الناصرة :أصدر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجماعة تل أبيب والمرتبط بالمؤسسة الأمنية في الدولة العبرية، دراسة جديدة عن الوضع في مصر ما بعد المصادقة على الدستور، جاء فيها أنه من خلال تعقب شبكات التواصل الاجتماعي في بلاد النيل يظهر واضحا وجليا أن الأكثرية الساحقة تعتقد بأن المصادقة تمت عن طريق التحايل والخداع والتزوير، كما عبر المشاركون عن تشاؤمهم من المستقبل، وعن غضبهم العارم.
وأضافت الدراسة أن المصادقة على الدستور عمقت الأزمة داخل المجتمع المصري، وعمليا شكل الدستور الجديد، خلافا للتوقعات، محفزا لتوسيع الشرخ القائم أصلا بين العلمانيين والمتدينين، بين الراديكاليين والليبراليين، بين القرويين وسكان المدن، بين الأغنياء والفقراء، علاوة على تأجيج الصراع بين من يتكلمون باسم الله والذين يتحدثون باسم الليبرالية وحريات المواطنين. وبرأي معدي الدراسة، أودي ديكيل وأوريت فارلوب، فإن مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي تُظهر صورة قاتمة للغاية، حول تدمير السلطة المركزية، اختفاء الأمن والأمان، وتحطم الاقتصاد المصري، وهذه العوامل أضافت الدراسة، تدفع المشاركين إلى زيادة الطلب لحمل الأسلحة، لسحب الدولارات من البنوك، قبل أن تجتاحهم العاصفة، وبرأي المشاركين، فإن قضية انهيار الهرم الاجتماعي ـ الاقتصادي في مصر هو مسألة وقت فقط.
وفي تفاصيل الدراسة جاء أن شعبية الإخوان المسلمين في انخفاض كبير، ذلك أن أبرز الإعلاميين في مصر يؤكدون أن 10 ملايين صوتوا إلى جانب الدستور، و7 ملايين صوتوا ضده، مشددين على أن 68 بالمئة من المصريين قاطعوا الانتخابات، وبذلك عبروا عن رفضهم عمليا للدستور الجديد، وانعدام ثقتهم بالرئيس محمد مرسي. ولفتت الدراسة إلى أنه في القاهرة صوت 57 بالمئة ضد الدستور، ومن فحص الأرقام والإحصائيات يتبين أن الإخوان فقدوا دعم المثقفين، والطبقة الوسطى، كما أنه في بعض الأحياء الفقيرة سُجل انخفاض في نسبة تأييد الإخوان المسلمين. ولفتت الدراسة أيضا إلى أن الإسكندرية، التي تُعتبر معقلا للسلفيين المصريين، صوت في الانتخابات العامة 66 بالمئة لحزب العدالة والحرية ولحزب النور، أما في التصويت على الدستور فقد صوت فقط 56 بالمئة معه، الأمر الذي يؤكد أن الأدوات التي استعملها الإسلاميون في الانتخابات للبرلمان: خطب يوم الجمعة والنص الديني، فقدا مصداقيتهما وتأثيرهما، على حد قول الدراسة. أما حصول الدستور على نسبة تأييد تصل إلى 81 بالمئة في الأرياف، فمردها الكره الذي يكنه السكان في هذه المناطق النائية للأقباط، بالإضافة إلى تفشي الأمية في صفوفهم.
ووصفت الدراسة الوضع في مصر بأنه حالة من الفوضى العامة وفقدان الحكم المركزي القدرة على الحكم، فبحسب الأحاديث الدائرة في الشبكات الاجتماعية، يتبين أن السواد الأعظم من المشاركين يؤمنون بعدم قدرة الرئيس المصري ومؤسسات الدولة على إدارة دفة الحكم، خصوصا في ما يتعلق بالأمن الداخلي والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وبالمقابل فإن نجاح الإخوان المسلمين في جلب المصوتين إلى صناديق الاقتراع والمصادقة على الدستور، لم تتمكن الحركة من ترجمته إلى نجاح سياسي على الأرض، ويظهر جليا، قالت الدراسة، أنه بعد ستة أشهر من انتخاب مرسي رئيسا لمصر، لا يتمكن من سن القوانين من دون أن يعود ويُلغيها، حيث أنه منذ الفاتح من تشرين الأول (أكتوبر) وحتى شهر كانون الأول (ديسمبر) حاول الرئيس مرسي سن أربعة قوانين، ولكنه فشل في تطبيقها بسبب الاحتجاجات الشعبية والضغوطات في الشبكات الاجتماعية على الإنترنت.
