رام الله – الحياة الثقافية – عُقدت مساء امس الثلاثاء، في رام الله ندوتان في ثالث أيام ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية.
وكان من المفترض عقد ثلاث ندوات، إلا أن عدم حصول المشاركين على تصاريح دخول فلسطين منع حدوث ذلك، وكان من المفترض عقد الندوة المعنونة “الرؤية النقدية في الرواية العربية الحديثة”، بمشاركة الإعلامي المغربي ياسين عدنان، والروائي الجزائري سمير قسيمي، والروائي المصري محمد عبد النبي، والروائي الأردني هزاع البراري، والروائي والناقد التونسي كمال الرياحي، والروائية الفلسطينية مايا أبو الحيات، وكانت إدارة الندوة من المفترض أن تكون للروائي الفلسطيني أكرم مسلم.
وعقدت الندوة الأولى تحت عنوان: “سؤال الهوية وتحولات المكان”، وأدارها الكاتب والناقد الفلسطيني نبيه القاسم، وشارك فيها الروائية الليبية نجوى بن شتوان عبر السكايب، وحجي جابر من أرتيريا، والكاتب الفلسطيني محمود الريماوي، والروائي الفلسطيني رفيق أحمد عوض، ولم يتمكن بشير مفتي من الجزائر من القدوم بسبب التصاريح.
وقالت الروائية الليبية بن شتوان: “يشرفني تواجدي معكم للحديث في موضوع الهوية، مواكبة مع الأحداث الجارية التي تمس هويتنا كعرب، ويرتبط الحديث عن الهوية بالنسبة لي بالمكان، فالمكان يختصر مكونات الهوية كاملة من ثقافة ولغة وماضي وحاضر ومستقبل”.
وتابعت: “الانتقال ينتزع جزء من الهوية، ولقد عشت عدة هويات في ليبيا، فاللغة تعمل كهوية دالة، وكذلك الاسم، فالتقسيم الذي تعيشه ليبيا الآن يفتت جزءاً من هويتي، وبعد انتقالي إلى أوروبا تعددت الهويات، وما زلت أحتفظ بشيء يمكنني الدفاع عنه مثل لغتي وثقافتي”.
وأضافت بن شتوان: “مسألة حضوري إلى فلسطين سببت لي سعادة كبيرة، بحكم أننا كنا ممنوعين من القدوم بسبب النظام السياسي السابق، أحببت أن أكسر الحاجز بيني وبين فلسطين، كعودة للتمسك بهويتي، لكن الظرف حال دون وجودي جسدياً معكم”.
بدوره، قال الروائي الإرتيري حجي جابر: “سعيد بوجودي أخيراً في فلسطين، وأعرف أنني لم أستوعب بعد تجربة وجودي هنا، ربما سيحدث ذلك بعد عودتي، لقد انتقلنا من أرتيريا أثناء حرب الاستقلال وكنت طفلاً، ونشأت في جدة بالسعودية، وتشربت حالتي كسعودي من جدة، أصبحت أحفظ السلام الملكي السعودي، وأستمع إلى طلال مداح، وأشجع فريق الأهلي السعودي لكرة القدم، وفي حرب الخليج الأولى، أحس السعوديون بحاجتهم إلى مسافة تفصلهم عن الآخرين، لكننا لم ننتبه لهذا، ولكن عندما وصلت السعودية إلى كأس العالم عام 1994، فرحنا كسعوديين، لكن تصرفات الشرطة أعادتنا إلى أرض الواقع، مما جعلنا نحس بأننا أجانب، وشعرت بحاجتي لفك الارتباط، فذهبت إلى السفارة الإرتيرية، وخرج السلام الملكي السعودي ليحل محله السلام الوطني الإرتيري، وتوجت حالة الامتلاء بالعودة إلى أرتيريا، ولأول مرة أجرب معنى الوطن، ففي بلاد الآخرين لا يمكنك أن تعبر عن غضبك، فقبلت ترابها، لكن أرتيريا لم تستطع التعرف عليّ، فاعتبروني سعودياً في أرتيريا، فلم أستطع الحصول على إرتيريتي الكاملة، وهذه الحالة أخرجت روايتي الأولى، فبدأت مشكلة الهوية في الكتابة عن المكان من خارج المكان”.
