صحيح أنه كان من المقرر أن تُعلن التهدئة أمس الأول، إلا أن أسباباً سياسية إسرائيلية ودولية أجلتها يوماً واحداً فقط. وقد أعلن مساء الأمس أن الولايات المتحدة أعطت الانطباع بأنها تريد أن تكون «مايسترو» العملية، وأنها تمسك بزمام اللعبة السياسية الإقليمية. وبالرغم من ذلك، أشارت صحف إسرائيلية إلى أن خلاف اللحظة الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل هو ما منع فرض التهدئة، وقال التلفزيون الإسرائيلي إن خلافات داخلية إسرائيلية هي التي منعت التهدئة. ولكن سرعان ما تبين أن ما منع التهدئة كان الرغبة الإسرائيلية والأميركية في إظهار أن واشنطن لا تزال قائد أوركسترا العمل السياسي في المنطقة.
وفي كل حال، أشار ناحوم بارنيع في «يديعوت» إلى أن «(وزيرة الخارجية الأمـــيركية) هيلاري كلينتون التي هبطت هنا أمس سعيدة للتبشــير بنفســــها بنهاية القتال، واكتفت بإبداء الأســف على الضحايا المدنــيين من الطرفــين. وهي ستحاول جعل الجولة الإسرائيــلية الحماســية انتصاراً سياســياً أميركياً».
وأشار بارنيع إلى أن تأجيل وقف النار تمّ – وفق القيادة الإسرائيلية – بسبب حماس التي شددت على أن ممثليها يُصرون على ورقة تفصل الانجازات التي سيحصلون عليها مقابل وقف إطلاق النار. ويفترض أن تقدم الحكومة المصرية تلك الورقة، التي ستكون، كما يسوقها الإسرائيليون، «السلم الذي يُمكّن قيادة حماس من النزول عن الشجرة العالية التي تسلقتها، ولتسويغ القتل والمعاناة التي جلبتها على جمهورها، من وجهة نظره».
وبحسب بارنيع، فإن المستوى السياسي في إسرائيل لا يريد ورقة، للسبب ذاته الذي يجعل حماس تريد ورقة. الإسرائيليون يفضلون الاكتفاء بتفاهــمات شفهية، فكتابة الشروط تقيد حرية العمل العــسكري لإسرائيل في المستقبل بإزاء الأميركــيين والمصــريين. والوثيقة المكتوبة تُعــرض رئيس الحكومــة ووزراءه لانتقاد عام.
ولكن لا يؤمن أحد على المستوى السياسي في إسرائيل بأن الشروط سواء كانت مكتوبة أم لا ستصمد زمناً طويلاً، لأن واحدة من المنظمات ستطلق في وقت ما قذيفة صاروخية على جنوبي الأراضي المحتلة. وقد تضبط إسرائيل نفسها في الرشقة الأولى لكن بعد الرشقة الثانية سترد بقصف أهداف، وستوجد شحنة ناسفة في وقت ما عند الجدار، ويضطر الجيش الإسرائيلي إلى أن يعود ويعمل خلف الجدار لإبطال شحنات ناسفة أخرى. فإن طول عمر الهدنة ستحدده العوامل القسرية ومصالح الطرفين في المستقبل لا جملة شروط مكتوبة في مكان ما.
وكانت «معاريف» قد نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن حماس وافقت على البنود التي تكفّ بموجبها هي وإسرائيل عن إطلاق النار. وبحسب التفاهم، توقف حماس نار الصواريخ نحو إسرائيل، وتوقف الهجمات على السياج، فضلاً عن محاولات العمليات من جهة سيناء، كما تفرض إمرتها على الفصائل الأخرى في حال محاولتهم خرق وقف النار. أما إسرائيل، بحسب ذاك الإجمال، فتوقف ليس فقط الحملة الجوية ضد غزة بل أيضاً كل الهجمات. وتدرس إسرائيل وقف النار من جانب حماس على مدى الزمن كي ترى إذا كان الهدوء يُحترم.
وفقط بعدما يثبــت أن حماس استوفت بنود وقف النار، تُبحث شروط مختلفة من حماس على إسرائيل وبالعكس. وهكذا مثلا تُبحث مسألة التسهيلات في المعابر ومسألة التصفــيات. فإسرائيل، على سبيل المثال، تطــالب باستمرار وجــود «الحزام الأمني» في الجانب الغــزي من الجــدار، وهــو ما تعارضه حماس.
عموماً أشارت الأنباء الإسرائيلية إلى تظاهرات صغيرة في عدد من المدن التي تعرّضت للصواريخ الفلسطينية ضد وقف إطلاق النار. ويطالب هؤلاء الجيش الإسرائيلي بعدم الكف عن إطلاق النار قبل «إتمام المهمة»، وهي «تحقيق النصر» التام على حماس. وبحسب الصحف، رفع المتظاهرون يافطات تقول «لا للإرهاب» و«نحن مستعدون للبقاء أكثر في الملاجئ كي يصفّي الجيش الظاهرة مرة واحدة والى الأبد».
وعمدت «يديعوت» إلى تعداد إنجازات إسرائيل في هذه الحرب، فأشارت إلى نجاحات القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ الفلسطينية. وشملت الإنجازات النجاح في اغتيال نائب القائد العام لـ«كتائب عز الدين القسام» الشهيد أحمد الجعبري، وادعاء ضرب معظم منظومة صواريخ «فجر»، ولاحقاً ضرب منظومة الصواريخ للمدى المتوسط. والمفيد أنه خلافاً لإدعاء تدمير 80 في المئة من صواريخ المقاومة البعيدة المدى، لفتت «يديعوت» إلى أن إسرائيل دمّرت 30 في المئة من ترسانة الصواريخ في القطاع، واعتبرت ذلك إنجازاً استراتيجياً مثيراً للانطباع.