بالإضافة إلى ذلك، جاء في الدراسة، أن الذهاب إلى الاستفتاء على الدستور من دون إجماع دفع العديد من أصحاب المناصب الرفيعة، مثل محافظ البنك المركزي، والنائب العام، ووزير الاتصالات، والوزير للشؤون البرلمانية إلى تقديم استقالاتهم، الأمر الذي دفع الرئيس مرسي إلى الإعلان عن دعم قبوله الاستقالات، مما دفع المستقيلين إلى التراجع. أما بالنسبة للأمن الشخصي، فقد كشفت الشبكات الاجتماعية، قالت الدراسة، النقاب عن أن أحياء كاملة قام بالتسلح لحماية سكانها من الإجرام المتفشي، كما أن سيناء تحولت إلى مرتع لأعمال الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث تتم عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات، كما افتتح السوق السوداء للغاز والمأكولات الأساسية.
وساقت الدراسة قائلة إن المبنى الاجتماعي الاقتصادي في مصر انهار، فقد كان أحد أهداف الثورة تدمير النظام القائم وإقامة نظام بديل يُعالج مشاكل المجتمع المصري، في السنة الأولى تمت إزاحة مبارك والمجلس العسكري الأعلى، أما في السنة الثانية، فقد لوحظت سيطرة الحركات الإسلامية التامة على مناحي الحياة ومواصلة حربها ضد الجناح الليبرالي- العلماني، ورأت الدراسة أن هذا الصراع بين الجناحين في الطبقة الوسطى يتأجج على وجهة مصر، فإنه بطبيعة الحال يُضعف رأس الهرم، وبالتالي تتوقع الدراسة أن تكون السنة الثالثة ما بعد الثورة سنة المواجهة العارمة بين الفريقين اللذين يوجدان في أسفل الهرم: الفقراء والسلفيين الراديكاليين، ضد النظام الحاكم في القاهرة، مشددة على أن أي عملية إصلاح اقتصادية من قبل النظام، مثل رفع سعر الخبز أو البنزين أو السجائر، ستكون الفتيل الذي سيُشعل الحرب بين الطبقتين الفقيرتين والسلطة.
وخلصت الدراسة إلى القول إن معضلة عدم قدرة السلطة على فرض النظام، التآكل الاقتصادي، فشل السياحة، بالإضافة إلى التمرد المستمر ستدفع مصر إلى أزمة خطيرة جدا، مشيرة إلى أنه على الرغم من نجاح الإسلاميين في جميع الانتخابات التي جرت بعد الثورة، يظهر جليا وواضحا أن قوة المعارضين تزداد بوتيرة عالية جدا، ذلك أن الكراهية بين الخصمين عميقة جدا، وتمس مسا سافرا بالدولة المصرية، على الرغم من أنهما ليسا معنيين بتأجيج أزمة الاقتصاد المصري، ولكن في ظل حكم الشريعة، يؤمن الفريق الثاني بالحريات الفردية والجماعية، حيث اقتبست الدراسة مقولة وردت في الشبكات الاجتماعية التي قالت إن الشريعة الإسلامية لم تتمكن حتى اليوم من إطعام مصري واحد، وبالتالي تتوقع الدراسة الإسرائيلية أن يتمكن العلمانيون في المستقبل التغلب على حكم الشريعة.
وأنهت الدراسة: إذا لم يتوصل الطرفان، الإسلامي والعلماني، كما جاء في الشبكات الاجتماعية، إلى اتفاق حول مدى التأثير والقوة، فإن المنظومات السلطوية المصرية ستنهار كليا، ولن يشفع لها عندئذ تدخل القوى الخارجية التي تريد المحافظة على استقرار مصر، على حد تعبير الدراسة.
‘القدس العربي’- زهير أندراوس