السجال الذي دار هذا الأسبوع بين «فتح» و»حماس» فتَح جراح الانقسام الفلسطيني، خاصة أنه جاء في وقت مازال يسقط فيه عشرات الضحايا الفلسطينيين كل يوم بفعل العدوان الإسرائيلي على غزة. والحقيقة أن ملف الانقسام الفلسطيني كان أحد أبرز نقاط الضعف في أداء الفصائل الفلسطينية طوال الفترة السابقة على حرب غزة، وأن هذا الفصل بين إدارة غزة «الحمساوية» وإدارة الضفة الغربية «الفتحاوية» ساعد إسرائيل على التحجج بغياب شريك فلسطيني في أي تسوية للصراع. والمؤكد أن الاحتلال هو المسؤول الأول عن إجهاض مسار أوسلو وحل الدولتين، وأنه أيضًا الذي يرتكب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، إلا أن هذا لا يمنع ضرورة أن يتحمل الجانب الفلسطيني مسؤوليته ويجد حلًا لهذا الانقسام البغيض.
يقيناً مقاومة الاحتلال لن تكون فقط بصمود «حماس» في غزة ولا صمود قوى المقاومة السلمية والمسلحة في الضفة الغربية، إنما في تقديم نموذج حقيقي للمقاومة بوحدة كل المدافعين عن الحق الفلسطيني وهدف بناء الدولة الفلسطينية، حتى لو اختلفوا في الوسائل والأدوات.
لقد نجحت إسرائيل في تحويل جانب من نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال إلى «إرهاب إسلامي» بشكل يتناغم مع الموجة السائدة لدى تيار واسع من قادة العالم الغربي، في حين عجزت الفصائل الفلسطينية أن تقدم نموذجاً جديداً موحداً قادراً على أن يكون على مستوى التضحيات الجسام التي يدفعها الشعب الفلسطيني كل يوم في غزة والضفة الغربية.
لم تنجح الفصائل الفلسطينية في خلق وسائل جديدة للضغط على إسرائيل من أجل الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل دخلت في مواجهات مسلحة بلغت ذروتها في 2007 حين قامت «حماس» وحلفاؤها بالسيطرة على قطاع غزة بالقوة المسلحة، وانقسم الفلسطينيون بين الضفة وغزة، وبين «فتح» و»حماس»، وبين سلطة ومقاومة.
ومنذ ذلك التاريخ أضعف الانقسام الفلسطيني من قوة المفاوض الفلسطيني، وأيضاً من وزن الضغط الشعبي والمسلح على دولة الاحتلال، وأخذت إسرائيل من الانقسام السياسي والجغرافي، أي سيطرة «حماس» على غزة و»فتح» على الضفة الغربية، حجة لاستكمال سياستها الاستيطانية واستمرار الاحتلال، واختراق الأراضي الفلسطينية بعملاء ومأجورين، ووضعت آلاف المناضلين في سجونها، خاصة الذين قادوا انتفاضة عام 2000، وعلى رأسهم مروان البرغوثي، وأصبحت طرفاً مؤثراً داخل الساحة الفلسطينية نتيجة هذا الانقسام.
وجاءت عملية «طوفان الأقصى» لتعيد وضع القضية الفلسطينية كقضية أولى عالمياً وعربياً، وصمدت «حماس» في غزة بشجاعة وصلابة، ودفع الشعب الفلسطيني ضريبة باهظة نتيجة العدوان الإسرائيلي، ومع ذلك بقي الانقسام على حاله، بل عاد بقوة عقب حرب البيانات التي جرت هذا الأسبوع بين «فتح» و»حماس».
مطلوب من كلا الفصيلين أن يعتبرا إنهاء الانقسام مقاومة كبرى في وجه الاحتلال، وهو خطوة لا بد منها من أجل الانعتاق من شروره.
مقاومة الانقسام الكاتب: عمرو الشوبكي
