لماذا الخوف من الإسلاميين؟ امنحوهم فرصة للفشل
بقلم : رشيد شاهين
منذ بدأت المؤشرات والبوادر للسقوط المريع للاتحاد السوفييتي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، أخذ نجم الحركات الإسلامية في الصعود، هذا الصعود الذي وبعد ما يزيد على العقدين من الزمن، لم يكن صدفة، أو خبط عشواء، ولا ضربة لمشعوذ “في الرمل والودع”، حيث من الواضح أن من حارب الاتحاد السوفييتي على مدار عمر هذا الاتحاد، كان يدرك جيدا ماذا يريد، وكان حدد مسبقا بوصلته وفي أي اتجاه هو ذاهب، ذلك ان الأمور في غير أوطان العربان لا تسير على السليقة، ولا على الفطرة، فهم يعقلون ويتوكلون بطريقتهم الخاصة، لا بطريقة امة العربان، طريقة تستند إلى العلم والبحث والتمحيص والتحليل.
وفي هذا الإطار، تشير معظم التقارير والدراسات، إلى أن الغرب الاستعماري، وقبل ان يصل إلى الهدف المنشود في إسقاط الاتحاد السوفييتي، كان قد اعد العدة للإعلان عن عدو جديد، قد يكون أكثر خطورة مما كان يشكله الاتحاد السوفييتي إبان قمة مجده، وهذا العدو يتمثل في القوى الإسلامية التي كانت في واقع الحال حركات تنال في كثير من الأحيان رضا ودعم العديد من الأنظمة في المنطقة العربية.
ويمكن في هذا السياق الحديث عن الحركة الوهابية التي كانت ولا زالت تحظى بدعم رسمي من الدولة السعودية، برغم بعض الخلافات أو الاختلافات التي قد تظهر بين فترة وأخرى، لا بل ان البعض يرى ان مؤسس الفكر الوهابي محمد بن عبد الوهاب كان قد “تحالف مع محمد بن سعود وأسس معه الدولة السعودية” – احمد الكاتب – الفكر السياسي الوهابي- ص 10، ويشير الكاتب إلى ان “الملك فهد نفسه قال في العام 1989 ان الشيخ بن عبد الوهاب لم يقم إلا بالدعوة لتطهير العقيدة من البدع والضلالات”.
الاعتقاد السائد ان الحركات الإسلامية صعدت الى واجهة الاهتمام والأحداث بجهدها وبما كانت تقوم به من أعمال خيرية أو اجتماعية فقط، فيه بعض من الحقيقة، لكنها ليست الحقيقة الكاملة، صحيح ان الناس كانت في أمس الحاجة إلى المساعدات التي تقدمها الجماعات الإسلامية في العقود الماضية من القرن الماضي، وخاصة في الخمسينات والستينات وكذلك السبعينات وما بعد ذلك،وحتى الآن في كثير من الأحيان، إلا أن الحقيقة أيضا هي ان هذه الجماعات، كانت وما زالت قريبة من أنظمة الحكم، وتعتبر مرضيا عنها في كثير من الأحيان والدول، ولنا في الحركة السلفية في مصر خير دليل على ذلك، وخاصة مواقفها التي صار الكل يعلمها خلال ثورة شباب مصر الحالية، وحتى هنا في فلسطين، فانه لم يتم تسجيل اعتقال أي من الشباب الفلسطيني المناضل على خلفية إسلامية أو بشبهة الانتماء إلى تنظيم إسلامي منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967حتى العام 1987 أي العام الذي أعلن فيه عن قيام حركة حماس.
التخويف من الحركات الإسلامية جاء عمليا من الغرب، هذا الغرب بقيادة الولايات المتحدة لم يتوان عن التحالف مع منظمة القاعدة، لا بل ان أميركا هي عراب منظمة القاعدة، وهي من عمل على خلقها وإبرازها إلى الوجود خلال الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، ولم تترد في العمل على توفير كل ما هو مطلوب من اجل تقويتها ومنحها كل ما يلزم، وذلك لكي تأخذ دورا رياديا على مستوى الحركات الإسلامية، وعندما حانت الساعة المناسبة، تم استخدام القاعدة ذاتها من اجل إرهاب العالم، وتم العمل على صناعة “بعبع” القاعدة والإرهاب الإسلامي والتخويف من كل ما له علاقة بالإسلام، علما ان جميع هذه الحركات الإسلامية ليست سوى حركات سياسية صرفه، تتخذ من الإسلام شعارا تتلطى خلفه من اجل تحقيق طموحات هي ابعد ما تكون عن الإسلام وجوهره الحقيقي.
