بعدما اختير أحمد الشقيري رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير (1964)، قام بزيارة لبيكين يرافقه عضو اللجنة الدائمة عبدالمحسن قطّان. واستقبلهما الزعيم ماوتسي تونغ بحضور وزير الخارجية شو ان لاي، ليستمع الى الشقيري الذي باشر حديثه بشكر الصين الشعبية على دورها المؤيد للقضية الفلسطينية عبر سياسة دول عدم الانحياز. وهاجم الشقيري الدول الغربية، وفي طليعتها الولايات المتحدة، ثم طلب من ماوتسي تونغ تزويده بنصائح واختبارات عملية ربما تعينه لدحر العدو الصهيوني. وأخبره أن مؤتمر القمة العربي قرر إعداد الشعب الفلسطيني عسكرياً بهدف مواصلة معركة التحرير.
وأعرب الزعيم الصيني عن سروره لسماع نبأ تكوين قوات فلسطينية مسلحة، وأوصى الشقيري بأهمية حفر خنادق، استعداداً لحرب طويلة مع العدو.
وبعد انتهاء اللقاء، طلب الشقيري من الزعيم الصيني توفير كمية من الكتب التي نشرها حول مسيرة الألف ميل، مبدياً الرغبة في توزيعها على قادة المقاومة الفلسطينية. عندئذ ابتسم ماوتسي تونغ، ورد على اقتراح الزائر العربي بإسدائه نصيحة حملت بعض اختباراته، وقال: أخشى ما أخشاه هو أن يكدس المقاتل كمية الكتب أمامه بطريقة تفقده وضوح الرؤية الصحيحة لمواصلة معركة التحرير. وكانت تلك العبارة الرمزية بمثابة جرس إنذار سمع الشقيري وقطان من خلاله معنى الرسالة التي بعث بها الزعيم الصيني الى المجاهدين الفلسطينيين.
عقب هزيمة حرب حزيران (يونيو) 1967، قدّم أحمد الشقيري استقالته من قيادة منظمة التحرير. وظل هذا المركز شاغراً مدة سنتين تقريباً، الى أن اختير ياسر عرفات لتولي هذه المهمة عام 1969.
ويبدو أن الطموحات الشخصية لعرفات في الاستيلاء على الأردن، شجعت الملك حسين ووصفي التل على استخدام الجيش لسحق محاولته. وبعد قتال مرير، أمر العاهل الأردني بطرد عرفات الى سورية مع أعضاء منظمته. وفي غضون فترة قصيرة، أمر الرئيس حافظ الأسد بطرد ياسر عرفات وأعضاء منظمته الى لبنان.
وبسبب سياسة اللين التي أظهرها أبو عمار حيال قضم أراضي الضفة الغربية ومضاعفة عدد المستوطنات، أعلن الشيخ أحمد ياسين عن تأسيس حركة المقاومة الاسلامية (حماس). وقد حرص على انتقاء عناصرها من بيئة محافظة، متشددة، لا تقبل بالتفاوض مع العدو الصهيوني.
وفي سبيل إحياء ذكرى شهداء الثورة الفلسطينية، أنشأ الشيخ ياسين «كتائب القسّام» التي تُعتَبَر الذراع العسكرية لحركة «حماس». وهي تضم مجموعة من المتطوعين الذين يؤمنون بضرورة الاهتداء بأعمال الشيخ عزالدين القسّام ومواقفه الوطنية المشرّفة.
يذكر المؤرخون أن الشيخ عزالدين القسّام عاش في اللاذقية، وانخرط في صفوف الحركة المناهضة للانتداب الفرنسي. ولم يغفر له الفرنسيون تشجيعه على مقاومتهم، لذلك ظلوا يلاحقونه ويضايقونه الى أن غادر سورية وانتقل الى حيفا. ولما علم الحاج أمين الحسيني بوجوده عام 1928، اتصل به ورحب بقدومه، ثم عيّنه مدرساً وواعظاً لـ «جامع الاستقلال» في حيفا. وبعد فترة وجيزة، ذاع صيته لدى زعماء الأحزاب الفلسطينية، وانتشرت توجيهاته الوطنية داخل صفوف المواطنين.
