رام الله /عندما يصل الرئيس محمود عباس اليوم الى رام الله قادماً من نيويورك، سيكون في انتظاره ليس فقط جمهور من المحتفلين بحصول فلسطين على صفة «دولة مراقب» في الأمم المتحدة، وانما أيضاً ملفات ساخنة لمرحلة ما بعد الحصول على هذه المكانة القانونية والسياسية الدولية.
وقال مسؤولون فلسطينيون ان فريقاً من الخبراء وضع على مكتب الرئيس قائمة بأسماء المؤسسات الدولية التي يمكن لدولة فلسطين الانضمام اليها، بما فيها محكمة الجنايات الدولية التي يثير انضمام الفلسطينيين اليها كثيراً من القلق في اسرائيل خشية مقاضاة عدد من كبار مسؤوليها بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وبحسب المسؤول في وزارة الخارجية وأحد واضعي التقرير الدكتور عمر عوض الله، فإنه يمكن مقاضاة اسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب على كثير من الممارسات التي تبدأ بالاستيطان، مروراً بقتل مدنيين، وصولاً الى إعاقة مرور امرأة في حال مخاض على حاجز للجيش، وهي ممارسات شائعة في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
لكن الرئيس عباس يبدو غير متعجل للذهاب الى مواجهة مع اسرائيل في شأن الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، اذ قال للصحافيين قبيل مغادرة نيويورك عائداً الى رام الله ان الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية حق للفلسطينيين، لكنه غير متعجل الى ذلك. وأضاف: «هذا حقنا الآن، لكن لا نريد أن نتوجه إليها الآن»، مشيراً الى انه ابلغ عدداً من الدول الصديقة، ومن بينها الولايات المتحدة، انه لن يقاضي اسرائيل الا اذا مارست اعتداءات جديدة على الفلسطينيين.
وتتضمن التوصيات التي سيبحثها الرئيس في الاجتماعات المقبلة للقيادة الفلسطينية تحويل جميع الممثليات الديبلوماسية الى سفارات، وتغيير ترويسة المعاملات الحكومية من السلطة الفلسطينية الى دولة فلسطين، وعدم السماح للجيش الاسرائيلي بالدخول الى المدن، وتوفير حماية لحقول الزيتون والقرى من اعتداءات المستوطنين، وتغيير جوازات السفر الصادرة باسم السلطة الى اسم الدولة الفلسطينية. لكن مقربين من الرئيس اكدوا لـ «الحياة» أنه سيتأنى في اللجوء الى هذه القرارات تجنباً لصدام مع اسرائيل في هذه المرحلة، مؤكدين انه سيلجأ اليها في مراحل لاحقة.
ومن الملفات التي ستحتل أولوية في المرحلة المقبلة ملف المصالحة الوطنية. وتوقع مراقبون أن تشهد المصالحة حراكاً في الأيام القليلة المقبلة، كما توقعوا أن تكون جولات الحوار المقبلة صعبة بسبب المطالب الجديدة المتوقعة لحركة «حماس» بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ومنها تبني برنامج سياسي مقاوم.
وكانت العلاقات بين حركتي «فتح» و»حماس» شهدت تحسناً لافتاً عقب الحرب الأخيرة، اذ توقفت الاعتقالات المتبادلة وجرى اطلاق عدد من المعتقلين. وفي هذا الصدد، قال عباس: «نريد المصالحة، والركن الأساس والأول والأخير للمصالحة هو الانتخابات».
ومن الملفات العاجلة، ملف المفاوضات مع اسرائيل الذي تطالب الادارة الاميركية بالعودة اليه. لكن الرئيس عباس جدّد تأكيده انه لن يتفاوض مع اسرائيل من دون وقف الاستيطان، وهو امر مستبعد، خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد فيها اسرائيل حملة انتخابية استعداداً للانتخابات الشهر المقبل.
وقال عباس: «أنا مستعد للمفاوضات، وأنا لم أضع شروطاً مسبقة، فهل وقف الاستيطان شرط مسبق؟». واضاف ان «هناك 15 قراراً في مجلس الأمن تقول إن الاستيطان عقبة». وتساءل: «هل الاسرائيليون جاهزون للتوصل الى حل سياسي؟»، معتبراً أن «الكرة في ملعبهم وملعب الاميركيين».
ومن الملفات الساخنة التي تنتظر الرئيس عباس الملف المالي، خصوصاً بعد تجميد المساعدات الأميركية التي تصل الى نصف بليون دولار سنوياً، واحتمالات قيام اسرائيل بتجميد المستحقات الجمركية للسلطة التي تبلغ اكثر من مئة مليون دولار شهرياً. وقال عباس انه سيطالب الاجتماع المقبل للجنة المتابعة العربية في التاسع من الشهر الجاري بتوفير شبكة الأمان المالية التي وعدت بها السلطة، والبالغة مئة مليون دولار شهرياً. واضاف انه في حال عدم تقديم شبكة أمان مالية عربية للسلطة، فإنها ستواجه «كارثة».
عبد ربه : في هذه الأثناء، قال أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه لوكالة «فرانس برس» في نيويورك: «اننا أمام معركة سياسية هي الاخطر والاصعب في تاريخنا، ولا بد من خوض المعركة من أجل إعادة تصويب المفاوضات ومسارها». واعتبر ان «التصويت (في الأمم المتحدة) رسالة من الكتل الدولية المؤثرة ان لا بد من عمل سياسي استثنائي خلال العام المقبل لإنقاذ حل الدولتين».
وأشار الى «ان امتناع المانيا عن التصويت ذو دلالة مهمة للغاية، بل يساوي التصويت بنعم بالنسبة الينا ولمن فهم معنى هذا التصويت، اذ ان المانيا تتخذ للمرة الاولى موقفاً يتجه نحو التغيير لمواقفها».
كما اعتبر ان ردة الفعل الاميركية على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة «كان هادئاً رغم ان تصويتها كان سلبياً». وقال: «ان هذا التصويت ادراك عميق ان سياسة نتانياهو ستصل بالمنطقة وبالصراع الى طريق مسدود وخيارات صعبة وربما مستحيلة اذا لم يتم التدخل بقوة الآن وفوراً».
ترتيبات لاستقبال حاشد :في هذه الاثناء، تجرى ترتيبات فلسطينية في مدينة رام الله في الضفة الغربية لاستقبال الرئيس عباس حيث تم التعميم على المؤسسات والقطاعات الفلسطينية المختلفة لتعطيل الدوام عند الساعة الثانية عشرة ظهراً بالتوقيت المحلي (العاشرة بتوقيت غرينتش) «لفتح المجال امام اكبر عدد ممكن للمشاركة في مهرجان الاستقبال».
الحياة اللندنية – محمد يونس