رام الله/ إن كان شاهد فلم “تايتنك” أو لم يشاهده، بات لدى الفلسطيني شادي الجبري، منذ حطّت به رحلة البحث عن منفى في مركز لإيواء المهاجرين غير الشرعيين في إيطاليا – بات لديه الآن ما يرويه عن قصة غرق جماعية في عرض البحر؛ بفارق ( عن الفلم ) أنه واحد من “أبطالها” الذين حظوا بالنجاة …
بالنسبة لــ”الجبري”، كما لرفيقه في رحلة البحث عن المنفى خميس بربخ، سيظل يوم 6 “أيلول” / “سبتمبر” 2014 محفورا في الذاكرة باعتبارة “يوم العودة إلى الحياة”، بما في ذلك اليوم من أهوال لم تكن خطرت في البال؛ كأن تشهد بأم عينيك “غارة بحرية” من سفينة أكبر على السفينة التي تقلّك و مئات آخرين، ليشهقها البحر بمن عليها في لحظات، دون أن يغص .
قال شادي الجبري وهو يقص حقيقة حادثة إغراق السفينة التي كانت تقلّه و نحو 450 شخصا، بينهم، فلسطينيون هاربون من الحرب السورية و مصريون و سودانيون و .. كثر من الفلسطينيين القادمين من غبار الحرب الإسرائيلية على غزة – قال في حديث مع مواقع إخبارية أن سفن المنافي ليست سوى نعوش عائمة، مشيرا إلى أن السفينة التي ابحرت بهم من الاسكندرية وكانت وجهتها إلى إيطاليا، كانت من طابقين يضمان حجرات امتلأت بالنساء و الاطفال، بينما كان الشبان موزعين على مقدمة السفينة وعلى سطحها ( بعضهم كانوا تسلقوا البرج رغبة في الاستطلاع )، دون أن ينسى الإشارة إلى أن الزحام كان يجبر معظمهم على النوم وهم جالسين .
بدأت القصة / المأساة، كما يرويها “الجبري”، حين كانت السفينة التي تقلّهم على مسافة ساعتين من المياه الاقليمية الايطالية وقرابة 22 ساعة للوصل الى الحدود البحرية الايطالية التي يتواجد عليها خفر السواحل الايطالي, لافتا إلى أن قاربا صغيرا و “متهالكا” كان يحمل عدد من المهربين طلبوا منهم مغادرة السفينة والانتقال الى أخرى, غير أنهم رفضوا ذلك بسبب أن المركب المقترح لإكمال الرحلة أصغر، موضحا أن مطالبة المهربين مغادرة السفينة مخالفا للاتفاق؛ ما اضطرهم بعد حالة جدل صعبة احتجاز طاقم السفينة التي كانت تقلهم واعتبارهم “رهائن” …
بعد ذلك، قال “الجبري” أن السفينة التي كانت تقلّهم واصلت الرحلة عدة ساعات ( كان الوقت حينها بعد الظهر )، ليتفاجأوا بقدوم سفينة أكبر متجهة نحوهم بسرعة فائقة, حيث توهموا في البدء ان المهربين قدموا إليهم بسفينة أكبر .. حتى ضربت سفينتهم المحملة بالعائلات المهجرة، ما تسبب في أن تميل على جنبها.. ثم الغوص في البحر .
ويضيف الفلسطيني شادي الجبري : “حين تأكد لنا أن السفينة ستغرق قفزنا، ( نحو 80 شخصا غالبيتهم من الشبان ) الى مياه البحر، ثم بعد وقت قصير شاهدنا السفينة وهي تغوص الى جوف البحر، حتى أنها “شفطت” معها الأشخاص الذين كانوا يعومون حولها”، مشيرا إلى انه و 55 شخصا ممن لم يغرقوا مع السفينة توزعوا مجموعات ( كان هو برفقة 5 اشخاص ) ممسكين ببعضهم البعض على شكل دائرة، قبل أن يختلفوا لاحقا على وجهة النجاة و يواصل كل منهم السباحة في الاتجاه الذي يرغبه؛ فكان أن اقبل الليل ليجد بقربه شابا من “السودان الشقيق” ( اكتشف صباحا أنه مات ) .. ثم في وقت لاحق من النهار، وهو يواصل السباحة باتجاه ممر للسفن، حظي بمرور باخرة شحن تايلندية انتشله طاقمها، ليجد عليها أكثر من 400 شخص تم انقاذهم من سفينة أخرى لتهريب المهاجرين .
“الجبري” و رفيقه في رحلة البحث عن المنفى خميس بربخ، يعيشان الآن ( بعد أن سلمتهما باخرة الشحن التايلاندية ) في مستشفى قديم تم تحويله إلى مركز لإيواء المهاجرين غير الشرعيين، حيث أشار الاول في سياق الحديث إلى أنه التقى اثنين من طاقم السفارة الفلسطينية في إيطاليا، هما سمير حمام و ربحي القدومي، لافتا إلى أن الأخيرين استمعا إلى “المأساة” والاحتياجات الملحة لفلسطينيين رمتهما دروب المنافي في عرض البحر؛ غير أنه لا يزال في انتظار توفير تلك الاحتياجات!
الجدير ذكره، بخصوص “المذبحة البحرية” التي طالت السفينة حيث كان الجبري و بربخ، أن غالبية حمولتها، وهم من الفلسطينيين الذين غادروا قطاع غزة بحثا عن حياة لا تحاصرها حروب إسرائيل .. قضوا جميعا، باستثناء 7 أشخاص، هم : شكري العسولي وعبد المجيد الحيلة ومحمد راضي الذين يتواجدون الآن في اليونان, ومحمد و ابراهيم عوض الله المتواجدين في جزيرة مالطا , وشادي الجبري وخميس بربخ في ايطاليا.
القدس دوت كوم