غزة : عندما تتجول في ازقة وحواري مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الضيقة في قطاع غزة، اكثر ما يشيح إليه سمعك وبصرك في أي مكان شاهق هو المساجد، تعلوها الرايات الخضراء والسوداء، فالأولى تعنى انها تابعة لحركة حماس وهي كثيرة، والثانية تعني انها تابعة لحركة الجهاد الاسلامي وهي محدودة مقارنة بالأولى.
لا يختفى هذا الحال عن أي حي سكني، وقد تجد في حي صغير ومتواضع 3 الى 5 مساجد، ناهيك عن المنافسة الشديدة على بناء ورعاية هذه المساجد من قبل الجماعات الدينية والسياسية المختلفة خاصة حركتي حماس والجهاد الاسلامي .
وحسب تصريح صدر مؤخرا عن أوقاف حماس ، فان عدد المساجد التابعة لها بصورة مباشرة قي قطاع غزة بلغ 879 مسجد، ولكن على الارض يختلف الحال قليلا، إذ أن هناك مساجد ترعاها جماعات اخرى مثل الدعوة السلفية وحركة الجهاد الإسلامي التي تلي حركة حماس في عدد المساجد التي تتبع لها.
حركة الجهاد لوحدها ترعى قرابة الـ130 مسجد على مستوى قطاع غزة ، كما يؤكد رئيس اللجنة الدعوية في الجهاد الذي فضل الاحتفاظ بمسماه، فيما هناك قرابة 9 مساجد تابعة للجماعات الدعوية، مثل مسجد “الدعوة” الشهير وسط قطاع غزة.
ولم يقف امر المنافسة عند رعاية المساجد فقط، بل يتجاوزه احيانا ويصل الى خلافات حادة لاسيما بين حماس والجهاد الاسلامي، الحركتين الاكثر تسلحا في قطاع غزة، مراسل “وكالة قدس نت للأنباء” زار بعض المناطق التي شهدت في الاونة الاخيرة اشكاليات على رعاية المساجد وتطورت في كثير من الأحيان الى تبادل لإطلاق النار، فوجد تذمرا مبطنا، لدى السكان.
في حي سكني ببلدة جباليا شمال قطاع غزة لا يتجاوز طوله الـ300 متر هناك 6 مساجد ، ويقول المواطن ابو السيد فوزي معلقا على الامر بتهكم ، “على اول الشارع مسجد، وفي نصفه مسجدين لا يبعد احدهما عن الاخر سوى 40 مترا فقط(..) واخر الشارع هناك ايضا مسجد لا ادري هل هي مساجد ودور عبادة، ام انها اشياء اخرى”.
ويضيف فوزي وهو رجل كهل، “صراحة عندما يؤذن نصاب بصداع من كثرة اصوات الاذان وذلك يدل على كثرة المساجد(..) للأسف الايمان ليس بكثرة المساجد ان ذلك يدل على قرب الساعة، انه امر غير مقبول.”كما يقول
ويستدرك بالقول” انا لا اقصد ذلك ولكن البعض يتعمد ان يفهم الكلام بهذه الصورة، نتمنى ان يكون الحرص على توفير احتياجات الناس، فالصلاة بين الانسان وربه في كل مكان، ولكن الوضع في غزة صعب يجب توفير اموال المساجد الباهضة، لدفع رواتب الناس، او بناء مؤسسات طبية او ترفيهية لكثرة الناس”.
وفي منطقة مشروع بيت لاهيا ايضا شمال القطاع، تم بناء مسجد على ارض حكومية كانت في طريقها لتصبح متنزها، مما اثار حفيظة الكثير من السكان، بيد انهم لم يستطيعوا فعل شيء خشية من ملاحقتهم ، حسب ما يقول ابو احمد الذي تأكد من كتابة اسمه وفق ما اشار، وهو من سكان المنطقة، ويضيف، “المجسد على ارض حكومية الان اصبح في مربع صغير 4 مساجد هل هذا هو الدين ، اعتقد ان عيادة طبية افضل من مسجد، ولو ترك متنزه للأطفال الذين يكثر عددهم كل يوم لكان افضل(…)لكن للآسف احيانا، قد تكون مصيبا ولكن لا تستطيع ان تؤثر لأنك خائف”. حسب ما يقول
وقبل نحو ثلاثة اسابيع تطورت مشادة كلامية داخل احد المساجد في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة الى تبادل لإطلاق النار بين كتائب القسام الجناح العسكري لحماس وسرايا القدس الجناح العسكري للجهاد، تبعها حملة اعتقالات من قبل شرطة حكومة غزة، وتم تطويق الحادث داخليا.