وشدد على أن هذا هو التحدي الدائم الذي أواجهه، لكن ملامح الحل بدأت في الظهور في عملي الثالث، فأنا سعودي وإرتيري معاً، ولا أعرف إن كان هذا الحل في صالحي أو ضدي.
من جهته، قال محمود الريماوي: “مع وصولي اكتشفت رام الله مختلفة عن تلك التي أعرفها، كانت رام الله مدينة تقع بين الريفية والحضرية، لكنها الآن مختلفة تماماً، مع أنها ما زالت رام الله التي اتسعت هويتها لتضم هويات كثيرة مختلفة ثقافياً واجتماعياً”.
وأشار إلى ان العالم كله الآن يتمتع بتعدد الهويات، فبلدان كثيرة أصبح فيها اختلاط للأعراق والثقافات، وبالتالي تعدد هوية الفلسطيني ليست مشكلة كما يتم تصويرها، لكن من المهم وجود مؤسسات عصرية تتواصل مع العالم لنكون على مستوى تحديات الهوية.
وبين الريماوي أن هناك تحديات جسيمة، تتمثل في التحديات الداخلية التي نواجهها مع انفجار الهويات الفرعية المتمثلة في القبيلة والعائلة وتغليب الخاص على العام، وهذا خطير جداً على الهوية الوطنية، ومن التحولات التي انعكست في الرواية التحولات الاجتماعية وتحولات المكان، كما في رواية ليانا بدر “الخيمة البيضاء”، ورواية محمود شقير “فرس العائلة”، ورواية عاطف أبو سيف “حياة معلقة”، مشددا على أنه حتى لو سافر الإنسان وأقام في الخارج، فهذا لا يعني تخليه عن هويته، كنت في السابق أنظر إلى العالم من خلال فلسطين، والآن أنظر إلى فلسطين من خلال العالم.
بدوره، قال أحمد رفيق عوض: “الهوية بغض النظر عن تعريفاتها هي جوهر لا يذوب لا بالسفر ولا بالهجرة ولا بأي عامل آخر، الهوية والأرض هما الشعب العضوي، الهوية تحل في الأرض، فالوطن عصي على التعريف ويتغرب أمام عينيّ كهويتي تماماً، فالهوية تتعرض للاغتصاب اليومي، لذا فردات فعلنا مختلفة تماماً، الرواية في نهاية الأمر اشتباك وتجاوز، فسردنا الذي بدأ ساذجاً انتهى إلى التعقيد، فربحنا الجمال على حساب أشياء أخرى”.
وتابع: “سردنا أسهم في بلورة وعي الهوية والمكان، كأن الرواية هي التي تؤلف الوطن وليس الوطن هو الذي يكتب الرواية، السرد الفلسطيني تعددت مرجعياته واختلفت حسب المراحل التاريخية، فاختفى البطل واختفت المقاومة وأصبحت الرواية خلاصاً شخصياً، لكن روايتنا هي جرحنا الكبير فهناك من يريد تعريفنا بطريقة لا تشبهنا، وأعتقد جازماً أن المثقف كما الحرية، لا يموت”.
وكانت الندوة الثانية بعنوان: “أدب المنفى والاغتراب”، وأدارها الشاعر المتوكل طه، وشارك فيها الروائي الأردني من أصل فلسطيني جمال ناجي، والروائي العراقي زهير جزائري، والروائي المصري إبراهيم فرغلي، فيما لم يتمكن الروائي السوداني خالد عويس من الحضور.
وقال طه: “المبدع مثل العقل، هو موطن ذاته، فقد عرف الأدب العربي الاغتراب قديماً منذ الصعاليك بصفتهم منفيين عن القبيلة، وصولاً إلى أدب المهجر، مع إدراكنا الفرق بين المغترب والمنفى، وصولاً إلى عام 1948 وخروج هذه الحمولة من الفنانين والكتاب من أرضهم، في الحالة الفلسطينية الأمر أكثر تعقيداً، لأن جزءاً ممن اقتلعوا من أرضهم انتقلوا إلى أجزاء أخرى من نفس الأرض في وطنهم”.
