متى يغير قادة الفلسطينيين تكتيكاتهم؟

2014/07/24
Updated 2014/07/24 at 10:09 صباحًا

abbas-wonder

في الوقت الذي تمطر فيه الضربات الجوية الإسرائيلية الموت والدمار على غزة، والاحتجاجات تمور في المدن والمخيمات الفلسطينية في كامل أنحاء الضفة الغربية وفي داخل حدود إسرائيل 1948، تكشف مقالة نشرتها صحيفة “هآرتس” لرئيس السلطة الفلسطينية بوضوح أن الشق بين الشعب الفلسطيني وقيادته لا يمكن أن يكون أكثر اتساعاً مما هو الآن.
يفتتح محمود عباس مقالته بتذكير إسرائيل بأن 26 عاماً قد مرت منذ اعترف الفلسطينيون بحل الدولتين، وتنازلوا بذلك عن 78 % من وطنهم التاريخي، ووافقوا على القبول بدولة فلسطينية تقوم على ما تبقى من حدود إسرائيل للعام 1967. ويختم عباس مقالته بتطمين الإسرائيليين إلى أنه ما يزال “ملتزماً تماماً برؤية الدولتين، والتطبيع والسلام مع جارتنا –إسرائيل”.
يعرف عباس أنه حتى يكون الفلسطينيون والإسرائيليون جيراناً، فيجب أن تكون هناك دولتان مستقلتان، فلسطين وإسرائيل، وكلتاهما بحدود معرّفة بوضوح. لكن هذا لم يعد قابلاً للتحقيق بالنظر إلى الحقائق التي خلقتها إسرائيل على الأرض. وكما هو واضح، لا تخطط إسرائيل للعيش في الجوار، وإنما تخطط لاستمرار الوجود فوق كل فلسطين حيث تقوم بسحقها واستنشاق أوكسجينها وإزالة سكانها الأصليين في الوقت الذي تسرق فيه مواردها الطبيعية.
ليس الفلسطينيون مثلما يحب عباس أن يتخيل، جيراناً لإسرائيل. إن الفلسطينيين هم أسرى إسرائيل الواقعين تحت الاحتلال، وقد نالوا من ذلك ما يكفي. وقد باتوا يدعون إلى قيام انتفاضة، ويقومون ببناء مقاومتهم -بالسلطة الفلسطينية أو بدونها.
كان القتل الوحشي للفتى الفلسطيني محمد أبو خضير، الذي تم إحراقه حياً من الداخل والخارج على يد ثلاثة إسرائيليين بعد إرغامه على شرب البنزين، هو الشرارة التي أطلقت الكثير من الانتفاضات التي نشهدها اليوم. وقد أمّ آلاف الناس خيمة عزاء أبو خضير، كما سار الآلاف في جنازته أيضاً. وأسر مقتله خيال الفلسطينيين وذكرهم بوحشية إسرائيل وطبيعتها الانتقامية. وجاء مقتل أبو خضير وسط محاولات مختلفة أخرى يبذلها المستوطنون الإسرائيليون لاختطاف أطفال فلسطينيين، بالإضافة إلى الهجمات التي يشنها إسرائيليون على الفلسطينيين في الحافلات الفلسطينية والشوارع.
بينما حاول المدافعون عن إسرائيل تبرير هذه الهجمات بالزعم بأنها ردة فعل مباشرة على اختطاف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين يوم 12 حزيران (يونيو)، فإن الواقع هو أن الفلسطينيين واجهوا الموت والدمار على أيدي إسرائيل على أساس يومي وطوال عقود، وهو الذي يذهب معظمه من دون إبلاغ. ووفقاً لإحصائيات وزارة الإعلام في رام الله، قتل نحو 1518 طفلاً فلسطينياً على يد قوات الاحتلال بين أيلول (سبتمبر) 2000 ونيسان (أبريل) 2013. ويعني ذلك أن القوات الإسرائيلية قتلت طفلاً فلسطينياً كل ثلاثة أيام خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية.
الترنح في غزة
على الرغم من أن حماس –التي لا تحجم في كثير من الأحيان عن إعلان المسؤولية- نفت تورطها في خطف المراهقين الإسرائيلية يوم 12 حزيران (يونيو)، تصر الحكومة الإسرائيلية، من دون تقديم أي أدلة دامغة، على أن حماس هي المسؤولة. وقد أعطى ذلك إسرائيل فرصة لتنفيذ مئات الاعتقالات. وبعد تراجعها عن اتفاق كان قد أبرم مع عباس للافراج عن سجناء فلسطينيين، قامت إسرائيل بإعادة اعتقال سجناء من المفرج عنهم مؤخراً، بما في ذلك ساسة من حماس، وبما يثبت مرة أخرى أن “المكاسب” التي يجري تحقيقها على طاولة المفاوضات يمكن نقضها بسهولة من جانب إسرائيل. وقد عمل ذلك على المزيد من تقويض مصداقية السلطة الفلسطينية واستمرار التزامها بالمفاوضات.
