لندن / نشرت صحيفة “ذي اندبندنت” البريطانية مقالا رئيسيا لمحررها أدريان هاملتون، تناول فيه تطورات احداث ما يعرف بـ “الربيع العربي”، وقال ان من الصعب ان نتوقع ظهور سياسات واضحة المعالم لممارستها في دول الانتفاضة العربية، ومنها مصر على سبيل المثال حيث حُظر على الاحزاب ان تمارس نشاطها السياسي لخمسين عاما. وفيما يلي ما جاء في هذا المقال:
في الذكرى الثانية للانتفاضة العربية يوم الاثنين الفائت، قامت جماهير تونسية برمي الحجارة على الرئيس التونسي وتصيح “الشعب يريد تغيير النظام”. انه الشعار ذاته الذي ادى الى سقوط حكم الرئيس بن علي قبل عامين بعد ان اشعل بائع متجول شاب يدعى محمد البوعزيزي النار في نفسه بمدينة سيدي بوزيد بعد ان يأس من معاملة المسؤولين له.
لم تكن رحلة الربيع العربي طوال هذين العامين فوق مياه هادئة، بل ان هناك العديد ممن قد يجول في خاطرهم ان يمحوا من الذاكرة تلك الحركة بعد ان ظهرت بوادر ضياع سلطة الحكومة ما لم تكن تحت امرة دكتاتور.
وهناك اسباب كثيرة اذا كان اليأس يعم عدم امكان الشرق الاوسط من تحقيق الاصلاح السلمي. فالحرب الاهلية في سوريا، والدولة الممزقة في ليبيا، ومصر التي خطط رئيسها المنتخب لامساك مزيد من السلطة اكثر مما كان بايدي سابقه، ليست الا دواع واضحة لا تفتح المجال امام اي تفاؤل.
غير ان مراجعة ما يجري في اطار الدعوة الى الديمقراطية، والفشل في السير في هذا الطريق، يدعو الى سوء فهم طبيعة الاحداث وحركتها. فمحمد البوعزيزي لم يقتل نفسه لانه كان يريد التصويت. وانما اشعل النار في نفسه لانه، وقد حاول ان يحظى بمعيشة متواضعة ببيع المنتجات، وجد نفسه امام جدار حاجز وتحقير على ايدي نظام لا يهمه الا اثراء ذاته.
وقد اثار انتحاره اساسا للغضب لان احباطاته ترددت لدى معظم المواطنين. اذ انه منذ 60 عاما والشرق الاوسط تحكمه انظمة استبدادية، معظمها بدعم من الغرب، وقد اطبقت على ابناء شعبها واستغلت الثروة لتوزيعها على افراد عائلاتها واصدقائها.
ان الاطاحة بها لم يكن قط سهلا وكان من الخطل على العالم الخارجي ان يظن انه كذلك. وما نتحدث عنه هنا هو بكل بساطة ليس تغيير الحكومة وانما تغيير شامل للكيفية التي تسير فيها شؤون المجتمع والاقتصاد.
اذ لا يمكن ان يتوقع المرء ان تبدأ على الفور مماسة السياسات الواعية في دول مثل مصر حيث حُظر على الاحزاب السياسية ان تمارس نشاطها لنصف قرن. ولا يمكن ان يتوقع المرء ان يؤدي تغيير النظام، مثلما حدث في تونس، لتوفير منافع فورية في وقت تزداد فيه البطالة وترتفع الاسعار.
فالربيع العربي لم يتطور حسب ما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وان كان يصعب القول ان طريق اوكرانيا ودول اسيا الوسطى كان ممهدا نحو الديمقراطية. وكل ما عليك هو ان تلقي نظرة على التاريخ الحديث في يوغوسلافيا ودول البلقان لترى ان انهيار السلطة المركزية، اطلق سراح مختلف انواع العنف الطائفي والتوتر العرقي التي بقيت نائمة تحت السطح.
والربيع العربي لا يختلف عن ذلك. وسيكون من الامور التي لا يقرها التاريخ الاعتقاد ان نهاية الانظمة الاستبدادية في سوريا او الشمال الافريقي لن يؤدي الى حرب اهلية او يتسبب في عدم الاستقرار بين الدول المجاورة، حتى وان غضضنا النظر عن الانقسام السني الشيعي الذي يسيطر على تفكير المعلقين الغربيين.
والنقطة المركزية هي انه مثلما حدث في العام 1989 فاننا نشاهد الان نهاية فترة زمنية. ولا مجال للشك في ذلك. فالدعوة للتغيير وانهاء الفساد وممارسة المواطنين العاديين لنسبة اكبر من الحرية هي التي تسمعها في كل دول الشرق الادنى وما بعد حدودها.
حتى في دول الخليج حيث ساد اعتقاد لفترة طويلة ان الثراء النفطي سيمكن الشيوخ من السيطرة على اي مشاكل بين سكانها القليلين، فان شوارعها لم تخل من الاحتجاجات.
ولا يمكن للنظم العتيقة ان تستسلم بسهولة. فالكويت انضمت الى البحرين في التلاعب بالانتخابات وكتم انفاس المعارضة. والامارات العربية المتحدة بدأت مراقبة الانترنيت. وعمان وضعت نشطاء بارزين في السجن، بل ان قطر التي يقال انها ليبرالية اودعت شاعرا السجن لانه انتقد الامير، كما لو ان حجب الرسائل وسجن المعارضين يكفي لانهاء الاعتراض.
وبالمقابل فان العاهل المغربي في وقت سابق واجه الاحتجاجات بتغيير واسع في الدستور بحيث سمح بانتخاب اسلامي لرئاسة الحكومة.
ومن الخطل الاعتقاد ان كل هذا سينتهي بالضرورة بتغيير النظام. كما انه سيكون من السذاجة بالقدر ذاته الاعتقاد ان الشرق الاوسط لن يكون غدا مختلفا تماما عما هو عليه اليوم.
ومن اجل مصلحة الغرب فان الامر لا يتطلب محاولة تبديل مسار التغيير وتقرير هذا المسار، رغم ما تحمله التطورات من عواقب سيئة، وانما بدعم ذلك المسار. وبدلا من القلق بشأن السياسات، علينا ان نهتم بالاقتصاد. لقد رحب الاتحاد الاوروبي بسقوط الجدار بجهد كبير للمساعدة على اعادة الاعمار وتمكين الدول التي استقلت حديثا من الدخول الى معترك الحياة. وعلينا ان نفكر بذلك الشيء نفسه بالنسبة للشرق الاوسط. فمستقبله مهم حقا لنا جميعا.