وضمن الإنجــازات أيضاً ضرب إسرائيل أكثر من 1400 هدف، وتدمــير مــباني الحكم في غزة، من محطات شرطة، وبنى تحتية، ومخازن، ووسـائل قتالية.
وقفزت «يديعوت» عن أعداد الضحايا المدنيين الفلسطينيين المتصاعد، وأشارت إلى النشاطات «الجراحية» لسلاح الجو، والتي نجحــت في منع الانتقاد الدولي. في هذه النشاطات أثبت الجيش الإسرائيلي تفوقاً استخبارياً، واستراتيجــياً كبيراً، ونجح في أن يحقق الزمن والشرعية الدولية لمواصلة الحملة.
ومن المثير للاهتمام أن «يديعوت» اعتبرت أن التعهد المصري بمكافحة تهريب السلاح، وضمان الاتفاق يدخل في إطار الإنجازات. وأضافت إن «إسرائيل نجحت في جذب نظام الإخوان المسلمين للتوسّط بينها وبين حماس؛ وبالتالي إذا خرقت التفاهمات فستخاطر بنزاع مع سيدها، أي الإخوان المسلمين. تحوّل مصر إلى وسيط يساهم أيضاً في الحفاظ على اتفاق السلام بينها وبين إسرائيل».
وأدرجت «يديعوت» ضمن الإنجازات ما ادعته عن موافقة حماس على تثبيت حزام أمني قريب من الجدار بين الضفة وإسرائيل، وتعهّدها منع دخول مواطنين وسيارات إلى هذا القاطع. هذه المنطقة الفاصلة ستضمن لإسرائيل ألا تنفذ عمليات اختطاف وعمليات نار قريبة من الجدار. وتعهّد حماس بمنع عمليات الإرهاب ضد إسرائيل. حماس تأخذ على عاتقها قيوداً ملزمة الالتزام بها وفرضها على المنظمات والفصائل في القطاع.
ولكن كان للفلسطينيين في نظر «يديعوت» إنجازات بينها نجاحهم في إطلاق صواريخ نحو تل أبيــب والقدس. فتهديد حماس لتل أبيب وملايــين الإسرائــيليين الذين ركضوا على مدى أسبوع إلى الملاجــئ وضع حماس على مستوى واحد مع العراق في حرب الخلــيج الأولى. وضمن الإنجازات أشارت إلى قدرات الحــركة بعد اغتيال الجعبري على تأدية دورها حتى اليــوم القتالي الأخير، فتوزع الأوامر وتطلق النار بشــكل مركّز على أهداف اختارتها مسبقاً وذلك برغم الضغط الذي مارسه سلاح الجو. وهي بالتأكيد لم تصل إلى المفاوضات «جاثية». ويمكن لحماس أن تدّعي أن امتناع إسرائيل عن العملية البرية يعود إلى خوفها وأن تجنيد القوات الاحتياطية كان استعراض عضلات لا أكثر.
واعتبرت «يديعوت» أنه في خانة إنجازات الفلسطينيين في الاتفاق وقف الاغتيالات وحصولهم على تسهيلات في الإغلاق على القطاع، فمن ناحية إسرائيل هذه مخاطرة محسوبة لا تضر بالضرورة بأمنها وتوفر لها ربحاً في الأسرة الدولية.
عموماً، أوضحت سيما كدمون في «يديعوت» أنه مع «انهيار البرج السكني في ريشون لتسيون أمس (الأول) انهارت أيضاً عدد من الأبراج التي نشأت هنا في السنوات الأخيرة، حيث إنه لا يمكن أن تصبح مدينة في مركز البلاد قرب تل أبيب حقاً في مدى صواريخ من قطاع غزة، كما أنه لا يمكن لحكومة برئاســة بنيامــين نتنياهو و(وزير الخارجية أفيغــدور) ليبرمان اللذين أُدخل في اتفاق التحالف بينهـــما الالتزام بإسقاط سلطة حماس، أن تستوعب حدود القــوة، وأن تبحث عن سبيل لوقف إطلاق النار من غير أن تستنفد وعدها الانتخابي»، مضيفة «لا يمكن أن يُظهر الرجل الأكثر إيماناً بالقوة العسكرية في هذه الحكومــة اليمينية وهو أفيغدور ليبرمان، اعتــدالاً مثل زهــافا غلئون (من حزب ميرتس) تقريباً كما تُبين مقابلة صحافية أجراها أمس، كما أن توجــد في الأســاس دولة إسرائيل التي لا تعترف بحماس ولا تفاوضــها قريبة من اتفاق معها».
وأشارت كدمون إلى أن «إسرائيل سبق وأجرت في الماضي تفاوضاً مع حماس وهي تجري معها الآن تفاوضاً. قد لا يكون مباشراً وقد يكون في غرف مستقلة وربما يكون عن طريق وسطاء لكن لا سبل أخرى لتسمية ما يحدث في اليوم الأخير بيننا وبين حماس»، مضيفة «وليست هذه هي النهاية لأننا سنُحادث حماس في المستقبل أيضاً. سيكون ذلك بطريقتنا الصبيانية الفظة وبعدما نُجر إلى هناك مثل الخِرق، لكن ذلك سيحدث، لأنه لا يوجد مناص آخر. لأنه إذا لا يمكن إسقاط حماس ولا يمكن احتلال غزة مرة أخرى، ولا يمكن العيش مع جولات عنف كهذه فلا مفرّ سوى التحادث، ولا يوجد في غزة جهة أخرى نُحادثها».