حصل السوري فيصل القاسم، على إجازة من الثورة السورية، ليلتفت الى الشأن المصري، ويخصص حلقة من برنامج ‘الاتجاه المعاكس’، للمساهمة في حملة الإبادة الإعلامية، التي يقوم بها الإخوان ضد جبهة ‘الإنقاذ الوطني’، التي تمثل رأس الحربة، في مواجهة السلطة الحاكمة في مصر الآن!
وعلي ذكر السلطة، فقبل يوم من كتابة هذه الزاوية، استوقفتني زميلة، من الجيل الذي يسبق جيلي بأجيال، لتقول أنها عاتبة على جيلي، وباعتبارها من الأجيال اللاحقة، لأن جيلي لم يمتلك الشجاعة الكافية، ليواجه النظام، وعندها سألتها: وأين هو النظام حتى أواجهه؟، ففي الواقع أنا لا أري من النظام سوى الرئيس محمد مرسي، أما الذين من حوله فهم ‘أناس طيبون’، ليس لهم في العير ولا في النفير، الى درجة أن يصدر الإعلان الدستوري الفتنة، فيعلن أركان حرب ‘النظام’ أنهم فوجئوا به لحظة إعلانه عبر شاشات التلفزيون كالعامة من أمثالنا، وكأن هذا الإعلان هو وحي يوحى، وعلي نحو كدت معه أن أدعوهم لنصلي معاً الفجر ذات ليلة، في مسجد ‘ السيدة نفيسة’، ونقضي يومنا كله هناك، فان القلوب تمل، لولا تذكري للمد السلفي في البلاد، الذي هو الامتداد الاستراتيجي للمد الوهابي، الذي يحرم الصلاة في مسجد فيه قبر، أو ضريح.
لا أظن أن المعاتبة لجيلنا، تريد دفعنا لمواجهة الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء، الذي شاهدته عبر الشاشة، يتحدث عن أسباب قيام الثورة المصرية، وكيف أن هذه الأسباب ليست قائمة الآن، فوجدت أن الوظيفة المناسبة للرجل هو أن يقدم برنامج أطفال بالتلفزيون، ولي صداقة قديمة مع صلاح عبد المقصود، وزير الإعلام الحالي، تشفع لي للتوسط لديه، لتعيين المذكور مذيعا لبرنامج الأطفال، وليكن عنوانه: ‘هيا بنا نلعب’، واعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة، لدفع مذيعة ‘الكفن’، التي ذكرتنا بمذيعة القذافي، للعودة الى برامج الأطفال، بعد عدم توفقها في البرامج السياسية، فعلي الأقل ستجد من تنافسه في هذا المجال، بعد أن ضاعت هيبة برامج الأطفال بتوقف برنامج ‘بقلظ؟’ لصاحبته نجوى إبراهيم، رحم الله موتاكم، باعتبار أن الرحمة تجوز على الحي والميت.
منذ قيام الثورة السورية، وقد انفتحت الشهية النضالية لفيصل القاسم، وربما تورط في موقفه، بعد ظنه أن الأسد ‘الابن’ سيسقط نظامه في ‘ظرف’ أيام كما سقط نظام مبارك في مصر، وبن علي في تونس، فإذا به يستمر طويلاً، فتحول الأمر لدي فيصل الى مسألة كرامة، فيقاوم على أكثر من جبهة، ومن برنامجه، الى مقالاته، الى تغريداته على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يبق أمامه إلا أن يحمل سلاحه وينضم الى صفوف الثوار في درعا.
