نستعير عنوان هذا المقال من كتاب جديد يحمل نفس المفردات، لمؤلفين من جامعة هارفارد هما جيمس روبنسون ودارون اشيمغلو. والمقاربة التي يقدمها الكتاب تتعلق بتقديم تفسير تاريخي للأسباب التي تجعل من دولة أو مجتمع ما ناجحين ومزدهرين، في حين تفشل الدول الأخرى التي تضم نفس الموارد والمناخ والجغرافيا. وهناك الكثير من البراهين التي يستند إليها الكتاب الذي يتناول أسئلة مباشرة حول قضايا التنمية، والقضاء على الفقر، وفجوات الدخل في مجتمع أو دولة ما.
القضية الأولى التي يركز عليها المؤلفان البارزان هي أن التنمية والازدهار ليسا مسألة تصنعها الأقدار، بل هي مسألة يصنعها الأفراد من خلال المؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تحكم القرارات الاقتصادية.
وقد يتساءل البعض: ما هو الجديد في هذه النظرية، لاسيما أن السؤال ليس جديدا؟ وهذا صحيح، لكن الجديد أن الكتاب أدمج ثلاثة عناصر، تتمثل في العمق التاريخي، ودور المؤسسات الاقتصادية والمؤسسات السياسية، في سياق واحد. وهو يذهب في تقييم التجربة عميقا إلى نحو ألف عام، ليفسر كيف تطورت المؤسسات الاقتصادية التي تضمن تكافؤ الفرص، وتوسع هامش المشاركة في صنع القرارات، كما تضمن درجة عالية من تطبيق القوانين.
ومن خلال الأمثلة التاريخية التي يقدمها الكتاب، يتبين أن هناك أمما وحضارات سادت ونجحت لفترات معينة، ثم ما لبثت أن اضمحلت بسبب غياب عنصري المنافسة السياسية والاقتصادية، وبسبب ضعف تطبيق القانون وسيادته وقدرة النخب السياسية في بلد ما على تكييف الأنظمة والقوانين لخدمتها. وهذا أدى إلى فجوات في التنمية ومفهوم المواطنة. وبسبب ذلك النوع من الحاكمية السياسية والاقتصادية، كانت تحدث الانهيارات، لأن النخب السياسية الحاكمة غير القادرة على تجديد رؤيتها، ولا تسمح بصعود قوى سياسية، تنعزل عن محيطها العام.
الكتاب ما يزال يثير الكثير من النقاشات، لاسيما أنه يعتبر أيضا أن “التدمير الخلاق” على كافة الصعد ضروري لتحسين مستويات الإنتاجية والقدرة على المنافسة. ويتم الاستشهاد بأمثلة من كوريا الشمالية والجنوبية من حيث درجة التطور التي وصلها المجتمع في كل منهما، رغم أن شبه الجزيرة الكورية تحظى بنفس المواصفات الجغرافية، وذات المواطنين والمحيط الإقليمي، ولكن الفرق الأساسي بين الشمال والجنوب هو النظام السياسي، وطبيعة المؤسسات التي سادت. ورغم أن هذا خاضع لنقاش يرتبط بالبيئة الدولية المتاحة لكل نظام، إلا أن النتيجة هي أن هناك دولة في مقدمة دول العالم، وأخرى تعيش ما يشبه المجاعة.
والتفكير في أسباب نجاح أو فشل الدول يقود إلى مجموعة من الخلاصات الرئيسة. أولاها، أنه في ظل غياب المؤسسات السياسية والاقتصادية التي تضمن التعددية وتوسيع أطر المشاركة، فإنه لا أمل في تحقيق النجاح على المدى الطويل وضمان الاستقرار.
وثانية الخلاصات تتعلق بدور النخب السياسية التي تستحوذ على المصادر المتاحة وصناعة القرار على حساب الجماعات المتناثرة والمتفرقة في لحظة ما. لكن هذه المجموعات ستصل الى درجة تتفق معها على إزالة النخب السياسية. وهكذا يفسر المؤلفان ما جرى في ميدان التحرير في مصر.
أما الخلاصة الثالثة والأهم بالنسبة لبلد صغير مثل الأردن، فهي أن تحقيق التنمية والتقدم من عدمه ليسا مسألة قدرية، بل مسألة يثبت التاريخ الاقتصادي، لأكثر من ألف عام، أنها مرتبطة بجهد المجتمعات للخروج من عقلية الريع إلى الإنتاج والثقة في القدرة على التنافس والعمل. وهي رسالة نحن بحاجة إلى التفكير جديا بمضامينها، وتطوير المؤسسات التي ستوفر الانتقال من مرحلة إلى أخرى، لأنها ضمانة للاستقرار.
الغد الاردنية.