مما لا شك فيه ان نجم هذه الحركات بدأ بالصعود بشكل اكبر، كنتيجة للفشل الذريع الذي واجهته القوى والحركات والأحزاب القومية وغيرها من الأطر التي لا تدعي الإسلام أو تتخذ منه شعارا ولا تتبناه في ممارساتها ونظرياتها، وكان لتجارب الحكم خاصة في سوريا ومصر والعراق وليبيا واليمن، خير دليل على فشل الأطر والحركات القومية في حل أو إدارة الصراع، أو حتى تحقيق الحد الأدنى لحلم الشعوب العربية بالتحرر والوحدة والديمقراطية والتعددية.
لا يمكن هنا القفز عن الحقيقة التي تقول ان الحركات الإسلامية تعاملت تاريخيا مع القوى القومية والوطنية بعداء غريب لا يمكن فهمه، وكانت تعمل جاهدة على إحباطها وإفشالها ومعاداتها ووصمها بأقذع الصفات، كما وعملت على تنفر الناس منها ومن الالتفاف حولها، وكان ذلك جليا خلال الحرب في أفغانستان، عندما كان يتم توجيه الشباب العربي والمسلم إلى أفغانستان بدلا من فلسطين، عدا عن الكثير من الممارسات التي مورست في فلسطين بحق القوى الوطنية من قبل التيارات الإسلامية.
ان الحجج والذرائع التي يسوقها بعض الإسلاميين وحركاتهم حول تراجع وفشل القوى القومية وغيرها، ليس مرده إلى ان هذه القوى أدارت الظهر إلى شعاراتها،وهي وإن فعلت، فان القوى الإسلامية لم تبد أكثر حرصا على تلك القضايا كما إنها كانت تغيب القضايا المركزية الأساسية تغييبا شاملا وكاملا عن برامجها، لا بل كانت تقف موقف العداء التام من تلك القضايا، وتعتبر ان من يشارك في الدفاع عنها ليسوا سوى جماعات الحادية الفكر والمنهج، وهذا بتقديرنا ليس غريبا عليها، فهي “القوى الإسلامية”، لا تتردد في تكفير بعضها البعض، برغم انها في النهاية تغرف من نفس المنهل والمنبع.
وحتى خلال ثورات الربيع العربي، فان القوى الإسلامية سواء في مصر أو تونس او ليبيا لم تحدد مواقف نهائية من قضايا لها علاقة بالقضية الفلسطينية على سبيل المثال، وهي لم تتميز في مواقفها عن بقية القوى غير الإسلامية، وحتى في غزة، التي تحكمها حركة الإخوان المسلمين ممثلة بحركة حماس، فان الأمر لم يعد كما كان عليه الحال قبل ان تصعد الحركة إلى سدة الحكم، وهي تتخلى تدريجيا عن الكثير مما كان معلنا قبل ان تمارس الحكم في القطاع.
لا شك ان الشعارات والأدبيات التي ترفعها القوى الإسلامية استطاعت ان تغوي العديد من الشرائح المجتمعية، إلا ان ذلك لا يعني بالضرورة ان هذه الشعارات دقيقة، او أن هذا المنطق صحيح، وهما – الشعارات والمنطق- إذا ما نجحا بشكل نسبي، فذلك يعود إلى فشل الأحزاب والقوى القومية، وليس لان ما تدعيه القوى الإسلامية هو عين الحقيقة، خاصة وان أحدا لم يجرب بشكل حقيقي الحكم الإسلامي الذي تدعو إليه الحركات الإسلامية، إذا ما استثنينا تجربة الحكم في قطاع غزة، والتي من الواضح انها تجربة ليست مشرقة كما يحاول البعض ممن يتحمسون لهذه الحركة الترويج.
