الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يدخل مأزقاً درامياً، «حماس» لم تعد متحمسة للمواجهة العسكرية مع اسرائيل منذ 2005، و «حزب الله» ايضاً تخلى عن المواجهة العسكرية معها منذ 2000، تحولت الحالة الى عداء من غير رغبة في الحروب والعمليات العسكرية. في 2006 استدرج «حزب الله» الى حرب لا يرغب فيها ولا يريدها، وفرضت الحرب على «حماس» عام 2008، لم تكن حرب «حماس» و «حزب الله»، ولم يكن لهما فيها ناقة ولا جمل، ولكن «حماس» في حاجة إلى العداء الدائم المتصاعد مع إسرائيل، ففي هذا العداء يقبل عليها المؤيدون والأتباع والمتبرعون والمشجعون، وتبدو مختلفة عن حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، تظل أملاً يغذيه البحث عن بديل للقيادات والنخب المتفسخة والآيلة الى السقوط، وموئلاً يدفع إليه الخوف والشوق الى التحرر، ولكنه شوق يتواطأ الناس و «حماس» معاً ألا يكون مكلفاً جداً، يتيح مواصلة الجمع بين الشعور بالظلم والرغبة في مواجهة الاحتلال والقدرة على البقاء ومواصلة الحياة الاقتصادية والسياسية واليومية. ففي المحصلة ومهما يقال عن الدوافع والأفكار والتعلق بالآخرة والثواب والشهادة فالشعوب تضحي كي تعيش، ويموت الناس لأجل حياة افضل لأبنائهم ومن لم يمت من بعدهم.
لم تشارك «حماس» في الانتخابات التشريعية وتشكل الحكومة ثم تحتفظ بقطاع غزة لأجل أن تحارب أو تخسر أكثر مما يلزم لاستمرارها وأن تكسب في النهاية، بل إنها بذلت في منع العمليات العسكرية ضد إسرائيل مثل أو أكثر من حركة فتح إبان سلطتها! وقضت بقسوة ومن دون تردد على تشكل جماعة سلفية مقاتلة، ولم يسعف هذه الجماعة أن تعتصم في أحد المساجد، ومؤكد لو أن سلطة أخرى «غير إسلامية» فعلت ذلك لتحولت القصة إلى ملحمة أسطورية للمواجهة بين الحق والباطل!
اسرائيل في حاجة الى عدو ثقيل الوزن بمستوى «حماس» او «حزب الله»، ولا تريد مواجهة مع جماعات صغيرة غير معروفة او غير مؤثرة في السياسة والشأن الفلسطيني والعربي. ستكون مثل معركة العملاق والاقزام الضئيلة القادرة على الازعاج والتخفي، لا يضرها في شيء ولا يستفيد خصمها شيئاً من قذفها بالجبال والحمم البركانية.
لقد دخلت اسرائيل في مأزق «حماس»، تريد عداء من غير حرب شاملة مكلفة، توتراً من غير خسائر بشرية مزعجة، معركة مضمونة النتائج تصلح حملة انتخابية، تفيد ليكود وشركاءه في التنافس مع العمل واليسار والاعتدال الاسرائيلي، وتفيد صقور العمل في الانسحاب مع البقاء، ففي الخوف والعداء والكراهية ينتصر المتطرفون دائماً.
عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم كانت ضرورة لإدامة الخوف والتوتر على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وإفشال المصالحة الوطنية الفلسطينية، كما كانت من قبل الانتفاضة الثانية عام 2000 مخرجاً ضرورياً من التزامات التسوية التي اقترب الطرفان من حسمها في كامب ديفيد، وخطط لها بوضوح وصلف ولقيت رغبة وحماسة من قبل ياسر عرفات وخالد مشعل، فكانت دراما عظيمة منحتها احداث 11 ايلول زخماً متصاعداً بلا حدود.
لكن كل شيء «بيخلص حتى الاحلام». وطبعاً البركة في «داعش» اليوم، ولكن لا يبدو حتى الآن ان «داعش» معنية بالمسرح الاسرائيلي، أو لا يرغب اللاعبون المؤثرون بإدخالها إلى المسرح الفلسطيني – الإسرائيلي. يكفي نتانياهو وليبرمان قربان صغير يجنبهما مغامرة لا تعرف نهايتها!
الحياة اللندنية