فيصل القاسم تحول الى مقاول ‘فحت وردم’ للثورة، ومقاول ‘هدد’ لنظام بشار الأسد الذي أذل الشعب السوري باستمراره في الحكم، حتي رأينا ‘المجيدات’ السوريات في بلاد العرب يتم التقرب الى الله بالزواج منهن، فيما أطلق عليه خالد عبد الله بقناة ‘الناس’ زواج السُترة، فلا تهتز شعرة في رأس الأسد، لهذه الحالة التي انحدرت إليها أوضاع السوريات اللاجئات في بلاد الله الواسعة، في حين غضب الرئيس العراقي السابق صدام حسين عندما تم التطاول على العراقيات، اللاتي كان يطلق عليهن المجيدات، فتشعر أن فمه كان يمتلئ بكل معاني العزة والشموخ وهو ينطق هذا اللقب.
شيطنة الانقاذ
أداء فيصل القاسم في الثورة السورية، طغى على مجمل أداءه، فلم يعد محايداً، وهي الصفة التي ينبغي أن تتوافر في المذيع، ولو على طريقة فيصل، الذي يتبنى الرأي المعاكس مع كل ضيف يحاوره، لكنه كان هنا منحازاً لموقع أهل الحكم في مصر، وضد المعارضة التي تمثلها ‘جبهة الإنقاذ’.. وقد حاول أن يبدو موضوعياً وفشل، لأنه لم يكن جاداً في هذه المحاولات، إذ كان يستهدف المساهمة في الآلة الإعلامية لشيطنة المعارضة لصالح ‘أولي الأمر منا في مصر’، ومن مكتب الإرشاد، الى مجلس شورى الجماعة، مروراً بالرئيس محمد مرسي.
القاعدة في اختيارات القاسم لضيوفه، أن يقدم لكل حلقة قرباناً يجري ذبحه على النُصب، هو احد الضيوف، الذي يتحول الى ضحية، حيث يختار احدهما بحيث لا يكون متمكناً ليجهز عليه الضيف الآخر. وفي هذه الحلقة التي بدت موجهة ضد ‘جبهة الإنقاذ’ باستدعاء تراث الإعلام الموجه، لم يكتف بأن يكون الآخر ضحية فقد انضم لطلعت رميح ليجهز على فريسته مبكراً، وطريقة الاختيار كاشفة عما في الصدور.
الأفضل أن يكون من يمثل وجهة النظر الاخوانية، هو احد رجال النظام، فان لم يجد احدهم في نفسه رغبة في الدفاع عنه، فقد كان من الأليق أن يمثل هذا الرأي احد نجوم جماعة الإخوان، وما أكثرهم، ومن عصام العريان، الى هاني صلاح الدين عضو الجماعة المنتدب في مدينة الإنتاج الإعلامي، من قناة الى قناة، ومن برنامج الى برنامج.
فزميلنا طلعت رميح، وان كان قد انتقل من صفوف اليسار الى الصف الإسلامي بحزب العمل القديم، إلا انه ليس معبراً عن الإخوان، وان كانت انحيازاته لأهل الحكم سبباً في تعيينه مؤخراً ضمن ثلث عدد الأعضاء الذين يحق لرئيس الدولة تعيينهم في مجلس الشورى، الذي ألت إليه سلطة التشريع في غيبة مجلس النواب، وهو نفس التقليد الذي كان متبعاً في عهدي السادات ومبارك، مع أن عضوية المجلس في العهدين كانت للوجاهة الاجتماعية، فلم يكن له دور مؤثراً ، وكان هذا التمسك من قبل رأس السلطة التنفيذية، على أن تكون له ‘ حصة’ يعينها في المجلس التشريعي، كاشفة عن أن الحكم الجديد يريد أن يحكم على ذات القواعد التي كان يحكم بها النظام القديم.
على ذكر البرلمان المصري، الذي كان اسمه مجلس الشعب، فتغير الى مجلس النواب في الدستور الجديد، فان قناة ‘صوت الشعب’ لا تزال في شريط الأخبار تحرص على كتابة ان القناة تنقل جلسات مجلس الشعب ولجانه على الهواء مباشرة، على الرغم من إن المجلس تم حله منذ ستة شهور تقريباً، لكن يبدو أن رئيس القناة الذي تم تعيينه مؤخراً وقيل انه إخواني، ونفي هو ذلك، لا يشاهد قناته.
مجرد معجب
الخُبث في اختيار طلعت رميح، أنه إن أحرز هدفاً في مرمي الخصم، فسيصب في صالح الإخوان، فان كان العكس، فلن يخصم من رصيدهم، فالرجل مجرد ‘معجب’، وليس تعبيراً عن جماعة، يقول أصحابها ان عدد أعضائها بالملايين، ومع هذا لا يجد فيصل القاسم من يمثلها سوى واحد هو في النهاية من المؤلفة قلوبهم.
كما يمثل خُبثاً أيضاً أن طلعت رميح بحكم انتمائه القديم لليسار يجيد الحديث عن المؤامرات الغربية التي تقوم عليها الامبريالية العالمية، مع تغيير طفيف، فأهل اليسار يعتبرون الإسلاميين أداة من أدوات هذه القوى، في حين أن رميح ونتيجة للتحول، سيحول الإسلاميين الى مستهدفين بهذه المؤامرات، وقد فعل.
كما أن رميح عندما يهاجم الغرب الامبريالي، والمخططات الأمريكية ضد المشروع الإسلامي، فلن تتحمل الجماعة فاتورة هذا الكلام إذا ما جرى عتاباً من ‘الصديق الوفي’ للرئيس مرسي بيريز (بحسب تعبير الرئيس في خطاب شهير)، أو الرئيس الصديق أوباما، وقبل أسابيع عرض باسم يوسف في برنامجه ‘البرنامج’ فيديو قديم لمحمد مرسي، قبل الثورة، وأيام ان كان الهجوم على ‘الصهاينة’ ليس عليه استحقاقات جمركية، وكان ينطلي على العامة من ناحية، فضلاً عن أن نظام مبارك كان يستخدمه في حملته للتأكيد على أن البديل له خطر على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وعندما جاء اليوم الذي صار الوضع مختلفاً، والكلام يتم الحساب عليه، جرى عتاب مرسي على ما جاء في الفيديو فنفاه وبرره، وفسره بما يخالف ما رمى إليه، فأرهق نفسه، وأرهقنا، ونحن نقرأ ما قاله فنشعر بدوار البحر، ونحن على اليابسة.
لا أظن أن اختيار صلاح حسب الله، ممثلاً لجبهة الإنقاذ، كان يراد به أن نكون أمام حلقة متوازنة، فالرجل ليس له سوابق في مشاركات تلفزيونية تؤهله لمواجهة واحد من ملوك الكلام كطلعت رميح، فهو جاء ليقوم بدور المندهش، وكانت الكاميرا تحط عليه فتكشف نظراته وتقاطيع وجهه وقد تملكته الدهشة، لغرابة ما يسمع.
غنى فيصل القاسم ورد عليه طلعت رميح، وغنى طلعت ورد عليه فيصل، وفي غناء الأول استخدم كلمات تفيد أننا أمام تحليل استراتيجي جبار، تمثل في توصل صاحب ‘الاتجاه المعاكس’، الى سر الخلطة السحرية لكنتاكي، فالذي جمع الشامي والمغربي في ‘جبهة الإنقاذ’، هو الوقوف ضد المشروع الإسلامي، عندها هتفت: تكبير.
وعندما غنى رميح، جاء مقطعه الغنائي، مدغدغاً للعواطف الجياشة، فهناك مؤامرة كونية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وابنتها البكرية إسرائيل، تستهدف إسقاط الرئيس محمد مرسي، وعندها هتفت أيضاً: تكبير.
