الناصرة / رأت دراسة جديدة لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب، أنه ليس من قبيل الصدفة أن يُبارك قائد هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال، الجنرال بيني غانتس، على المصالحة مع تركيا، بعد الاعتذار الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لنظيره التركي، رجب طيب أردوغان، مشيرة إلى أن الجنرال غانتس على علم وعلى دراية بأهمية العلاقات الأمنية الإستراتيجية بين أنقرة وتل أبيب، وتحمل في طياتها الكثير من الإيجابيات للأمن القومي الإسرائيلي في ظل زيادة التهديدات وارتفاع التحديات التي تُواجهها تل أبيب في الآونة الأخيرة، على حد قول معدة الدراسة، غاليا ليندنشتراوس.
ولفتت الباحثة إلى أن العلاقات الثنائية بين الجيشين التركي والإسرائيلي لن تُرمم بسرعة، وأن العلاقات سيتبقى على نار هادئة وبعيدة عن الأضواء وخلف الكواليس، ولكن بالمقابل فإن باب تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدولتين سيكون مفتوحا على مصراعيه، بسبب التهديدات المشتركة التي تتعرض لهما تركيا وإسرائيل، كما لفتت إلى أن ترميم العلاقات بين الدولتين سيُساهم إلى حد كبير في التعاون بينهما مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو الأمر الذي استفادت منه الدولتين كثيرًا قبل تردي العلاقات بينهما.
يُشار في هذا السياق إلى أن موقع صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’ على الإنترنت (YNET) كشف النقاب عن أن المحادثة الهاتفية التي تضمنت اعتذار نتنياهو لتركيا كانت تتويجًا لجملة تطورات على مستوى تطور علاقة الدولتين، في مقدمتها اجتماع رئيس الموساد الإسرائيلي، تامير باردو، ورئيس جهاز الاستخبارت التركي في القاهرة خلال الحرب الأخيرة على غزة واتفاقهما على استئناف التعاون الأمني، ثم الحديث عن أنبوب غاز مشترك جرى بعدها السماح لمساعدات تركية بالوصول إلى غزة.
ولفت الموقع إلى أن ان الاختراق الذي حققه أوباما في الموضوع التركي، جاء للتعويض عن الفشل في الموضوع الفلسطيني، مشيرًُاً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت منذ بداية الربيع العربي، أن يتوحد حليفاها الرئيسيان في المنطقة التي تمر بتغيرات عاصفة، وأضاف الموقع نقلاً عن مسؤول إسرائيلي وُصف بأنه رفيع المستوى قوله إن الدولة العبرية لم تلزم نفسها بإنهاء حصار قطاع غزة في إطار المصالحة مع تركيا وقد تزيد من تضييق الخناق على القطاع إذا كان الأمن مهددًا، على حد تعبيره.
ولفت المصدر إلى أنه في أثناء الخلاف الذي دام نحو ثلاثة أعوام بين البلدين الحليفين سابقًا أصر اردوغان مرارًا وتكرارًا على أن تنهي إسرائيل الحصار، ولكن من الناحية العملية، فإن اتفاق التقارب بين أنقرة وتل أبيب شدد على تخفيف إسرائيل القيود على الواردات المدنية لغزة خلال هذه الفترة وتعهدها بمواصلة العمل من أجل تحسين الوضع الإنساني الفلسطيني.
وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال في الاحتياط، يعقوف عميدرور إنه إذا كان هناك هدوء فإن عملية تحسين حياة سكان غزة ستستمر، وإذا كانت هناك نيران صواريخ ا فسيجري الإبطاء من هذه الخطوات وربما حتى إيقافها وإذا لزم الأمر عكسها
وتابع، لم نوافق على التعهد لتركيا بأنه تحت أي ظرف من الظروف سنستمر في نقل كل الأشياء إلى غزة وتحسين أوضاع سكان غزة إذا كان هناك إطلاق نار من هناك، كما لا نعتزم التخلي عن حقنا في الرد على ما يحدث في غزة بسبب الاتفاق مع الأتراك، كما لفت مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن المصالحة تحمل منافع للدولة العبرية مثل مساعدتها في التعامل مع أي امتداد للصراع في سورية، ومتابعة مصالح إقليمية أخرى بما في ذلك التعاون مع حلف شمال الأطلسي الذي سعت أنقرة عضو الحلف إلى إيقافه. علاوة على ذلك، نقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين، رفضا الكشف عن اسميهما، قولهما إنهما لا يعلمان بأي نية لمراجعة الحصار البحري الذي فرض خلال حرب غزة التي استمرت من نهاية كانون الأول (ديسمبر) عام 2008 وحتى منتصف كانون الثاني (يناير) عام 2009، والذي تقول إسرائيل إنه نبع من شحنات أسلحة ترسل إلى حكومة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة وفصائل أصغر، على حد تعبيرهما.
أما دراسة مركز أبحاث الأمن القومي فساقت قائلةً إن المصالحة التركية الإسرائيلية ستفتح الباب على مصراعيه لإعادة العلاقات التطبيعية بين الدولتين، وهو الأمر الذي انتظره الكثير في كلٍ من الدولة العبرية، وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، مشيرةً إلى أن الخطوة الإسرائيلية بالاعتذار كانت صائبة وفي مكانها لأنه غير ذلك لكانت العلاقات بين الدولتين ستبقى متردية جدا.
كما رأت الدراسة أنه في المنظور الإستراتيجي فإن تحليل الأسباب التي دفعت تل أبيب إلى الاعتذار مردها أعمال الاحتجاج التي تعم الوطن العربي، والتي أدت في المجمل العام إلى تقارب قوي في المصالح المشتركة بين الدولتين، ذلك أن كلاً من الدولة العبرية وتركيا تتحضران اليوم لتفكك سورية وانعكاس هذا الأمر الخطير على الأمن القومي للبلدين، وأضافت أن الأزمة السورية كانت المحفز الرئيسي للتقارب بين الدولتين.
وقالت الباحثة أيضًا إنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الاعتذار الإسرائيلي كان مهمًا، ولكن الأهم من ذلك أن الجانب التركي وافق عليه وتقبله، كما أنه لا يُمكن اختزال الدور الأمريكي، الذي دفعه الرئيس أوباما شخصيًا للتوصل إلى المصالحة بين الحليفتين الإستراتيجيتين.
كما لفتت الباحثة في سياق دراستها إلى أن التحديات أمام إعادة العلاقات إلى سابق عهدها كبيرة جدًا، ولكن زيارة أردوغان الشهر القادم إلى قطاع غزة، يجب أن تُقابل من الطرف الإسرائيلي بنوع من بوادر حسن النية تجاه الحصار المفروض على غزة، كما أن هناك خلافًا بين الدولتين حول الملف النووي الإيراني، ذلك أن تركيا تُعارض هجوم إسرائيلي منفرد لتدمير البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من أنها لا تُريد أن تتحول الجمهورية الإسلامية إلى دولة نووية.
ولكن بالمقابل فإن تركيا من أكثر الدول دعمًا لحل القضية الفلسطينية عن طريق تبني مبدأ دولتين لشعبين، بالإضافة إلى ذلك، قالت الدراسة، إن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين ستشهد تقاربا كبيرا جدا، ومن غير المستبعد البتة أنْ تُعاود إسرائيل تصدير الأسلحة وبيعها لتركيا، الأمر الذي سيدر أرباحًا كبيرة على خزينة الدولة العبرية.
القدس العربي