مضت الأشهر القليلة الماضية على خير ما يرام بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، من حيث التقدم بهدفها الأساسي المتمثل في استمرار الاحتلال واستعمار الأراضي الفلسطينية إلى أجل غير مسمى، من خلال التأكد من إفشال الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وضع حد للاحتلال. ويعود نجاح نتنياهو في هذا المضمار إلى مهاراته التكتيكية الخاصة، بالإضافة إلى عنصر الحظ الذي صنعته التطورات الخارجية.
حقق نتنياهو فشل أحدث محاولة أميركية لإحياء عملية سلام جديرة بذلك المسمى في جزء منه من خلال الإصرار على مطلبه الاستباقي بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كـ”دولة يهودية”. كما أنه استخدم بنجاح براعته في الخداع للتوصل إلى صفقة مع السلطة الفلسطينية، والتي نصت على الإفراج عن سجناء فلسطينيين، ثم التنصل من حصته من تلك الصفقة بتأويل معناها بشكل مختلف عن المقصود أصلاً، ثم إلقاء اللوم على السلطة الفلسطينية بعدم المضي قدماً في المفاوضات الأساسية، وكأن عكس الواقع هو الذي حدث. وكان على الإسرائيليين أن يتحملوا لوماً خفيفاً سرياً على انهيار المفاوضات من الأميركيين، لكنه لم يكن شيئاً يصعب التعامل معه.
كان الأكثر تهديداً لاستراتيجية الحكومة الإسرائيلية من جهود جون كيري الدبلوماسية، هو الجهد الأحدث من جانب حماس وفتح لجسر خلافاتهما ودعم تشكيل حكومة فلسطينية واحدة بشكل مشترك. وما تزال هذه الأعمال الفلسطينية-الفلسطينية تصنع مشكلة لاستراتيجية نتنياهو لأنها تنص على خلق شريك مفاوض يستطيع التحدث نيابة عن الأغلبية العظمى من الفلسطينيين، ولأنها تفند الزعم الإسرائيلي بأن حماس تريد أن تدمر إسرائيل ولا شيء غير ذلك.
أظهرت صفقة حماس-فتح والتشكيل اللاحق لمجلس وزاري من التكنوقراطيين بوضوح تحرك حماس نحو قبول موقف عباس، وليس العكس. وبدا التصالح الأحدث أكثر تهديداً لنهج نتنياهو مقارنة مع المناهج الأخرى، لأنها أظهرت المزيد من الإشارة إلى الالتزام. وربما يكون أكثر ما أزعج نتنياهو هو أن إدارة أوباما ألمحت إلى أنها راغبة في العمل مع أي حكومة فلسطينية مدعومة بشكل مشترك، والتي قد تنجم عن الصفقة.
أصدر نتنياهو نفس رد الفعل المتشدد وغير المتنازل الذي كان قد صدر عنه بخصوص الجهود السابقة التي بذلت من أجل المصالحة الفلسطينية، مثل وقف صرف عوائد الضرائب التي تعود للفلسطينيين. لكن ما مكنه أكثر ما يكون من إدامة استراتيجيته في وجه هذا التحدي الأخير – وهنا مكان ساعده فيه تطور الأحداث- كان اختطاف ومن ثم قتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين يهود في الضفة الغربية المحتلة. وقد وجه نتنياهو اللوم في ذلك إلى حماس مباشرة وبشكل متكرر، متعهداً بكشف الدليل، الذي لم يكشف حتى هذه اللحظة، على أن المجموعة هي المسؤولة عن الجريمة. وقد جرت تسمية رجلين لهما روابط مع حماس على أنهما المشتبه فيهما. وتم تدمير منزلي عائلتيهما وهما طليقان، ولم يتم تقديم أي دليل لإدانتهما.
لكن إقدام إسرائيل على هدم المنازل في الضفة الغربية أصبح ممارسة يومية، كما تجدر الإشارة. ووفرت الجريمة الفرصة للحكومة الإسرائيلية لتوجيه ضربة أكثر اتساعاً وأكثر قوة من ذلك. وقد وصف ميتشيل بليتنيك ذلك بالقول: “تحت غطاء البحث عن الشباب المختطفين، شن نتنياهو عملية ضخمة لإعاقة حماس في الضفة الغربية، ولمزيد من إهانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولمعاقبة الشعب الفلسطيني بأكمله بسبب دعوته لوقف المسرحية الهزلية المسماة “عملية السلام” والأسوأ، على تحركه في اتجاه قيادة موحدة”. ومن شأن هذا التحريك القوي للوعاء من جانب إسرائيل، والذي شمل اعتقال مئات الفلسطينيين ومقتل العديد منهم بأيدي قوات الأمن الإسرائيلية، أن يساعد في وضع أي دبلوماسية سلمية في مكان أبعد مما يمكن الوصول إليه. وهو يساعد الداعمين الأميركيين لحكومة نتنياهو على تكرار القول بأن الوقت “ليس ناضجاً” لإجراء مفاوضات السلام -وأن الحكومة التي يدعمونها ستفعل كل ما تستطيع فعله لضمان أن لا يصبح الوقت مواتياً أبداً.
استفادت استراتيجية نتنياهو مؤخراً من خلافات أخرى، والتي حولت أي طاقة قد تتوجه بغير ذلك نحو تأسيس دولة فلسطينية. وكان النزاع الرئيسي الذي عول عليه نتنياهو هو بالطبع شيطنته لإيران. وقد ساعدته تطورات أخرى أيضاً، فقد تحول انتباه الرأي العام العالمي بشكل كبير ولبعض الوقت إلى أوكرانيا. ثم جاء النذير واسع النطاق المجموعة السنية المتطرفة في العراق وسورية والتي تسمي نفسها راهناً “الدولة الإسلامية”. وتعود هذه المسألة الأخيرة بفائدة أكبر على نتنياهو الذي استخدمها كمبرر آخر للإصرار على أن القوات الإسرائيلية يجب أن تستمر في احتلال وادي نهر الأردن إلى أجل غير مسمى
الغد الأردنية