منذ العام 1969 دأب كتاب «سيبري» السنوي، الصادر عن معهد استـــوكهولم لأبحاث السلام الدولي، على تقديم خلاصة سنوية شاملة عن التطورات الحاصلة في الأمن الدولي والتسلح ونزع السلاح، لهدف رئيسي ثابت: أن يكون ذا منفعة عامة عالمية دعماً للبحوث السلمية والوعي العام من أجل عالم أكثر أمناً واســـتقراراً وسلاماً. استعرض إصدار العام 2012 (النص العربي بالاشتراك مع مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت) تطور الصراعات والعنف المسلح في العقد الماضي، واتجاهات الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة، وتجارة الأسلحة التقلـــيدية والترسانات النووية، وما يتصل بها من أنظمة الإيصال والتقانات، منبهاً إلى تحديات كبرى لا تزال تهدد السلام والأمن الدوليين.
مع أن إجمالي حوادث العنف المسلح المنظم تراجع في العقد الماضي 2001 – 2010، فقد وقع في العام 2010 30 صراعاً مسلحاً بين الدول و26 صراعاً بين جهات من غير الدول، ومارست 18 جهة مسلحة العنف على المدنيين، ونشر أكثر من 262.000 من جنود حفظ السلام في 52 عملية في أنحاء العالم في العام 2011.
في مؤشر رقمي لحجم الإنفاق العسكري العالمي في العام 2011، يذكر الكتاب أنه بلغ 1738 بليون دولار، وبذلك تكون السنة الوحيدة التي لم يرتفع فيها هذا الإنفاق منذ عام 1998. ومع أن إجمالي الإنفاق العسكري العالمي لم يرتفع في العامين 2010 و2011، فان خمسة بلدان من بين الدول البلدان الخمسة عشر الأكثر إنفاقاً على الأسلحة زادت موازناتها الدفاعية – الصين 170 في المئة، السعودية 90 في المئة، روسيا 79 في المئة، الهند 66 في المئة. في غضون ذلك واصلت الدول النووية تحديث ترساناتها وتوسيعها. ففي نهاية العام 2011 بلغ إجمالي ما تمتلكه 8 دول 19000 سلاح نووي، ألفان منها في حالة تأهب تشغيلي مرتفعة. وفي تجارة السلاح استحوذ موردو الأسلحة الخمسة الكبار – الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة – بين عامي 2007 و 2011 على ثلاثة أرباع حجم الصادرات.
ولا تزال الولايات المتحدة أكثر بلدان العالم إنفاقاً على الأسلحة، بل إنها تنفق أكثر من البلدان الأربعة عشر التي تليها مجتمعة. ومن المرجّح أن تحتفظ المملكة المتحدة وفرنسا واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وأستراليا وتركيا ببعض أكبر الموازنات العسكرية في العالم في السنوات المقبلة. وثمة بلدان أخرى توسع استثماراتها العسكرية، فقد رفعت الجزائر إنفاقها العسكري 44 في المئة في عامي 2010 و 2011، وزادت إندونيسيا وفيتنام موازنتيهما العسكرية بأكثر من 80 في المئة منذ أوائل العقد الحالي. واستأثر أكبر خمسة مستوردين للأسلحة التقليدية بين عامي 2006 و 2011 أي الهند وكوريا الجنوبية وباكستان والصين وسنغافورة بنحو 30 في المئة من واردات الأسلحة، ومن المتوقع أن تنفق الهند ما يقرب من 150 بليون دولار على تحديث جيشها في السنوات المقبلة. أما في الشرق الأوسط فقد جاءت السعودية في الطليعة من حيث الإنفاق العسكري عام 2011، 48.531 بليون دولار تليها إسرائيل 16.466 بليون دولار، والعراق 5.845 بليون دولار والكويت 5.640 بليون.
يثمن الكتاب الدور الذي تضطلع به المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي في اتخاذ تدابير لإخماد العنف في العالم، على رغم افتقارها إلى القدرة الســـياسية والعــــسكرية الكافية للتصرف باستقلالية تامة، منبهاً إلى تأثير الجهات الفاعلة من غير الدول والدور الذي تؤديه في استمرار الصراعات والعنف المنظم ضد المدنيين، لا سيما أن هذه الجماعات لا تزال تحصل على معدات عسكرية، وفي بعض الأحيان على منظومات أسلحة رئيسية مثل القذائف المضادة للسفن، ويتزايد الخوف من تملك هذه الجماعات تقنيات يمكن استخدامها لغايات خبيثة.
وفي رأي الكتاب أن سياسة حماية المدنيين من الفظائع الجماعية ازدادت بقوة في العقد الماضي، إلا أن ثمة مخاوف في شأن وجود برامج نووية عسكرية في بعض الدول، وتقليص الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، وتراجع عدد الدول التي تبلّغ عن إنفاقها العسكري من 81 بلداً عام 2002 إلى 51 بلداً عام 2011.
النتيجة الأساسية التي توصل إليها الكتاب هي أن الحروب الكبرى العالمية أو الإقليمية تبدو مستبعدة في المدى القريب لكن النظام العالمي غير حصين أمام الصدمات المربكة مثل الحروب المحلية والشبكات الإجرامية والمخدرات والتشريد العنيف للشعوب. ويمكن مواجهة هذه المخاطر بالعمل التعاوني بين المنظمات الإقليمية في الديبلوماسية الوقائية، ومراقبة الحدود، والإغاثة من الكوارث، ومراقبة الأمراض، والمساعدة التنموية.
ومن الواجب لذلك إيلاء مزيد من التركيز على الحلول الأقل عسكرة للتحديات الأمنية، إذ أن الحلول العسكرية التقليدية لا تلائم العديد من هذه التحديات في السنوات المقبلة، ويُحتاج بدلاً من ذلك إلى التكامل الخلاق لتقنيات الاستباق، والإنذار المبكر، والشراكات التعاونية العابرة للحدود الوطنية. لكن على رغم أهمية هذه الخطوات، من المرجح أن يستمر العالم في مواجهة فترة طويلة من انعدام اليقين ومجموعة واسعة من المخاطر والتحديات التي يمكن أن تزعزع الاستقرار في مجال الأمن والتسلح ونزع السلاح، إلا أن التوازن بين الحلول العسكرية والحلول الأقل عسكرية يجب أن يستمر في الاتجاه لصالح الأخيرة.
الحياة اللندنية