العوامل التي دفعت المصريّين إلى الانتفاض على الرئيس حسني مبارك وإخراجه من السلطة بمساعدة من الجيش لا تزال موجودة في رأي باحث أميركي جدّي. فالبلاد لا تزال تتعرّض للقمع وسياسات حكّامها استبداديّة واقتصادها في حال حرجة. والسبب الذي دفعهم إلى إبعاد “الإخوان المسلمين” عن الحكم ديموقراطيّاً عام 2013 هو كونهم المنظّمة الوحيدة القادرة على التعبئة الشعبيّة على مستوى الوطن وعلى الفوز في الانتخابات. ويعود ذلك إلى أن الإنضمام إليهم عمليّة معقّدة تدوم سنوات وتنتهي بقسمٍ على “الإصغاء والطاعة”. كما يعود إلى إمتلاك هؤلاء منظمة حديديّة وسلسلة قياديّة على مستوى الوطن وقيادة مركزيّة عُليا صغيرة في القاهرة. يراوح عددها بين 5 و10 أشخاص. ولم يكن في مصر منظّمة تضاهيها في التنظيم والشموليّة وفي ولاء أعضائها وفي تقديمها لهم مساعدات اقتصاديّة وماديّة واجتماعيّة. أما الهدف الرئيسي لـ”الاخوان” فكان ولا يزال نشر نفوذهم على مستوى العالم بغية تأسيس “الدولة الإسلامية العالمية”. والطريقة التي وصلوا بها إلى حكم مصر وممارستهم له أظهرت للشعب أنهم طلّاب سلطة في الدرجة الأولى، وأظهرت أيضاً أن وصولهم إليه ثم خروجهم منه كان مسألة مصريّة داخليّة. لكن قرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التعاطي معهم بانفتاح ومن دون شروط ساهم في دفع قيادتهم إلى اتخاذ قرار بالوصول إلى الحكم وبممارسته انفراديّاً. والموقف الأميركي هذا كان مفاجأة ولكن سارة لـ”الإخوان” لأنهم كانوا يؤمنون أن الغرب إجمالاً هو الحاجز الرئيسي أمام نهوضهم أو نهضتهم السياسية. أما السبب الذي دفع أوباما إلى الموقف المذكور فكان اقتناعه بأن “الاخوان” سيستمرّون في السلطة مدة من الزمن، وبأن التأثير عليهم بـ”الجزر” أفضل من ممارسة سياسة “العصا والجزرة” معهم. لكن فشل هذه السياسة والعجز التام عن “قراءة” منظمة ترسل ومنذ تأسيسها قبل أكثر من 80 سنة “الرسالة” نفسها، أثارا شكوك واشنطن في قدرتها على فهم السياسات المحلية لدول الشرق الأوسط في صورة صحيحة.
علماً، يَلفت باحث أميركي آخر جدّي بدوره، أن خلع الرئيس “الإخواني” محمد مرسي بدا للبعض في العاصمة الأميركيّة إنهاءً للعملية الديموقراطية السياسية في مصر. كما بدا لعدد من المصريّين إزاحةً فقط لرئيس من الحكم وبطريقة مُشابهة لخلع مبارك. لكنه وصل إلى الاستنتاج نفسه الذي وصل إليه الباحث الأول، وهو أن العيون التي رأت بواسطتها واشنطن مصر لم تعكس حقيقة تعقيدات الوضع المصري على الأرض.
إنطلاقاً من ذلك تتحدّث باحثة أميركية ثالثة، والثلاثة خبراء في أوضاع مصر، عن أساطير أو خرافات مشتركة ثلاثة في مصر ما بعد مبارك. الأولى أن جماعة “الإخوان المسلمين” فيها تختلف جوهريّاً عن الأحزاب السياسية المصريّة الأخرى. والواقع يُشير إلى أنها لم تكن الوحيدة التي أصدرت “وثائق دستوريّة” وسعت إلى احتكار السلطة واستعملت “القتلة” (Thups) لمهاجمة أخصامها. إذ أن السلطات الحالية فعلت الشيء نفسه وجهات عدّة أخرى. والثانية أن تصرّف جماعة “الإخوان” كان استثنائياً وغير مميّز بعدم كفاءته. ربما لأن الأحزاب التي تظهر إبّان التغييرات السياسية غالباً ما تكون غير مستعدّة للحكم وغير ممتلكة لأجندة سياسية ذات معنى. وربما أيضاً لأنها تحرص على تأكيد أكثريّتها الشعبيّة غالباً رغم سيطرة عقدة الاضطهاد عليها والشك وربما العظمة. أما الأسطورة أو الخرافة الثالثة فهي الاعتقاد الخاطئ أو الاقتناع بأن علاقة “الإخوان” مع أميركا كانت فريدة أو استثنائيّة. وفي الحقيقة أن أميركا تعاملت مع نظام مبارك بالطريقة نفسها وكذلك مع الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وحكومته. كما أن التصوّر داخل مصر أن أميركا دعمت “الإخوان” في أثناء الاحتجاجات الشعبية ضدّهم عام 2013 خاطئ. ذلك أنها دعمت حلاً سياسياً وليس أي شيء آخر. علماً أنها وخلال حكم مرسي لم تطلب شيئاً منه أو من حكومته لأنها لم تشأ التدخل في مرحلة انتقالية.
ما هو مستقبل “الإخوان” في مصر؟
لا يمكن التكهّن بذلك، يجيب الباحثون الثلاثة وغيرهم كثيرون. فهم يمكن أن يعودوا إلى السلطة إذا تحوّلوا إلى الديموقراطيّة مثل “إخوان” تونس (حركة “النهضة” بزعامة الغنوشي). وأميركا لا تعرف حقيقة كيف سيؤثّر خلعهم من الحكم عام 2013 على إيديولوجيّتهم. ولا تعرف تحديداً إذا كانوا سيتحوّلون إلى العنف، أو يبقون لا عنفيّين نسبياً، أو ينتظرون للنهوض من جديد في مرحلة ثورية أخرى.
عن النهار اللبنانية
ما هو مستقبل “الاخوان” في مصر؟…بقلم:سركيس نعوم

Leave a comment