليس معنا فهو ضدنا”.
بعض الممارسات التي مارستها الحركات الإسلامية، أكدت ان الموضوع الديني ليس سوى شكلي فقط، حيث بينت تجربة ما بعد الثورة وما قبل انتخابات الرئاسة – في مصر- ان لا مصداقية يمكن التعويل عليها لهذه الحركات وخاصة الإخوان، لا بل كادت الأمور تصل الى الانشقاق في الحركة، وتم “التراشق” بالتصريحات بين قادة الحركة ورموزها بشكل غير معهود، كما ثبت ان هنالك ميلا للسيطرة والهيمنة بدون أدنى رتوش، وصار الوصول إلى السلطة هو الهدف الأسمى، بغض النظر عن الطرق والأساليب التي يمكن ان تتبع، وتم اللجوء إلى العامل الديني وتفسير الآيات والأحاديث لتسويغ المساعي المحمومة نحو السلطة – الرئاسة- وصار الحديث عن الضرورات والمحظورات هو السمة العامة.
لقد بينت التجربة القصيرة هذه، ان هؤلاء يشكلون خطرا داهما على الديمقراطية، وان هنالك خوفا مؤكدا من استبعاد شرائح ومكونات مهمة يتشكل منها الشعب المصري، وهذا إذا ما جرى سيكون الطامة الكبرى في الدولة العربية الرئيسية، التي نأت بنفسها تاريخيا عن الموضوع الطائفي والفئوي، وقد سمع العالم كل ما صدر من تصريحات، وصلت في بعض المراحل انها بعثت الرعب في أوصال الكثير من القوى والمكونات الأساسية للشعب المصري، لا بل وللشعوب الأخرى في المنطقة، حيث ان ذلك يعطي لمحات او فكرة عما سيكون عليه الحال في ظل حكم هذه الجماعات.
من الواضح ان هنالك مسالة أصبحت كالحقيقة في ظل الثورات العربية، وهذه ربما غابت عن بال قيادات الحركات الإسلامية، وهي ان ما تم زرعه من رعب في قلوب أبناء الأمة على مدار عقود من الزمن، انتهى، وان هذه الحركات إذا ما شاءت ان تحكم الأقطار العربية، فان عليها ان تتعظ مما جرى لأنظمة مكثت في الحكم عشرات السنين، بعد ان مارست كل أشكال البطش والتسلط، إلا أنها لم تعد في السلطة بعد ان تم التخلص من حاجز الرعب – خاصة لدى الجيل الشاب- الذي شيدته أنظمة الطغاة على مر السنين.
بالتالي، فان أي محاولة للاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخر وتهميشه، ستكون عواقبه وخيمة وغير محمودة، ولن تكون هذه الحركات في منأى عن الثورة عليها، بغض النظر عن الشعارات التي يمكن ان تتلطى خلفها أو ما تروجه من غيبيات هي أسهل ما يكون للتلاعب بعواطف البسطاء من الناس وقراراتهم، كما ان عليها ان تدرك ان الثورات التي “التهمت” ثمارها، لم تقم ولم تنطلق نيرانها على أيدي أعضائها أو أنصارها، وإنما كانت على أيدي شباب لا علاقة لهم بالحركات الدينية بشكل عام. وهي إذا ما وصلت إلى السلطة وحاولت ممارسة سياسة البطش التي كانت، فهي إنما بذلك تحرق جميع السفن سواء لبقائها كقوى مؤثرة أو لزيادة انتشارها بين الجماهير التي تم تضليل قسم كبير منهم من خلال استغلال الموضوع الديني بشكل ممجوج، فهي في تلك الحالة سينكشف زيفها ولن تجد ما يمكن ان تغطي به عورتها مهما استخدمت من أساليب.
