لماذا يُغضبهم ويثيرهم ويُفزعهم علمُنا الفلسطيني؟ يستطيع الفلسطينيون كلُّهم أن يقولوا: إن في العلم حقاً فلسطينياً وطنياً، ورمزاً أبدياً ووشماً نضالياً، يؤشر على التاريخ والحق والعدل، هذه الإجابة صحيحة ولكنها ليست كاملة!
هناك رموزٌ ودلائلُ أخرى عديدةٌ يخشاها المحتلون الصهيونيون، فظهورُ علَم فلسطين المحلّق في الجو يوم 29-5-2022 أثار مشرِّعيهم في الكنيست، بعد يوم واحد من مسيرة الأعلام العنصرية، وجعلهم يسارعون لسنِّ قانونٍ يحظر رفع علم فلسطين في كل المؤسسات والدوائر الحكومية الإسرائيلية، كنتُ أتوقع أن يُسقطوا طائرة علم فلسطين الصغيرة بصاروخٍ من قبتهم الحديدية! هذا الرعب من العلم لا يرجع إلى خوفهم من قيام دولة فلسطينية مستقلة فقط، ولكنه يرجع إلى أن علم فلسطين يُلخص الثورة العربية الكبرى ضد الاستعمار، التي اشتعلت عقب الحرب العالمية الأولى 1914-1919، ومنها اقتبست معظم دول العرب ألوان أعلامها!
سؤال عنوان المقال أعاد لي كذلك رمزية علم فلسطين، أعادني مرة أخرى إلى الشاعر العراقي الذي كتب عن رموز ألوان العلم العربي، الأبيض والأسود والأخضر والأحمر، وهو الشاعر المُستبعد عن مقررات أبنائنا للأسف، وغائب أيضاً عن باحثي ودارسي الأدب العربي والسياسة حتى في كثير من جامعات العرب ومعاهدهم، إنه الشاعر العربي العراقي، عبد العزيز الطائي، أو (صفي الدين الحلي) نسبة إلى مدينة الحلة العراقية، المتوفى في القرن الرابع عشر 1339م، هذا الشاعر المبدع بالفصحى والعامية قال عن العرب أروع بيتَي شعر، لأنه عاصر معركة عين جالوت 1250، هذه المعركة الفاصلة، وقعت في بلدنا فلسطين، في بيسان، ففلسطين منذ الأزل تحدد مصير العالم العربي، كانت معركة عين جالوت الضربة العسكرية الفاصلة، التي أنهتْ استعمار المغول وسيطرتهم البربرية، وجعلت الشعراء ينشدون أروع أناشيد الحرية، قال المبدع صفي الدين الحلي أروع بيتين من الشعر:
إنَّا لقومٌ أبتْ أخلاقُنا شرفاً
أن نبتدي بالأذى مَن ليس يُؤذينا
بيضٌ صنائعُنا، سودٌ وقائعُنا
خضرٌ مرابعُنا، حمرٌ مواضينا
غزا البرابرةُ (المغولُ) بلاد العرب، ودمروا المكتبات ومعالم الحضارة واعتدوا على المقدسات، حتى أنه قال: أخلَوْا المساجدَ مِن أشياخِنا وبَغَوْا…. حتى حملنا، فأخلينا الدواوينا
يرجع سبب هذا الرعب أيضاً إلى أن الحركة الصهيونية لم تكن حركة قومية يهودية تهدف لتأسيس “دولة للشعب اليهودي”، بل إنها كانت ذراعاً للإمبريالية العالمية، فهي إنتاجٌ إمبريالي هجين في معمل أوروبا وأميركا، وما فلسطين بموقعها الجغرافي والديني والحضاري سوى قلب العالم العربي، لذا يجب احتلالها لمنع العرب من تأسيس إمبراطورية عربية تهدد الإمبريالية التجارية والصناعية العالمية!
عندما نعود إلى جذور، اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور، لا نجد الإجابة الوافية عن مشروع الدولة الصهيونية في فلسطين، كل الإجابات كانت تتلخص في أن أوروبا أرادت أن تتخلص من يهودها، ومن نفوذهم بمنحهم فلسطين! أما الإجابة الكاملة عن تأسيس إسرائيل تكمن في مؤتمرٍ آخر، حفروا له قبراً عميقاً، ودفنوه، وهو مؤتمر نظَّمه، هنري كامبل بنرمان، رئيس وزراء بريطانيا عام 1905! هذا المؤتمر نُشرتْ بعضُ وثائقِه في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، كان مؤتمراً خطيراً، ليس لعدد الدول الأوروبية السبع التي نظمته، بل لأن المؤتمر ضم علماء ومفكرين، وخبراء جغرافيين في كل المجالات، كما أن المؤتمر استمر سنتين كاملتين يدرس آليات وقف (تعريب العالم) هذا المؤتمر عُقد من عام 1905 إلى عام 1907 كانت قراراتُه تهدف للقضاء على حلم الإمبراطورية العربية، ومن أبرز قراراته؛ (تأسيس كيان عازل في وسط العالم العربي) لمنع تأسيس إمبراطورية العرب، كانت فلسطين هي ضحية هذا المشروع الاستعماري!
إذاً، فإن الفلسطينيين لا يدافعون فقط عن فلسطين، بل يدافعون عن وحدة العرب وتراثهم الحضاري، فهل نجحنا في إبراز هذه الصفة؟!