لا أضرار في المخيمات الفلسطينية في بيروت جرّاء العاصفة»، هذا ما أكدّه مدير منطقة لبنان الوسطى في وكالة «الأونروا» محمد خالد، ومسؤول اللجان الشعبية الفلسطينية في مخيم برج البراجنة حسني أبو طاقة. إلا ان تقييم حال المخيمات بعد العواصف يخضع لمعايير تبدو نسبية.
فالمقصود هنا بـ«الأضرار» هو أنّ مخيمات بيروت لم تشهد في الأيام الأربعة الماضية أمراً «استثنائياً» عمّا كان يحصل في كلّ مرّة تهب عاصفة، أي «لم يجتحها طوفان الأنهر والسيول كما حصل في حي السلم والكرنتينا مثلاً»، وفق أبو طاقة. كذلك، صرّح مسؤول اللجان الشعبية الفلسطينية في مخيم شاتيلا زياد حمو أنّه «حصلت حالات تسرّب مياه داخل البيوت، لكنها لم تتطوّر الى إغراق منازل المخيم».
هذه التصاريح لا تعني أن شبكات الصرف الصحي لم تتعطّل، وأنّ المياه الآسنة لم تفض في مختلف أزقة المخيمات، فضلاً عن مئات المنازل غير الآمنة التي تغرق بالمياه، مع كل فصل شتاء.
سناء، إمرأة خمسينية تقطن في مخيم برج البراجنة، استيقظت منذ ثلاثة أيام على فرشة مبللة وأثاث منزلٍ عائم. «كل شتاء الأمر نفسه، مع سقوط الأمطار يفيض المنزل وتبدأ المعاناة». في هذا المخيم لا تختلف حال سكان الطوابق السفلى عن الطوابق العليا. في الطابق الثالث يقع منزل سناء الذي دخلته مياه الأمطار من السقف. فاجتاحت غرف البيت كلّها.
«ما الفرق بين منزلي وبين الشارع؟» تطرح سؤالها باستنكار. ثم تُشير بأصبعها الى سقف مفسّخ داكن اللون محمّلاً بالمياه وينتظر لحظة الانهيار. جدارٌ أشبه بالغيوم السوداء التي تنذر برعد مدوّ مقبل. «انا بالإســـم عندي سقف منزل»، تُعبّر. سناء تُضطـــر مع كل موسم شتاء إلى النزوح مع أولادها الخمسة إلى منزل ابنها وزوجته. وأكدّت أن ممثلين عن «الأونروا» زاروا منزلها العام الفائت وصنفوه ضمن المنازل الآيلة للسقوط، لكن شيئاً لم يتغيّر منذ ذلك الحين.
وفي جورة التراشحة، وهي «جورة» مشهورة في مخيم برج البراجنة نظراً لموقعها الجغرافي المنحدر حيث تتجمع مياه الأمطار، تحدثت مريم عن وضع منزلها إزاء العواصف الأخيرة. تحرك يديها بشكل دائري خاطف لوصف غزارة تدفق السيول من عتبة البيت منذ ثلاثة أيام. وقد لجأ زوج مريم إلى رفع مستوى العائق عند العتبة إلى نحو عشرين سنتيمتراً لحجب المياه، لكن دون جدوى. فاضطرّت، كالعادة، الى جرّ المياه باستخدام أدوات التنظيف البسيطة. تصفن في جدران المنزل، ثم تختم كلامها: «المصيبة الحقيقية تحصل حين تطفو مصفاة الصرف الصحي في الحمام إلى بــاقي غرف المـــنزل»، فتــتدفق الميــاه من خارج وداخل المنزل في الوقت عينه.
يُذكر أنّه بعد مناشدات أهالي مخيم برج البراجنة على مدى سنوات، نفذّت «الأونروا» مشروعاً لإعادة تأهيل البُنى التحتية في مخيمات بيروت منذ نحو سنتين، بالتعاون مع اللجان الشعبية في المخيم بهدف وضع حدٍّ لحالة الفيضان السنوي. وأشاد أبو طاقة بالمشروع الذي كلّف نحو أربعة ملايين دولار، مؤكداً انه «أعطى نتائج إيجابية مقارنةً بالسنوات الماضية». كذلك اعتبر خالد أنّه «لولا تنفيذ هذا المشروع لكانت جورة التراشحة اليوم عائمة كلياً». لكنه اعترف بوجود ثغر وأخطاء حصلت في مراحل التخطيط والتنفيذ لهذا المشروع.
إلا أنّ الإشكالية الحقيقية تكمن في وجود مئات من المنازل غير الآمنة. وقد صنّفت «الأونروا» 800 منزل في مخيم برج البراجنة بحاجة إلى ترميم، بينها مئة وخمسون في حال خطرة. أما في مخيم شاتيلا، فهناك مئتا منزل بحاجة إلى ترميم بينها ثمانون في حال خطرة. وقد اعتمدت «الأونروا» مشروع ترميم المنازل بالتعاون مع جهات مانحة، إلا أنّ المشروع تم تجميده «مؤقتاً» بسبب الحظر الذي تفرضه الدولة اللبنانية على دخول مواد البناء إلى المخيمات.
وقد طالب أبو طاقة السلطات اللبنانية بإزالة عوائق تنفيذ مشروع ترميم المنازل الآيلة إلى السقوط في المخيمات الفلسطينية، والكفّ عن التعامل مع المخيمات الفلسطينية بمنطق أمني بحت.
وبين السلطات اللبنانية و«الأونروا» واللجان الشعبية، يبقى اللاجئون الفلسطينيون عاجزين في بيوت لم تعدّ تلبي وظائف المأوى. يصبرون قليلاً. يبتكرون أنصاف حلول لاستمرار العيش، علّه يأتي يوم ينعمون فيه بالحدّ الأدنى. لكنهم يدركون أنّ مشكلة البنى التحتية في المخيمات لم تبدأ مع العاصفة ولن تنتهي بعدها.
كارول كرباج- السفير اللبنانية.