من باب السخرية في أكثر الحالات، وبمنتهى الجدية في قليل منها، إنما دائماً تعبير عن أسى، فاضت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات العربية التي تقارن الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون بحال أغلب الشباب العربي، والذي ما يزال جزء كبير منه في سن الرئيس القادم يبحث حتى عن فرصة عمل تليق بإمكاناته وتحصيله العلمي، ناهيك عن صون كرامته.
لكن فوز ماكرون يستحضر سؤالاً باعثاً على أسى أكبر، لا يتوانى في طرحه حتى بعض مدعي الديمقراطية والرغبة في الإصلاح، وهو سؤال البديل من الزعيم الأوحد الخالد وسلالته، وصولاً إلى كل النخبة الحاكمة، في حال المضي في الإصلاح والتغيير.
إذ إلى ما قبل أشهر، ولربما أسابيع قليلة، لم يكن الشاب المغمور إيمانويل ماكرون ضمن الإجابة عن السؤال –الصادق وليس العبثي والمناكف- بشأن من سيكون خليفة الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا أولاند. وكونه ليس بديلاً جاهزاً معروفاً، هو ما أدى، بداية، إلى فوزه برئاسة واحدة من كبرى دول العالم على الصعد كافة. ولم يكن هذا الفوز، تالياً، إساءة للديمقراطية الفرنسية ولا مصدر قلق على الدولة، وإنما العكس.
وبداهة، فإنه لا يمكن الجمع بين سؤال البديل الذي يسعى إلى إجابة مسبقة جاهزة (بالاسم، والطول، وزمرة الدم… إلخ)، وبين المطالبة –ولو زيفاً- بالديمقراطية عموماً. ذلك أن الديمقراطية، بكل عملياتها ومؤسساتها الرسمية والأهلية هي من يصنع ويقدم البدلاء (الديمقراطيين الوطنيين، وليس المستبدين الفاسدين) الذين قد يكونون مفاجئين؛ سلبياً أو إيجابياً. ولو “أخطأ” الشعب في اختياره، فإنه يستطيع أن يصحح خطأه بعد أربع أو خمس سنوات على أبعد مدى، عبر الانتخابات التالية؛ فالديمقراطية هي أيضاً نقيض مفهوم الزعيم الخالد، الباقي إلى الأبد. بل ويمكن للشعب تصحيح المسار مباشرة من قبل مؤسساته الأهلية التي تمارس الرقابة والضغط والتعبئة لتصويب أي انحراف.
هكذا يكون سؤال بديل المستبدين الفاسدين، في أفضل الأحوال، تعبيراً عن إيمان راسخ بالقائد الفرد مطلق السلطة، وبالتالي الخالد فالمستبد الفاسد. أما حين يُطرح بشأن من لم يُخلّص فقيراً من فقره إلا بقتله، ومن لم يحرر شبراً من أرض محتلة بل وهب وباع أرضاً جديدة لغرباء جدد، فيكون مفهوماً أن السائلين هنا يريدون فقط ستر موقفهم المؤمن بالاستبداد والفساد والتخلف. خير مثال على ذلك السؤال عن بديل بشار الأسد. لأنه بمعايير مؤهلات “السيد الرئيس” وإنجازاته سيكون هناك عدد قد يستعصي على الحصر من البدلاء؛ إذ كل المطلوب هو الجلوس في قصر الشعب، حيث يتم من هناك إصدار الأوامر بقتل الشعب بدم بارد وتهجيره، كما تقطيع سورية بين من يود المشاركة في المذبحة، وفي المذبحة فقط.
سؤال البديل لا يوجه للمطالبين بالحرية والكرامة؛ فهؤلاء بديلهم معروف تماماً، ولذلك هو لا يُحدد باسم معروف سلفاً. سؤال البديل يوجه لمن يدّعون إيمانهم بالديمقراطية والتحرير والتنمية، لكنهم يخونون كل من يحتج مجرد احتجاج على مستبدين فاسدين لم ينجزوا شيئاً خارج الشعارات، ثم أجهزوا على كل أركان الدولة؛ شعباً وأرضاً وسيادة!
عن الغد الأردنية
ماكرون وسؤال البديل العربي ..بقلم :منار الرشواني
Leave a comment