التحرك الذي قامت به إسرائيل لتجعل حماس مسؤولة نجم عنه ما نشهده الآن: اعتداء عسكري إسرائيلي واسع النطاق على الناس المحاصرين والعالقين في غزة. وقد أصبح الوضع في غزة غير قابل للاستدامة، سواء بالنسبة للسكان أو لقيادة حماس السياسية. وأفضت عزلة حماس المتزايدة في أعقاب الحصار المستمر منذ سبع سنوات وسقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر إلى إجبار الحركة على التحرك في اتجاه المصالحة مع السلطة الفلسطينية.
مع ذلك، أفضى الضغط الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية وفشل السلطة في معالجة المصاعب الاقتصادية التي تواجه موظفي قطاع الخدمة المدنية الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك المشكلة المتفجرة لرواتب الموظفين الذين عينتهم حماس، أفضى ذلك إلى تعزيز إمكانية تحقيق مصالحة حقيقية وتشكيل قيادة موحدة للشعب الفلسطيني.
ما يحتاجه الفلسطينيون
كتب عباس في مقالته في صحيفة “هآرتس” أن التفاوض يمكن أن يكون أداة قوية لجلب السلام، لكنه يقع في خطأ افتراض أن المفاوضات مع إسرائيل فشلت لأنه لم يكن لدى إسرائيل “هدف معلن ومعايير معروفة”. وبينما يظل ذلك صحيحاً، فإن إسرائيل رفضت تعريف حدودها واستخدمت المفاوضات كغطاء لتوسعها الاستيطاني الكثيف والعدواني. ويشكل هذا الواقع العقبة الرئيسية التي تحول دون نجاح الفلسطينيين في جهودهم من أجل السلام، حيث يقف على رأس  مشاكلهم ذلك الافتقار إلى وسائل الضغط في كل مرة يأتون فيها إلى طاولة المفاوضات.
يستشهد عباس بالقانون الدولي بشكل مستمر عندما يتحدث عن الحقوق الفلسطينية، لكن الاستشهاد بالقانون الدولي شيء، والسعي بنشاط إلى تطبيقه عن طريق التعامل مع جرائم الحرب الإسرائيلية بإيصالها إلى محكمة العدل الدولية شيء آخر. لن يكون مطلب العدالة على الجانب الفلسطيني كافياً لإلزام إسرائيل بتغيير سياساتها الوحشية والعنصرية، وما تمس الحاجة إليه الآن هو تفعيل تكتيكات يمكنها أن تعمل على جلب الضغط، وأكوام هائلة من الضغط الدولي الذي يمكن أن يجبر إسرائيل على التفكير في تغيير مسارها.
ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم هو قيادة موحدة لا تكون مركزة على حماية أمن إسرائيل، وإنما على تحدي شرعية تصرفات دولة الاحتلال في محكمة العدل الدولية. ما يحتاجونه اليوم هو قيادة تكون قادرة على دعم المقاومة الفلسطينية الشعبية الداخلية وتعزيز دعوات حركة التضامن العالمية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل من أجل دعم الجهد الدبلوماسي.
كما قال ألبرت آينشتاين ذات مرة، فإن تعريف الجنون هو فعل الشيء نفسه مرة تلو الأخرى بينما يتوقع الفاعل الحصول على نتائج مختلفة. ولا يستطيع محمود عباس الاستمرار في فعل الشيء نفسه بينما يتوقع من شعبه تصديق أنه سيأتي بنتائج مختلفة. لقد خرج الفلسطينيون الآن إلى الشوارع داعين إلى المقاومة الفاعلة النشطة.
إنهم يقفون في وجه جنود الاحتلال الإسرائيلي. إنهم يتحدون الهدوء الخاضع والمنقاد الذي كان مفروضاً على المناطق الفلسطينية المحتلة منذ سنوات. إنهم يثورون ضد “السلام الاقتصادي” الإسرائيلي بينما يطالبون بالسلام القائم على الحرية والعدالة والمساواة للجميع. إنهم يطالبون بتكثيف المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الاحتلال. فمتى تغيّر القيادة الفلسطينية تكتيكاتها الميتة وتنضم إليهم؟

سماح سبعاوي – (ذا بالستاين كرونيكل)

*كاتبة مسرحية، وشاعرة ومحللة سياسية وناشطة في مجال حقوق الإنسان. كتبت وأنتجت العديد من المسرحيات النقدية، منها “صرخات الأرض” و”ثلاث أمنيات”، كما شاركت في تأليف كتاب “رحلة إلى السلام في فلسطين”. وهي مستشارة سياسية في “الشبكة”، شبكة السياسة الفلسطينية.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً