أجرت الحوار: عبير البرغوثي
استنادا للمنظومة التشريعية للشراء العام وبموجب قانون رقم 8 واللائحة التنفيذية للقانون رقم 5 لعام 2014، تم إنشاء المجلس الأعلى لسياسات الشراء العام، ليضم بين أعضائه ممثلين عن القطاعين العام والخاص، إيمانا بأهمية الشراكة بينهما، وتم تكليف المجلس بمهام متعددة تهدف للوصول إلــى نظــام شــراء فعال وشــفاف وعــادل لكل الأطراف ويشــكل رافعة للتنمية المسـتدامة فــي فلسـطين، ويقوم بالمهام التي كلف بها بموجـب قانون الشراء والمتمثلة برسـم وإعداد السياسات العامة، وتطوير التشريعات وتقييم أداء منظومة الشراء العام لرفـع كفاءة الجهات المشترية، والقطاع الخاص، وتوظيـف الممارسات الفضلى في الشراء.. وحتى نتعرف أكثر على أهم الأهداف والإنجازات التي يقوم بها المجلس الأعلى لسياسات الشراء العام بشكل تفصيلي كان لـ “الحياة الجديدة” هذا الحوار الحصري مع رئيس المجلس مؤيد عودة، وفيما يلي نص الحوار:
700 مليون دولار سنويا قيمة الانفاق العام على المشتريات العامة
ما المقصود بالشراء العام؟ وكم تبلغ قيمة المشتريات العامة في الدولة؟ يقول مؤيد عودة رئيس المجلس “من أجل أن تستمر مؤسسات الدولة والحكومة في أداء أنشطتها وواجباتها والقيام بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، فإنها تقوم بشراء السلع والخدمات وتقوم بأعمال الأشغال، ويمكن أن يطلق على عملية شراء السلع والخدمات والاشغال من قبل الحكومة الشراء العام ويعرف قرار بقانون رقم (8) لسنة (2014) بشأن الشراء العام الفلسطيني الشراء بأنه حصول الجهة المشترية بأية وسيلة تعاقدية على أية لوازم أو أشغال عامة أو خدمات استشارية أو غيرها من الخدمات التي يتم تمويلها من المال العام أو تخدم المصلحة العامة والمقصود بالجهة المشترية هي الوزارات او المؤسسات الحكومية التي تندرج موازنتها ضمن الموازنة العامة و هيئات الحكم المحلي”.
وحول قيمة المشتريات العامة في الدولة يوضح عودة: “في فلسطين تبلغ قيمة الإنفاق العام على المشتريات العامة بحدود 700 مليون دولار سنويا، ويشمل هذا الرقم جزءا من مشتريات هيئات الحكم المحلي، ويمثل ما نسبته تقريبا 22% من الموازنة العامة وحوالي 5% من الناتج المحلي الاجمالي، كما توزعت هذه المشتريات بما نسبته 47% لشراء اللوازم، و45% لشراء الأشغال، و8% لشراء الخدمات. وتختلف هذه الأرقام والنسب سنويا وفقا للوضع المالي للحكومة وحجم المنح والمساعدات لكنها تبقى قريبة من هذه الارقام”.
ويضيف: “يمثل قطاع الشراء العام نسبة لا يمكن الاستهانة بها من إجمالي الإنفاق الحكومي الموجهة للأغراض التنموية وتلبية احتياجات المواطنين في الصحة والتعليم والإسكان والمواصلات وغيرها، وتعتبر إدارة المشتريات العامة أداة من الأدوات المالية التي تستخدمها الحكومات لتحفيز الاقتصاد والوصول الى تلبية احتياجاتها بأفضل التكاليف وهو ما اصطلح على تسميته في افضل الممارسات الدولية الوصول إلى افضل قيمة مقابل المال الذي يتم إنفاقه، لذلك لجأت الحكومات عبر التاريخ إلى وضع قوانين وانظمة وتعليمات لتنظيم عمليات الشراء العام لتحقيق أهداف رئيسية من أبرزها: شراء اللوازم والأشغال والخدمات بأفضل الاسعار بما يساهم في ترشيد النفقات مع الحفاظ على ضمان الجودة، الى جانب تشجيع الصناعات المحلية والتنمية الاقتصادية وبناء القدرات وتحقيق التنمية المستدامة”.
“كما يعمل المجلس على تعزيز مبدأ المنافسة العادلة وتشجيع المشاركة في إجراءات الشراء العام من جانب الموردين والمقاولين والمستشارين المؤهلين وإتاحة فرص متكافئة دون تمييز وتوفير معاملة عادلة ومتساوية لجميع المناقصين، ويعتبر ضمان تحقيق الشفافية والنزاهة في إجراءات وسير عمليات الشراء العام من أبرز الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها”، يؤكد عودة.
تقييم للبنك الدولي يظهر قصورا في بيئة المشتريات العامة في فلسطين
إذا ما تحدثنا عن القوانين، وعن إصلاح منظومة الشراء العام، نريد أن نعرف كيف كانت منظومة الشراء العام قبل القانون الجديد، وكيف أصبحت اليوم؟ يقول رئيس المجلس: “في عام 2004، أجرى البنك الدولي تقييمًا لبيئة المشتريات العامة في فلسطين، وبناء على نتائج التقييم، تم تسليط الضوء على أوجه القصور الرئيسية وكان في مقدمتها قانون ولوائح المشتريات الحالية، حيث كانت مجزأة وغير مكتملة وتنفيذها من قبل مختلف وحدات السلطة الفلسطينية غير متسق، كما تبين وجود نقص عام في المبادئ التوجيهية والإجراءات والمعايير الفنية المشتركة، كما لا توجد وثائق عطاءات قياسية وطنية متاحة، ما أدى إلى مزيج من وثائق العطاءات القياسية المستندة إلى المانحين (SBDs) التي تستخدم بشكل شائع حتى كأساس للمشتريات الوطنية، هذا إلى جانب عدم وجود تقارير روتينية عن أنشطة المشتريات تقدم إلى السلطة المركزية، كما لا توجد هيئة مستقلة ذات مسؤولية محددة للتحقيق في الشكاوى المقدمة من المناقصين والمتعلقة بعمليات الشراء؛ وأخيرا قدرة موظفي الخدمة المدنية والعاملين في المشتريات العامة المحدودة والتي تحتاج إلى تعزيز كبير”.
ويؤكد عودة “أنه وادراكا الحكومات الفلسطينية المتعاقبة لأهمية إصلاح منظومة الشراء العام لدورها المهم والحاسم في التنمية المجتمعية، فقد قامت بإطلاق عملية اصلاح شاملة لهذه المنظومة بدعم من البنك الدولي آلت في نهايتها الى اصدار قانون رقم (8) لسنة 2014 بشأن الشراء العام، وقرار مجلس الوزراء رقم (5) لسنة 2014 بنظام الشراء العام، بحيث أسهمت عملية الاصلاح هذه في التغلب على بعض أوجه القصور الواردة سابقا، وساعدت في التخطيط للتغلب على اوجه القصور الأخرى”.
ويمكن القول إنه تم تتويج عملية الإصلاح بتطوير منظومة الشراء العام من حيث تطوير البنية القانونية من خلال إصدار قانون ونظام واحد موحد ملزم لجميع الجهات الحكومية والهيئات المحلية إلى جانب تطوير البنية السياساتية والمتمثلة في إعداد وثائق قياسية لجميع أساليب الشراء واعتماد نماذج موحدة لعقود الشراء المختلفة، كما كان من أبرز النتائج تعزيز الشفافية في الشراء العام من خلال انشاء البوابة الموحدة للشراء العام التي تعتبر نقطة التواصل بين الجهات المشترية والمناقصين والجمهور، وتخدم هذه البوابة في إعداد التقارير المرحلية والسنوية المتعلقة بالشراء العام، إضافة إلى تطوير البنية المؤسساتية التي تضمنت إنشاء مجلس سياساتي مختص بالشراء العام وهو المجلس الأعلى لسياسات الشراء العام. كما ترتب على هذا التقييم ضمان حق الشكوى والتظلم للمناقصين من خلال قوننة الشكوى وكذلك إنشاء وحدة مراجعة النزاعات المتعلقة بإجراءات الشراء العام، وأخيرا بناء القدرات من خلال مأسسة عمليات بناء القدرات لموظفي الشراء العام والقطاع الخاص”.
رسم وإعداد السياسات الوطنية الخاصة بالشراء العام من أبرز مهام المجلس
وطبقا للمنظومة الجديدة، فقد نص قانون الشراء العام رقم 8 لسنة 2014 على انشاء المجلس الاعلى لسياسات الشراء العام الذي انيطت به مهام رئيسية وفق نصوص قانون الشراء العام، وبناء عليه يقول عودة: إن من أبرز المهام التي يقوم بها المجلس “رسم وإعداد السياسات الوطنية الخاصة بالشراء العام ورفعها لمجلس الوزراء لغايات إقرارها، وبما يحقق عدة أهداف منها منح الافضلية للمنتج والمقاول والمستشار الفلسطيني المحلي، شريطة مراعاة متطلبات الجودة الفنية (مناقصات وطنية)، اعتماد نسبة أفضلية لأسعار المنتجين والمقاولين الفلسطينيين في المناقصات الدولية أثناء تقييم العطاءات، وأيضا اعتماد مبدأ الأولوية لاستخدام العمالة الفلسطينية في مناقصات الأشغال لخلق فرص عمل إلى جانب إعداد الأنظمة اللازمة لتنفيذ هذا القانون بما فيها الأنظمة الخاصة بعمل المجلس ورفعها لمجلس الوزراء للمصادقة عليها وإصدارها، وتطوير الاجراءات التي تهدف إلى تحسين نظام الشراء العام بما فيها إقرار الاستخدام التدريجي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأيضا تقديم الرأي والمشورة للجهة المشترية وإعداد التقارير السنوية المتعلقة بعمليات الشراء وتقييم فعالية سياسة الشراء العام ورفعها لمجلس الوزراء”.
“وتم تطبيق قانون الشراء العام الجديد منتصف عام 2016 وهو ما يعتبر نقطة تحول نحو نظام شراء كفوء شفاف وعادل يشكل أحد أدوات التنمية المستدامة في فلسطين”، يؤكد عودة .
إنشاء وتفعيل البوابة الإلكترونية الموحدة للشراء العام.. أبرز الإنجازات
ما هي أبرز إنجازات المجلس الأعلى لسياسات الشراء العام؟ وما الذي حققه حتى اليوم، يجيب عودة، قائلاً: “خلال فترة عمله القصيرة نسبيا فقد تمكن المجلس وبدعم من البنك الدولي، من إنجاز العديد من المهام الموكلة اليه منها على سبيل المثال لا الحصر إنشاء وتفعيل البوابة الإلكترونية الموحدة للشراء العام التي يمكن من خلالها دراسة المؤشرات وبالتالي المساعدة في اتخاذ القرارات وصناعة السياسات وعنوانها shiraa.gov.ps))، حيث يحتوي هذا الموقع الالكتروني على المنظومة القانونية للشراء العام من قانون ونظام ودليل اجراءات الشراء العام، خطط شراء الجهات المشترية، إعلانات عمليات الشراء، ودليل إجراءات وحدة مراجعة النزاعات وقرارات لجان مراجعة النزاعات وقائمة الشركات المحرومة من المشاركة في عمليات الشراء والوثائق القياسية الموحدة لعمليات الشراء، ونافذة لتسجيل المناقصين والمهتمين ونافذة لطلب التدريب ونافذة خاصة بالأسئلة المتكررة وإجابات عليها”.
وحدة مراجعة النزاعات.. تحقيق للعدالة والنزاهة والشفافية
تطبيقا لقرار بقانون رقم (8) لسنة 2014 بشأن الشراء العام، تم إنشاء وحدة مراجعة النزاعات في المجلس ليؤكد حق المناقصين في تقديم الشكاوى المتعلقة بالحياد عن العدالة والنزاهة في اتخاذ القرارات، فما المقصود بوحدة مراجعة النزاعات في المجلس وما هي أهميتها وإجراءاتها وكيف تعمل؟ يوضح عودة: “بهدف تعزيز أركان الشراء، من تكافؤ الفرص، والعدالة والمساءَلة، والشفافية والنزاهة، تم إطلاق عمل وحدة مراجعة منظومة النزاعات المتعلقة بإجراءات الشراء العام، بحيث يتاح للمناقصين الذين تضرروا أو يحتمل أن يتضرروا، نتيجة عدم وفاء الجهات المشترية بالتزاماتها في الأفعال والقرارات، وحالات الإهمال أثناء إجراءات عمليات الشراء أن يتقدّموا بتظلماتهم لدى هذه الوحدة. وتتشكل الوحدة من لجنتين لمراجعة النزاعات، تتكوّن من 13 خبيرا من القطاعين العام والخاص في المجالات ذات العلاقة: لجنة مراجعة خاصة باللوازم والخدمات غير الاستشارية والخدمات الاستشارية غير الهندسية ولجنة مراجعة خاصة بالأشغال والخدمات الاستشارية الهندسية”.
“ويتم تقديم الشكوى ابتداء للجهة المشترية التي قامت بعملية الشراء وتقوم الجهة المشترية بدراسة الشكوى والرد عليها خلال فترة زمنية محددة، وفي حال عدم قناعة المشتكي بالرد أو لم يتم الرد عليه بإمكانه التوجه لوحدة مراجعة النزاعات للتظلم” يضيف عودة.
ويتابع “ما يميز عمل هذه الوحدة انها مستقلة عن عمل المجلس و محكومة بإجراءات واطر زمنية محددة لتقديم الشكوى والردود عليها وتقديم التظلم واتخاذ القرارات بشأنها وهي مفصلة بدليل اجراءات وحدة مراجعة النزاعات ومنشورة على البوابة الموحدة للشراء وعنوانها shiraa.gov.ps ولا بد من الإشارة إلى أن قراراتها ملزمة ما لم ينقض من محكمة مختصة”.