وكان من الطبيعي أن تثير هذه الصفات الصلبة قلق الانكليز الذين وضعوه تحت المراقبة، خصوصاً بعد انضمامه الى «الحزب العربي الفلسطيني» منتصف عام 1935. ولاحظت حكومة الانتداب أن الشيخ القسّام كان يعقد اجتماعات سرية في منزله، وذلك بحضور عدد كبير من زعماء الأحزاب والمتعاطفين مع سياسته.
ومنعاً لاستمرار المراقبة، اقترح الحاج أمين الحسيني على صديقه الشيخ عزالدين إنشاء منظمة سرية مسلحة يتولى هو إدارة شؤونها وتنظيم نشاطاتها. وقد تجاوب الشيخ مع رغبة الحاج، بحيث إنه وضع، وللمرة الأولى في فلسطين، ميثاق منظمة تتداخل فيها السياسة بالدين، ويقسم أعضاؤها يمين الولاء والطاعة. وقد تميزت نشاطات تلك المنظمة بالكتمان الشديد، وبانتشار عملياتها في مختلف المدن الفلسطينية.
في الذكرى 18 لصدور وعد بلفور، قرر الشيخ عزالدين القسّام إعلان الثورة على الحكم البريطاني. وحدث أن علم أحد ضباط الأمن العام بالخطة، فأبلغ عنها سلطات الانتداب. وقبل أن تبدأ ساعة الصفر، حاصرت القوات البريطانية أحراش «يعبد» حيث تجمعت حشود المجاهدين. ودارت في ذلك المكان النائي معركة فاصلة استشهد فيها القسّام وعدد من رفاقه (17 تشرين الثاني – نوفمبر 1935). وعلم «القسّاميون» بالخيانة التي ارتكبها ضابط الأمن العام أحمد نايف، فاغتالوه في مدينة حيفا. ولم يُضعف استشهاد عزالدين القسّام من عزيمة رفاقه الذين التحقوا بثورة فلسطين عام 1936.
ومن مواقف تلك الثورة، صاغ الشيخ أحمد ياسين مبادئ حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، معتبراً الشيخ عزالدين القسّام بطلها الرمزي والنموذج الذي يستلهمه الفلسطينيون في كفاحهم الطويل.
ولما قتِل المؤسس الشيخ ياسين في غارة اسرائيلية استهدفته عام 2004، تولى من بعده رئاسة المكتب السياسي خالد مشعل بمعاونة عدد من مسؤولي «حماس»، في مقدمهم نائبه إسماعيل هنية.
لهذا السبب وسواه يرى المراقبون أن «الموساد» يحرص على تعقب مجاهدي «حماس» بهدف تصفيتهم مثلما فعل مع القائد العسكري في الحركة محمود المبحوح. وقد تمت عملية الاغتيال في أحد فنادق دبي، في 19 كانون الثاني (يناير) 2010، أي أثناء ترتيب المصالحة بين «فتح» و «حماس» استعداداً لتشكيل حكومة وحدة وطنية. علماً أن مصر في حينه جعلت من شروط تسوية مسألة الأنفاق، قيام حكومة مشتركة تضم الفريقين.
ومن المؤكد أن الحكومة الاسرائيلية كانت ترفض اشتراك «حماس» في حكومة مصالحة وطنية. ومثل هذا الرفض يلقي الكثير من الشكوك حول الجهة التي خطفت الشبان الاسرائيليين وقتلتهم. خصوصاً أن هذه العملية نُفذت أثناء أزمة معيشية خانقة يعاني أهل غزة من تداعياتها المؤلمة. فالإدارة مفلسة لا تملك المال الكافي لدفع رواتب الموظفين، أو تأمين الكهرباء والماء لمليون وسبعمئة ألف نسمة. أما نسبة العاطلين من العمل فتقترب من الخمسين في المئة.
وعندما عقد المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر للبحث في قرار الرد على صواريخ «حماس» أو غزو القطاع بالدبابات، تحفظ وزير الدفاع موشيه يعلون على الموقفين. وقال في الدفاع عن رأيه، إن محاولة إجراء عملية عسكرية واسعة شبيهة بعملتي «الرصاص المصبوب» و «عمود السحاب»، ليست واردة. والسبب أنها تقوي نفوذ «حماس» داخل القطاع… وتضعف دور محمود عباس داخل الضفة الغربية. إضافة الى ذلك، فإن الرسالة الشفهية التي حملت تحذير الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تعارض كل إجراء يؤذي أهل غزة. وهو يرى أن قتل المسلمين في شهر رمضان المبارك سينعكس بشكل سلبي على الحكم، ويقوي موقف «الاخوان المسلمين» و «حماس».
