أظهرت الأحداث التي شهدها العالم العربي، ولا يزال منذ كانون الأول 2010 ان الشعوب العربية لم تعد تخاف قادتها وزعماءها، ولم تعد تحترمهم ولا سيما بعدما بدأت تطالب علانية وبالتظاهرات الحاشدة بالحرية والعدالة والحكومة الشريفة والنزيهة. واذا لم تتابع هذه الشعوب حملتها ضد الظلم والطغيان، واذا لم تتفق على مبادئ عامة مشتركة لإنجاز التغيير المطلوب وعلى القيم والمعايير، فإن المجتمع العادل والقانوني لن يقوم ومعه الدولة.
ما هي المعايير والقيم المشار اليها؟
هي كثيرة. منها ضمان حرية التفكير والكلام وحرية الشعوب في التعبير عن افكارها وآرائها ومعتقداتها. ومنها ايضاً حرية الفنانين في ابتداع اي شيء ومن هؤلاء الرسامون والمصورون وغيرهم. ومنها ثالثاً، حرية العلماء في كل الحقول ومنها الهندسة في البحث والاختراع. ومنها رابعاً، حرية العبادة التي من شأنها الاعتراف بتعدّد العقائد الدينية والأديان والمذاهب. ومنها خامساً، حرية رفض القمع والعمل لمنع التعرض له بكل الوسائل الممكنة. ومنها سادساً، حرية رفض التوقيف (السجن) الكيفي والاعتباطي والحؤول دون حصوله. ومنها سابعاً، حرية رفض البوليس السري ووحشيته. ومنها ثامناً، حرية التعبير عن الآراء والانتقادات الموجهة الى الحكومات. ومنها اخيراً وليس آخراً حرية تكافؤ الفرص في كل المجالات بين كل المواطنين ولا سيما النساء منهم.
وما لم يتأسس النظام العربي الجديد على المبادئ والمعايير المذكورة اعلاه فان العالم العربي سيبقى فاقداً السلام والاستقرار والازدهار والتقدم، “اذ من دون حرية العقل والفكر والتسامح والحب لا يستطيع اي مجتمع بشري ان يتقدم”، على ما قال مؤرخ بريطاني بارز للقرن العشرين. لذلك فان واجب الكتّاب العرب والمفكّرين التبشير بالتسامح وعدم تعليم الحقد والكراهية. ومع الأسف فان في العالم العربي لا يظهر ذلك في وسائل الاعلام العربية. اذ في الوقت الذي يكتب فيه الصحافيون والمعلمون والمسؤولون الحكوميون ورجال المال والأعمال، نجد ان هذا العالم يحتاج الى وسائل اعلام مقروءة ومسموعة ومُشاهَدة تعتبر الحقيقة القيمة الأعلى عندها والمعرفة مسؤوليتها الأولى.
ويعني ذلك في صورة أوضح ان على النظام العربي الجديد الذي يصرخ أنصاره مطالبين بحكومات شعبية وبحريات أن يدرك أن الحكومة الشعبية ليست هي التي تنفذ كل ما تريد او ما تطلبه من الآخرين. بل هي التي تقوم على المبدأ الآتي: لا تطلب من الآخرين ما لا تريد ان يعملوه لك. ويعني ايضاً أن الديموقراطية الحقيقية هي التي “تمتشق السيف” ضد اي فريق أو مجموعة تريد استغلال الآخرين ومن دون وازع او رادع. فالديموقراطية هي حكم القانون وليس هناك احد ابداً فوقه. وحكم القانون يعني أن الشعوب تحكمها قوانين شرّعها ممثلوها في المجالس النيابية. ويعني ايضاً ان تجاوز هؤلاء الممثلين سلطاتهم وصلاحياتهم المحددة في الدساتير يدفع تلقائياً القضاء القوي والمستقل الى منع انتهاك الأحكام الدستورية. في النهاية تتطلب الديموقراطية رأسمالية شفافة، والرأسمالية في العالم العربي انتجت جشعاً نهبوياً (اي نهب) وامراء فساد. وقد أفادت القلة التي لها علاقات “مميزة” مع الرجالات التي تحتكر السلطتين السياسية والاقتصادية. فالديموقراطية تعني تنافساً سياسياً واقتصادياً قائماً على العدل والعدالة، ولا تعني فقط انتخابات حرة. بل تعني معاملة كل المجموعات في المجتمع بعدل ومساواة بغض النظر عن خلفياتهم او اصولهم الدينية والاتنية. اخيراً الديموقراطية هي نظام يسمح لكل مواطن بالشعور أنه جزء اساسي منه، وان يحظى بمساواة تامة مع الآخرين. وهذا هو جوهر الدولة الديموقراطية والعادلة والمنصفة أو روحها.
هذه “المحاضرة” في الديموقراطية من هو صاحبها؟ وما هو مصدر قيمتها في ظل معرفة كل الناس، وخصوصاً المثقفين منهم، بعناصرها؟
الجواب عن السؤالين واحد وهو الآتي: مصدر قيمتها هو صاحبها الأميركي العربي الأصل (فلسطيني) أودي ابو ردين (عودة ابو ردينة). فهو عربي عرف حسنات عالمه وسيئاته. وفي هجرته الأميركية عرف حسنات اميركا وسيئاتها. وحاول في مقالة صغيرة (نُشرت في الانكليزية والعربية) إفادة مجتمعه العربي الاصلي، وخصوصاً بعدما بدأت شعوبه تتحرك مطالبة بحقوق صادرها ومنذ عقود الحكام – الآلهة، ولا يزال كثيرون منهم في السلطة الى اليوم.
النهار الكويتية