“ويعتبر إنشاء وتفعيل وحدة مراجعة النزاعات ومباشرتها لعملها من أبرز إنجازات المجلس، حيث تلقت الوحدة العديد من التظلمات التي تم اصدار قرارات بخصوصها، إلى جانب إصدار (13) وثيقة شراء قياسية لشراء اللوازم والاشغال والخدمات الاستشارية لاستخدامها من قبل الجهات المشترية وقد تم تطبيقها اعتماد استراتيجية الشراء الإلكتروني الأمر الذي يمهد للانتقال إلى الشراء الإلكتروني تدريجيا. إضافة إلى اعتماد الاستراتيجية الوطنية لبناء القدرات ومهننة الشراء العام.
68% من الشركات الصغيرة والمتوسطة قادرة على التنافس على عمليات الشراء العام
وحول إمكانية دخول الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنافسة في الشراء العام، يقول عودة “الشركات الصغيرة والمتوسطة لديها فرصة كبيرة للتنافس على عمليات الشراء العام لأكثر من 500 جهة مشترية وفي دراسة للمجلس بالتعاون مع البنك الدولي وجد ان مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الشراء العام حوالي 68 % كعدد مشاركات، أما من ناحية القيمة فوجد ان 35% من العقود محالة على شركات صغيرة ومتوسطة وهذه نسبة كبيرة وجيدة كون اقتصادنا صغيرًا ومعظم الشركات في فلسطين شركات صغيرة ومتوسطة ولا يوجد مواد في القانون تحد من مشاركتها بل العكس يوجد مواد تشجع على المنافسة ودخول هذه الشركات مثل امكانية الاحالة على البنود او الرزم”.
استراتيجية شاملة لبناء القدرات والكفاءات البشرية
وحول استراتيجية بناء القدرات ومهننة الشراء العام، يوضح عودة “تنفيذا لمهمة المجلس في تنمية الموارد البشرية العاملة في مجال الشراء العام، ونظرا للحاجة الملحة الى بناء الكوادر في مختلف الجوانب المتعلقة بالشراء ولمعالجة مواطن الضعف في الوضع الراهن، فقد عمل المجلس على تطوير استراتيجية شاملة لبناء القدرات، هذه الاستراتيجية ستركز على رفع الكفاءة في تطبيق القانون والنظام، وايضا ستشمل النطاق الكامل للكفاءات المهنية المطلوبة للتنفيذ الكامل لعمليات الشراء العام بدءا من التخطيط الصحيح لهذه العمليات وتنفيذ اجراءاتها وانتهاء بإدارة عقودها، وصولا الى الاحتراف الذي يعني الانتقال من الواقع الحالي للشراء العام كوظيفة ادارية بيروقراطية تعتمد فقط على الالتزام بالإجراءات الى واقع جديد كمهنة متعددة المستويات معترف بها رسميًا”.
ويضيف: “وتسعى الاستراتيجية ومن خلال البناء على الجهود السابقة التي بذلت في هذا المجال إلى مأسسة الاستثمار في تنمية الموارد البشرية في مجال الشراء العام، وأن تنمية هذه الموارد تقع في قلب عملية اصلاح منظومة الشراء، لان قدرات هذه الموارد تشكل ركيزة ومتطلبا أساسيا للأداء الجيد لكل مكونات منظومة مشتريات ذات كفاءة وفاعلية وقادرة على أداء دورها في التنمية الشاملة والحوكمة الرشيدة، كما تهدف الاستراتيجية على المدى القريب الى تنمية قدرات العاملين في مهام الشراء العام في فلسطين من خلال، وضع اطار عام او مصفوفة تحدد الكفايات القانونية والإجرائية والسلوكية المطلوبة لتنفيذ مهام الشراء العام، إلى جانب تطوير “منظومة تدريب” متكاملة ترتكز الى المصفوفة وتشمل تطوير برامج التدريب القائمة على الكفاءة، والتي تستهدف المستويات المهنية الاربعة (موظف مشتريات، موظف مشتريات اول، مختص مشتريات، خبير مشتريات) ، من خلال مؤسسات تدريب ومدربين وطنيين معتمدين، كما تهدف الاستراتيجية إلى رفع قدرات المناقصين والمستشارين من القطاع الخاص الذين يشاركون في التنافس على عمليات الشراء العام، وتعزيز قدرات ممثلي المجتمع المدني في متابعة أداء منظومة الشراء والتنبيه لمواطن الضعف والخلل فيه، وأخيرا التأسيس للاحتراف في مجال الشراء العام”.