يقول «الفتحيون» إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أُصيب بخيبة أمل مريرة، لأنه توقع إنجازاً إستراتيجياً قد يكون الأكبر خلال فترة ولايته. وربما أراد إنهاء حياته السياسية باتفاق الوحدة مع «حماس» تمهيداً للانسحاب من ساحة السلطة آخر هذه السنة. أي عندما يبلغ الثمانين من عمره. وهذا ما يفسر إلحاحه بضرورة الإفراج عن خلفه مروان البرغوثي.
المفارقة التي فاجأت الجميع هي السرعة التي وافقت فيها «حماس» على حكومة الوحدة من دون شروط. خصوصاً أن تلك الموافقة شملت كل الشروط التي رفضتها سابقاً. ثم تبين أن مصر وعدت بفتح معبر رفح الذي تعتبره إدارة غزة منفذاً حيوياً يصعب التغاضي عنه. ويتحدث الاتفاق، الذي عُقِد بين «حماس» والسلطة الفلسطينية، عن انتشار أمني على طول الحدود مع مصر، تنفذه خمس كتائب من الحرس الرئاسي الفلسطيني المعروفة بكتائب «دايتون».
ومع وجود هذه الكتائب، طالبت اسرائيل بضرورة إحياء الاتفاقات القديمة التي كانت تنظم إدارة معبر رفح قبل سيطرة «حماس» على القطاع. وتشمل تلك الاتفاقيات وجوداً اسرائيلياً دائماً مع التحكم بأجهزة المراقبة الالكترونية.
الملاحظ أن حكومة الوحدة الوطنية لم تبحث في الشؤون الأمنية المتعلقة بسلطة «حماس». ذلك أن كتائب القسّام – ذراع «حماس» العسكرية – لا تخضع لحكومة السلطة في رام الله… ولا لحكومة الوحدة الجديدة. من هنا حصرت مصر مسؤولية هذا الموضوع الحساس بلواء متخصص بالشأن الفلسطيني الداخلي.
وقد واجه هذا اللواء أزمة ثقة فور تعيين الدكتور رامي الحمدالله رئيساً للحكومة ووزيراً للداخلية. والسبب أن قوات الأمن تخضع عادة لوزارة الداخلية، في حين تعتبر «حماس» مخازن السلاح والصواريخ قطاعاً مستقلاً لا يجوز إخضاعه لإمرة أحد. لذلك اقترح أبو مازن اختيار وزيرين للداخلية، الأول «فتحاوي»، مسؤول عن الشؤون المدنية… والثاني «حمساوي»، مسؤول عن شؤون الأمن الداخلي.
يُستَدَل من مضاعفات الهدنة الهشّة التي اقترحتها الأمم المتحدة، أن قيادة «حماس» مترددة في الموافقة على وقف إطلاق النار، لأسباب ترفض الافصاح عنها.
ويرى محللون أن أسباب التردد مردها الى الخسارة البشرية التي منيت بها، زائد خسارة البنى التحتية للمصانع ومنصات الصواريخ وعشرات الأبنية التي تهدمت فوق رؤوس ساكنيها. وقد جاء في صحيفة اميركية أن «حماس» أطلقت مئات الصواريخ لتقتل اسرائيلياً واحداً… وأن النتائج ستنعكس بشكل سلبي على الشارع الغزاوي الذي يصحو على ضخامة الخسائر في حال انتهت المعركة من دون رابح.
وفي ضوء هذه الحقائق، يرى المراسلون في اسرائيل أن حاجة نتانياهو الى الإقدام على شن عملية محدودة قد يكون الحل المفاجئ في حال فشلت وساطات مصر وقطر وتركيا والأمم المتحدة. وهم يتوقعون ألا تستمر العملية أكثر من شهر تجري خلالها أعمال تمشيط واسعة تشمل مرابض الصواريخ والمصانع الحربية ومخازن الأسلحة.
في هذه الحال، يبدو أن «حماس» مستعدة لمثل هذا التصعيد لأن الصواريخ المضادة للدروع والدبابات، التي هربتها عبر الأنفاق في عهد الرئيس محمد مرسي، لم تُستَعمَل بعد.
عن الحياة اللندنية