الناصرة : رأت دراسة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، المرتبط بدوائر صنّاع القرار في تل أبيب، أنّ هناك علاقة مباشرة بين التدّخل العسكريّ الفرنسيّ في مالي وبين العملية الإرهابيّة التي نفذّها تنظيم القاعدة في الجزائر، من قبل تنظيم يقوده أحد قادة القاعدة الذي كان يحارب في الثمانينيات من القرن الماضي في أفغانستان، مشيرةً إلى أنّه بعد مرور عشرة أشهر على سيطرة الإسلاميين المتشددين على شمال مالي وتطبيق الشريعة الإسلاميّة، قررت فرنسا التدّخل العسكريّ، بهدف مساعدة الجيش المحليّ لمنع تقدّم القوات الإسلاميّة إلى جنوب البلاد، في طريقهم إلى احتلال مدينة كونا ومن ثم احتلال العاصمة، باماكو. ولفتت الدراسة إلى أنّ العملية العسكريّة الفرنسيّة، التي حصلت على تأييد ضعيف في البداية من قبل دول الاتحاد الأوروبيّ، جاءت بهدف حث الجهات الإفريقيّة والغربيّة على التجند لدعم العملي العسكريّة بهدف منع التهديد المباشر على مصالحهم الاقتصاديّة والسياسيّة إنّ كانت الفرنسيّة أو لدولٍ أخرى، والتي باتت مهددة للغاية بسبب انتشار الجهاد العالميّ في غرب وشمال إفريقيا.
بالمقابل، قالت الدراسة الإسرائيليّة، إنّ العملية الفرنسيّة في مالي شكّلت محفزًا كبيرًا لفرع تنظيم القاعدة في الجزائر لشنّ الهجمة الإرهابيّة على حقل الغاز في أن أمانس، الواقع في جنوب الدولة. ولاحظ معّدو الدراسة أنّ خطة العمل التي انتهجها تنظيم القاعدة في الهجمة الأخيرة حملت تغييرات كبيرة في طريقة عملها المعروفة، والتي كانت تعتمد على عمليات الخطف والمطالبة بالحصول على مكافأة ماليّة لإطلاق سراح الرهائن، مشيرين إلى أنّ الهجوم الذي قام بتنفيذه أكثر من ثلاثين مسلحًا، مع كامل العتاد والقنابل، واحتجاز مئات الرهائن، هدف إلى تحقيق عدّة إنجازات أهّمها: تحدي الحكم المركزيّ في الجزائر، من خلال توجيه ضربة اقتصاديّة مؤلمة له، خصوصًا وأن الغاز يُدخل للخزينة أموالاً طائلةً، أمّا الهدف الثاني، هو وضع التحدّي العسكريّ أمام قوات الأمن الجزائريّة في مقاومة تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا، وبرأي الدراسة فإنّ الهدف الثالث هو محاولة لمنع الجزائر من تأييد العملية العسكريّة الفرنسيّة في مالي، أوْ انضمام قوات عسكريّة جزائريّة إلى العمليّة التي تهدف إلى القضاء على القوات الإسلاميّة التي تُحارب جيش مالي الضعيف، أمّا الهدف الرابع من العملية فكان، بحسب الدراسة الإسرائيليّة، هو المس وخطف الرهائن الأجانب لكي يكونوا بمثابة ورقة تفاوض، علاوة على تخويف الدول من المشاركة في العملية العسكريّة الفرنسيّة في مالي، ولكنّ الحكومة الجزائريّة التي تنتهج سياسة قاسية في كلّ ما يتعلّق بالتعامل مع الإرهابيين رفضت إطلاق سراح السجناء الذين طالب الخاطفون بإطلاق سراحهم من السجون، وبعد مرور أربعة أيام على بدء العملية أنهت القوات الأمنيّة الجزائريّة العملية التي انتهت بالقضاء على الخاطفين، والذين يُقدّر عددهم ببين 32 وحتى 40 مسلحًا، وبالمقابل قتل العشرات من الرهائن الأجانب في العمليتين اللتين نفذّتهما السلطات الجزائريّة.
وساقت الدراسة قائلةً إنّ بينما تمّ الانتهاء من العملية في الجزائر، تواصلت العملية الفرنسيّة في مالي، وفي الاجتماع الطارئ الذي عُقد في ساحل العاج لدول الاتحاد الإفريقيّ الاقتصاديّ، قررت الدول المشاركة ومنها تشاد، السنغال، نيجيريا، بوركينا فاسو، غانا وغينيا، إرسال جمود إلى مالي لمساعدة الجيش المحليّ في حربه ضدّ التنظيمات الإسلاميّة الخطيرة ومنها: أنصار الدين، وتنظيم التوحيد والجهاد وعناصر من القاعدة الذين وصلوا من شمال إفريقيا، لافتةً إلى أنّ تنظيم أنصار الدين يملك الأسلحة المتطورة والعتاد الكامل، والتي تمّ شراؤها أوْ سرقتها وتهريبها من مخازن الأسلحة في ليبيا.
ومضت الدراسة قائلةً إنّه على الرغم من التدّخل العسكريّ الفرنسيّ في مالي والحلفاء الذين انضموا إليها، فإنّ المعركة لتحرير مالي من التنظيمات الإسلاميّة المتشددة التي تُسيطر على أجزاء واسعة من البلاد ما زالت في بدايتها، مشددةً على أنّ المعركة ستؤدي إلى سفك الدماء الكثيرة من الطرفين، كما أنّها لم تستبعد البتة أنْ تنتقل الحرب إلى ما دول أخرى قريبة من مالي، والتي قد تؤدي إلى توريط عدد من دول حلف شمال الأطلسيّ في المعركة، على الرغم من أنّهم لا يرغبون في المشاركة في عملية من هذا القبيل، كما قالت إنّ تدّخل الدول من حلف الناتو سيُطيل المعركة وسيؤدي إلى توسعها أكثر بكثير، عمّا هي الآن، على غرار التورط في العراق وأفغانستان.
علاوة على ذلك، أشارت الدراسة إلى حملة الانتقادات العالميّة التي وُجهت للسلطات الجزائريّة حول كيفية تعاطيها مع أزمة الرهائن، بعد أنْ تبيّن أنّ العشرات قُتلوا وجُرحوا خلال عملية إطلاق سراح الرهائن، مع هذا، قالت الدراسة، إنّه من غير الصحيح التنبؤ الآن حول كيفية معالجة الجزائر لعمليات مشابهة في المستقبل المنظور والبعيد، وهل ستلجأ مرّة أخرى إلى المعاملة القاسيّة وعدم التفاوض مع الخاطفين، وهل المعاملة القاسية ستمنع عمليات أخرى، أمْ أنّها ستحث تنظيم القاعدة على اللجوء إلى عمليات أخرى ليس في الجزائر فقط، بل في دول أخرى، والتي من شأنها أنْ تصل إلى الدول الأوروبيّة أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، قالت الدراسة الإسرائيليّة، فإنّ الحروب التي يخوضها التنظيم الذي يترأسه اليوم أيمن الظاهري في دول ضعيفة من جميع النواحي، يُشكّل بالنسبة له نجاحًا باهرًا، بعد أنْ تعرض لعدّة ضربات، وعليه لم تستبعد الدراسة أنْ يقوم الظواهري بإسماع صوته ومناشدة مؤيديه بشنّ حربٍ على الدول الضعيفة، التي تتحالف مع الغرب المسيحيّ، لإعادة حكم الشريعة إليها، على حد تعبيرها.
‘القدس العربي’- زهير أندراوس