ان من غير المفهوم، لِمَ على العالم ان يبقى واجفا راجفا من قدوم الإسلاميين الى السلطة، مثل هذا الخوف او الفهم، سوف يبقي سيف هؤلاء مشرعا ومسلطا على الرقاب، ومن اجل التخلص من هذا السيف، فانه لا بد من منح الحركات الإسلامية فرصة للحكم وتقلد سدة السلطة، لأنها لا “تلعب” وحيدة في الساحة، وهي لا تعيش في كوكب منعزل، وهي ستصطدم بواقع مغاير تماما عما يوجد في المعارضة، لأنها لا تملك كما تمت الإشارة أية برامج حقيقية، وما تطرحه من برامج إنما هي في الحقيقة تأخذ الأمة أزمانا إلى الخلف بدلا من دفعها بقوة إلى الأمام، ذلك انها برامج تفتقر إلى الواقعية، وتركز على قضايا لا علاقة لها بتقدم وازدهار الأمم، وتتعامل مع كثير من توافه الأمور، التي نحن في غنى عن التوقف أمامها والزج بها في مفردات حياتنا اليومية، لتشغلنا عن اللحاق بركب التقدم والعلم وكل ما وصل إليه العالم من تطور ليس لنا فيه ولو بصمة واحدة يمكن ان يشار إليها أو التفاخر بها، هذا عدا عن أن من غير اليسير تطبيق هذه البرامج كما تشتهي الحركات الدينية أو تروم ، هذا عدا عن انها لا تحمل عصا سحرية للقيام بقفزة نوعية في الأوضاع السياسية والاقتصادية وغيرها، وهي بدون شك لا بد ستصل الى فشل مدو، خاصة في ظل ممارسات أخرى كتلك المشار إليها.
ان عدم منح هذه القوى الفرصة للوصول الى سدة الحكم سوف يبقينا نقف على رؤوسنا خشية ووجلا من هذه الحركات، مع معرفتنا انها تتخذ من الإسلام شعارا ليس إلا، وهي لا تعلن عن نفسها كحركات سياسية صرفة، في مخادعة هي الأكبر، ضمن كل ما تمارسه من ممارسات غير مقبولة لا تعكس بحال من الأحوال حالة الطهر الديني التي تدعيه، والجميع بات يعلم ان هذه الحركات إنما ترفع الشعار الديني فقط، من اجل نيل قدسية لا تتصف بها وليست من حقها، تماما مثل اعتقادها انها خليفة الله على الأرض.
قد يقول البعض ان هذه الحركات لا تؤمن بالآخر، وهذا ثابت في العديد من الممارسات التي تمت، سواء في قطاع غزة، حيث تحكم حركة الإخوان من خلال ذراعها الحمساوي، كما هو مثبت من خلال محاولاتها إقصاء الآخرين وتكفيرهم في دول الربيع العربي وخاصة في مصر.
ان الضمانة لإفشال أية محاولات لهذه الحركات بالاستئثار بالسلطة، هي حالة الثورة التي تعم الشارع العربي، والتي لا شك لن تتوقف إذا ما أرادات هذه الحركات ان تعيد تجربة الأنظمة المخلوعة في العديد من الدول العربية وما سيتبع، كما ان من غير الممكن ان يقبل الشباب العربي ان تقوده هذه الحركات إلى الخلف، في محاولة منها لاستنساخ التجربة التي قادها رسول الإسلام، خاصة وأن النبي (ص) جاء للارتقاء بالواقع المعاش في تلك الحقبة، لا إلى شَدٌهِ إلى الخلف متراجعا به قرون عدة، كما ان الجميع بات يعلم بأن احد أسباب الثورة على الطغيان، كانت حالة التخلف والتراجع التي تعيشها الأمة، والتي من أهم أشكالها غياب الحريات والاستئثار بالسلطة وسياسة البطش وتهميش الآخر، دعوهم يتقلدون السلطة لأن فيها مقتلهم كما وخلاص البسطاء من الناس من حالة الوهم التي رسمتها الحركات الدينية في أذهانهم، من ان الحال لن يكون هو الحال إذا ما وصل هؤلاء إلى السلطة.