أخطر ما قد تتعرض له «المبادرة المصرية»، بالنسبة لحرب غزة الأخيرة وإنعكاساتها، هو أنْ تُفتح قناة جانبية موازية بين حركة «حماس» وإسرائيل، إنْ بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وحقيقة أن هناك معلومات، ربما غير مؤكدة، تتحدث عن أنَّ هذه القناة الجانبية قد فُتحت فعلاً وأن هناك اجتماعات ولقاءات قد تمت ولا تزال تتم في اسطنبول والمؤكد أن الأشقاء المصريين يعرفون هذه الحقيقة وأن الأخ أبو مازن يعرفها أيضاً وأنه حاول التعرُّض لها بالتأكيد على أن المبادرة المصرية هي المبادرة الوحيدة المقبولة وأنه لا غيرها مبادرة.
ولعل ما لا يعرفه البعض هو أن ضغط المملكة العربية السعودية، وتحديداً ضغط الملك عبد الله بن عبد العزيز، من حسم الأمور وعلى أساس أنَّ المبادرة الوحيدة المقبولة هي «المبادرة المصرية» وهو أنَّ خالد مشعل قد تعهد لأصحاب المبادرة «الأخرى» بإفشال المبادرة المصرية وإنه حتى بعد المفاوضات غير المباشرة في القاهرة قد أصر على ضرورة وقف هذه المفاوضات إلى أن يتخذ المكتب السياسي للحركة ، أي حركة «حماس»، قراراً بالموافقة عليها.. لكنه ووجه برفض قاطع مانع من قبل نائبه موسى أبو مرزوق ومعه بعض زملائه القياديين الذين جاءوا من غزة.
وهنا فإن ما يعزز هذه الحقيقة أو هذه الحقائق هو أن الإسرائيليين قد أبدوا خلال هذه المفاوضات، أي مفاوضات القاهرة التي كانت ومنذ اللحظة الأولى كمن يقفز فوق حبل مشدود، وهو أيضاً أنَّ الأخوة «الأعزاء» في «حماس» قد تمسكوا في البدايات بأن يتم تشكيل هيئة فلسطينية من خارج إطار منظمة التحرير للتفاوض مع الإسرائيليين عبر الوسيط المصري لكنهم ما لبثوا أن تخلوا عن هذا الإقتراح فتم تشكيل هذا الوفد «الموزاييكي» الذي لا وجود لبعض من شاركوا فيه على أرض الواقع.
كان على «حماس»، لو أنها ليست متورطة بمفاوضات جانبية موازية مع الإسرائيليين، ألاَّ تطرح هذه الصيغة ، صيغة الهيئة الفلسطينية المفاوضة، وأن تتمسك بأن تكون منظمة التحرير، ومن ضمنها حركة المقاومة الإسلامية، هي المفاوض الوحيد وذلك لأنه غير جائز أنْ يكون هناك مفاوض إسرائيلي واحد مقابل كل هذا العدد من المفاوضين الفلسطينيين وأنه لا يجوز إظهار :»الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.. حسب قرار قمة الرباط العربية عام 1974 وكأنه لا شرعياً ولا وحيداً».. وبالتالي فإنَّه ليس للشعب الفلسطيني الجريح إلاَّ الله وحده.
والخوف، إذا صحَّت معلومة المفاوضات الجانبية الموازية هذه، وهي صحيحة ويبدو أنها قد قطعت شوطاً بعيداً في التفاوض ، أن هناك «طبخة» خبيثة هدفها شطب «المنظمة» نهائياً وإبعاد غزة عن الضفة الغربية ولتكون الدولة المستقلة المنشودة في القطاع وحده.. وإلاَّ لماذا هذه المفاوضات الجانبية الموازية ولماذا التركيز على قضايا قد تبدو ثانوية إزاء هدف أن تكون غزة والضفة الغربية كياناً سياسياً واحداً في الحاضر والمستقبل كعدد المعابر وكعمق المياه الإقليمية لقطاع غزة.. وأيضاً وعلى أهمية هذا كالميناء وكالمطار .. أليس الأوْلى أنْ يكون التركيز على القضية الرئيسية التي هي الدولة الفلسطينية المنشودة التي يجب وبالضرورة أن تقوم على أرض الضفة الغربية وغزة؟.
والمفترض أن المعروف ، وبخاصة للفصائل الفلسطينية ومن بينها بالطبع «حماس»، أن الهدف الرئيسي لهذه الحرب القذرة التي شنتها على قطاع غزة هو اعتراض قيام الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة وهو إبعاد «القطاع» عن الضفة الغربية وهو خلق قيادات وتنظيمات فلسطينية متناحرة.. ولذلك فقد تم تشكيل الوفد الفلسطيني المفاوض على أساس المحاصصة الفصائلية وخارج إطار منظمة التحرير التي من المفترض أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
عن الرأي الاردنية