بهدلنا أمريكا وإسرائيل معنا نحن معشر المصريين، فحتي مبارك كنز إسرائيل الاستراتيجي في المنطقة، عندما قامت الثورة قال ان أمريكا وإسرائيل تقف خلفها، في حين كان الثوار يتهمون أمريكا وإسرائيل بالوقوف مع مبارك، وقد قرأنا عن أكثر من عشرين سيارة تتبع السفارة الأمريكية استخدمت في قتل الثوار، ولا تزال صورة إحداها تبث الى الآن عبر شاشات الفضائيات عند بث مقاطع أرشيفية عن الثورة، وقد تعاملت السفارة الأمريكية بالقاهرة على أن سيارتها سرقت، وجاء تقرير لجنة تقصي الحقائق مؤخراً ليذكر هذا العدد من السيارات التابعة للسفارات، فهل كانت كلها مسروقة؟!
أنصار الفريق احمد شفيق وربما هو نفسه، يقولون إن مرشحهم في الانتخابات الرئاسية كان ناجحاً وان الولايات المتحدة الأمريكية ضغطت على المجلس العسكري لإعلان فوز مرشح الإخوان، والمعارضة تتهم واشنطن وتل أبيب بأن رضاها عن حكم مرسي، هو الذي دفعه للاستعلاء في مواجهتها، الى درجة عدم الاكتراث بكافة وعوده السابقة، وقد وعد بعدم طرح الدستور على الاستفتاء الشعبي، إلا بعد توافق كل القوى الوطنية عليه، وفي ذروة عملية الشد والجذب والانقسام السياسي عرضه على الاستفتاء، وبعد ذلك وعد نائبه بعدم عرض قانون الانتخابات على مجلس الشورى إلا بعد التوافق، فتم إقراره بدون الاكتراث برأي المعارضة، ومن ذهبوا ليشاركوا فيما سمي بالحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس، وعرضوا تعديلاتهم، لم يؤخذ بها في مشروع وزارة العدل الذي وافق عليه مجلس الشورى نصاً، وقال عصام العريان زعيم الأغلبية في مجلس الشورى، ونائب رئيس حزب ‘ الحرية والعدالة’، إن ما ينتهي عليه الحوار الوطني ليس ملزماً لمجلس الشورى.. تكبير!
المؤامرة
لا أحد يقول لي ان المؤامرة الكونية، التي تحدث عنها فيصل القاسم وطلعت رميح، تستهدف إفشال المشروع الإسلامي في مصر، فالشاهد أنه لا يوجد لدينا مشروع إسلامي يرفع أو يطبق، ولا أظن أن الحكم مشغول الآن، أو في أي مرحلة قادمة بتطبيق شرع الله على أي نحو، فنحن نُحكم بالقوانين التي كان يحكمنا بها حسني مبارك، ولا أعرف الآن معنى شعار ‘الإسلام هو الحل’ الذي كان يرفعه الإخوان في الانتخابات البرلمانية؟!، وكأن هناك برنامجا إسلاميا يمثله مرشحوهم، في مواجهة برنامج علماني يمثله مرشح الحزب الوطني؟!
وما ذكره فيصل القاسم على ان الذي جمع الشامي والمغربي هو الوقوف ضد المشروع الإسلامي، ذكرني بما كانت تردده دعايات الإخوان، عن ان الذين انسحبوا من الجمعية التأسيسية للدستور كانوا ضد المادة الثانية الخاصة بأن مبادئ الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع، مع أن المنسحبين كانوا قد وافقوا عليها كما وافقوا على تفسير الأزهر لها.
أمران تحدث عنهم صلاح حسب الله فأجاد هو أخونة الدولة المصرية، وان الذي جمع الشامي بالمغربي هو أننا نحكم بنفس النظام الاستبدادي وبنفس آلياته، لكن تبدو مشكلته في انه قبل القيام بدور المتهم، دون أن ينتقل الى دور الادعاء في مواجهة الطرف الآخر.
لو حسنت النوايا، لكان الأحق بتمثيل ‘جبهة الإنقاذ’ في ‘الاتجاه المعاكس’ هو عزازي علي عزاي، أو حسين عبد الغني، او خالد داود.
لكن الغرض مرض، كما قال ابن أبيه.
القدس العربي .