بدوره، قال جمال ناجي: “المنفى شيء والاغتراب شيء، النفي هو التهجير القسري للإنسان عن وطنه، والمنفى هو المكان الذي يلجأ إليه الإنسان انتظاراً لاستعادة وطنه، المنفى ليس سمة فلسطينية خاصة، بل سمة عامة ترتبط بالقمع والعسف، وتتحول العلاقة مع المكان إلى قيد إبداعي لا يمكن الخلاص منه، والمنفى في حد ذاته لا يقدم مبدعاً وحده، إلا إذا كان الكاتب من الأساس يحمل سمات الإبداع، فالأديب حين يكون في المنفى ويكتب أدباً يسمى أدب المنفى، ماذا يمكن أن نطلق على ما يكتبه بعد أن يعود إلى وطنه؟”.
وتابع: “أما الاغتراب فله عدة مفاهيم منها الجغرافي والنفسي والروحي والوجودي، وأيسر التفسيرات هو التفسير الجغرافي، وهو الانتقال قسرياً من مكان إلى آخر، لكن الكاتب قد يغترب في بلده، وفي بيته، بل وحتى عن ذاته أيضاً، وقد تغيب الجغرافيا عن الكاتب، لكن الوطن لا يغيب، أظن أن علينا أن نتخلى عن فكرة الاغتراب لأنها لا تضيف ولا تنقص من أي كاتب”.
أما الروائي العراقي زهير الجزائري: فقال غادرت العراق في تموز 1979، بجواز سفر مزور، كان اقتلاعاً وليس خياراً، ومنذ ذلك اليوم تنقلت بين 7 منافي، في كل واحد منها تنقلت بين عدة بيوت، أنشر صوراً على الحائط، وأصادق جيراناً ثم أرحل، كل أبناء جيلي اعتبروا مجرد خروجهم من العراق غربة، لذلك كان خروجهم عبارة عن اقتلاع، وأغلب المنفيين كانوا يزورون بلادهم إلا العراقيين.
وأضاف “كنت موزعاً بين التعرف على المنفى وبين محاولة العودة إلى مكاني الأول، وفترة الانقطاع الطويلة جعلت تذكّر الأمكنة يشبه اللعبة، صورة حرب الخليج الأولى على العراق تابعتُها على الشاشة، كانت تعني أني أشاهدها ولا أعيشها، وهذا يمثل اغتراباً، وعندما عدت، وجدت بلداً غير الذي تركته، ِوهذا الصراع بين صورة الوطن في الذاكرة والوطن في الواقع خلق حالة اغتراب أخرى، خصوصا أن الناس تعاملوا معي كغريب، فاغتربت عني اللغة أيضاً، لغة جديدة نشأت في غيابي، لغة تتعلق بالحصار، بالحرب، بالنهب والسلب… إلخ.
وقال الروائي إبراهيم فرغلي من مصر: “نشأت طفلاً في دبي وسلطنة عمان، وعادة تجعل النشأة فكرة الاغتراب مستمرة، ظلت مسقط مع البحر ودلالاتها التاريخية وقراها هي أكثر ملامح ذكريات طفولتي رسوخاً وسطوعاً، وعند عودتي تولد لدي نوع من الاغتراب مع عنف المجتمع المصري مقارنة بطيبة وهدوء عُمان ودبي، خلال حياتي بين هذه الأمكنة كنت أفكر في معنى الوطن، وتوصلت إلى أن الوطن هو فكرة، أكثر منه مساحة جغرافية، وكنتُ أصرخ في نفسي: “نحن الأوطان”.
وسيكون يوم غد الأربعاء هو اليوم الختامي لملتقى فلسطين الأول للرواية العربية، حيث ستعقد ندوتان، وسيتم عرض مسرحية لرائدة طه تحمل عنوان “ألاقي زيك فين يا علي”.
ملتقى؟؟
Leave a comment