الحركات الإسلامية لا تملك برامج مختلفة عن القوى الأخرى، وأي ادعاء غير ذلك في هذا الإطار يصبح ضربا من الدجل، وهي إذا ما امتلكت أية برامج فهي حصرا في المجال الاجتماعي، حيث يمكنها لو استطاعت الوصول الى الحكم ان تقوم ببعض التغييرات في هذا المجال، لكن ماذا يمكن لها ان تفعل في علاقاتها الإقليمية او الدولية، خاصة في ظل موازين قوى اقتصادية وعسكرية تؤكد على ضعف واضح في أي من الدول التي يمكن لهذه الحركات ان تصل فيها الى الحكم، وماذا يمكن لحركة كالإخوان المسلمين ان تفعل على سبيل المثال في معاهدة كامب ديفيد او معاهدة وادي عربة، او اتفاق أوسلو، ان المبالغة بالطريقة التي يتم الإعلان عنها من قبل الحركات الإسلامية، لا يمكن التعامل معها بجدية، خاصة وانها تشي في بعض الأحيان وكأن هذه الحركات تعيش في كوكب منعزل، وان لا قوى أخرى في ذاك الكوكب، حيث يتم التفصيل والتنظير بشكل يبعث على السخرية.
حالة الخوف التي يحاول العالم وخاصة في الغرب، الترويج لها من وصول الإسلاميين الى السلطة في الدول العربية في مرحلة ما بعد الربيع العربي، ليست حقيقية، خاصة ونحن نعلم ان هنالك اتصالات واجتماعات واتفاقيات مسبقة ورسائل “تطمين” تتم بين هذه القوى والدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، كما ان هنالك بيانات وتصريحات تصدر بين الفينة والأخرى، للتأكيد على ان هذه القوى ليست قوى معادية للغرب، وإنها سوف تعمل ضمن ما هو “مسموح” به، وإنها لن تشب عن الطوق مهما كانت الظروف.
التخويف من القوى الإسلامية يقود إلى المزيد من “شعبية” هذه القوى، وكأن الأمر مدروس بشكل مسبق، حيث هنالك حالة من التنافس في وسائل الإعلام الغربي والعربي للتخويف من هذه القوى، ويمكن لمن شاء الاطلاع على ما ورد في الصحف الأجنبية تعليقا على الانتخابات المصرية قبل ان تكتمل وتصدر نتائجها، كما ان هنالك تصاعدا في التصريحات من قبل المسئولين الغربيين بشكل عام تصب في ذات الإطار، كل هذا يدفع بدون شك الى المزيد من التقدم لهذه القوى وازدياد “شعبيتها” خاصة في ظل ثقافة تستند الى العاطفة في هذا الجزء من العالم، فكلما أظهرت الدول الغربية مزيدا من الخوف من تلك القوى”الإسلامية”، كلما زاد إقبال الجماهير على اختيار تلك القوى ودعمها، على اعتبار أنها تشكل تهديدا للقوى الغربية، عدا عن سياسة التخويف المستندة إلى سيف الله المسلط على الرقاب، والغيبيات التي هي ابسط الوسائل لنشر حالة من الرعب بين الناس وخاصة البسطاء منهم.
من خلال كل التصريحات ورسائل ” التطمين” التي تقوم بها الجماعات الإسلامية إلى الدول الغربية، يشعر المرء وكأن هنالك حالة من التناغم بين ما يصدر من تصريحات في الغرب وبين ما يتم تقديمه من قبل الحركات الإسلامية، وكأن ذلك مقدمة لما ستكون عليه المرحلة القادمة، لكن السؤال يبقى، ماذا يمكن لهذه الحركات ان تقدم لشعوبها ما خلا البرامج الاجتماعية؟ ولم كل هذا الخوف والتخويف من هذه الحركات إذا ما وصلت الى سدة الحكم في أكثر من بلد عربي؟ هل يعتبر ذلك مقدمة لحكم الحركات الإسلامية في الدول العربية بعد ان أفل نجم الحكام الطغاة في بعض هذه الدول؟ وهل يمكن ان تنجح هذه الحركات فيما فشلت به القوى القومية العربية على مدار عقود من الحكم القاسي؟ وهل سيكون الوضع في هذه الدول أفضل حالا مما كان عليه الأمر في ظل القوى القومية؟