مسئول أوقاف حماس بغزة اسماعيل رضوان يقول ،ممتعضا من سؤاله عن الامر” هذه الاحداث لا يصح الحديث عنها في الاعلام، والتطرق لها، امر غير موزون”.حسب تعبيره
ويوضح رضوان الذي بدى منزعجا من تكرار الاسئلة حول حوادث اطلاق النار بين الحركتين ” مثل هذه الاشكاليات البسيطة هنا وهناك تحل في فترة وجيزة، لان العلاقة بين حماس والجهاد علاقة اخوة وطيبة”. وفق ما يقول
ويلفت رضوان القيادي بحركة حماس بالقول “لا يوجد أي تعقيب حول هذه الامور والحديث في هذه الامور غير مناسب، وانا صدقا لا اعلم عن هذه الحوادث او الاشتباكات او استخدام الاسلحة، نحن نبحث عن وحدة ابناء شعبنا والحديث عن هذه الامور اعتقد انه يضر بوحدة ابناء شعبنا”. وفق حديثه
وعن بناء مساجد على اراضي كانت مخصصة لاقامة متنزهات يقول رضوان انه “لا يعرف بان هناك مساجد اقيمت على اراضي مخصصة لغير ذلك “.
في مثل هذه الحالات يرفض قيادات حماس والجهاد التعليق عليها، او الاسهاب في الحديث فيها، بيد ان تبعاتها تبقى عالقة مع كل خلاف بات يتطور الى استخدام السلاح.
ومع تطور الخلافات في هذا الأمر يظهر مدى تصدع العلاقة الدعوية بين الحركتين وسوء التفاهم حول رعاية المساجد والتي تعد قاسما مشتركا للتعبئة التنظيمية في قطاع غزة..
قيادي في الجهاد سمى نفسه بابي عبدالله وهو من مدينة غزة “،”هناك عشرات الهجمات وتبادل لاطلاق النار، تمت للسيطرة على مساجد(..)مثلا في مدينة غزة حماس استولت بقوة السلاح، على 14 مسجد منذ 8 سنوات تقريبا”.حسب ما يقول
ويكمل حديثه ” لن اتحدث عن بعض التصريحات في هذا الصدد، وهو امر مزعج مؤرق وغير مقبول، ولكن تعاملنا مع الامر يختلف عن تعامل الكثير غيرنا، لاننا لا نؤمن بقاعدة سيطر بالقوة، حتى تكون”.
ويقول القيادي في حركة الجهاد الاسلامي خضر حبيب” صراحة هذا امر محزن ومؤسف للغاية، نحن لدينا ارشيف كامل عن الاعتداءات على المساجد من قبل الاخوة في حماس”.كما يقول
ويضيف حبيب نحن نقدم لهم (حماس) كل لقاء على المستوى السياسي والعسكري، احتجاج رسمي على الممارسات وهي بالعشرات، ونأمل ان يتم النظر فيها، نقدمها بصورة دورية ونحتج على هذه المخالفات التي تنفذها الشرطة وكتائب القسام، وعناصر محسوبة على حماس”.وفق ما يقول
ويكمل حبيب” نحن لا ننجر او نميل الى المواجهة المباشرة، بل ان درجة التحامل تكلفنا الدماء(..)لكن الجميع يعلم ان الجهاد الاسلامي بندقيته موجهة ضد الاحتلال وليس لغيره، حتى لو سقط ابناءنا بنيران صديقة …”
في تعليقه على ما سبق يقول الداعية الاسلامي الشيخ عبد العزيز عودة ان”المساجد ضرورية للامة ويذكر فيها اسم الله عز وجل، وهي فكرة عبقرية للإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يحرك المجتمع 5 مرات في اليوم” ، في اشارة الى الصلوات الخمس.
ولكن ما نحذر منه يتعدى مهمة المساجد “فهي للعبادة واطلاع الناس على امور الدين الاسلامي”، ويقول عودة ، “فمثلا لا يجوز ان يبنى المسجد على أرض للمسلمين مثل نادي او ملعب او مركز طبي، ولا يجوز ان تتحول المساجد الى مقار حزبية او تنظيمية او لطوائف واعراق، لان المساجد هي مؤسسات للامة بأكملها، نحن مع رفعة مكانة المساجد، ويجب ان نزيل ما يحيط بها من سوء”. وفق حديثه
ويضيف عودة الذي يؤم صلاة الجمعة بمسجد القسام شمال قطاع غزة” المساجد لها 3 مهام في الاسلام هي (العبادة والعلم والوحدة)، وليس لاحد ان يضع يده على المساجد الا لتحقيق هذه الاهداف، وأي تعطيل لهذه المسميات، مدان تماما، وبدعة قبيحة.”
ويشدد بالقول” وضع المساجد لا يعجبني، فمثلا لا اوافق على وضع رايات حزبية على اسطح المساجد ولا حتى على تحزيبها من خلال وضع المسجد تابع للجهة ج او د”. وفق توصيفه
ويستشهد الداعية الاسلامي الذي يعمل اكاديميا في جامعة الازهر في غزة، بقصة مأثورة فيقول”في احدى الأزمنة اختلف الناس على عدد ركعات صلاة التراويح في شهر رمضان ، فريق يريد ان يصلي 8 واخر 21 ، وكادوا ان يفتكوا ببعض (..) ذهبوا الى عالم جليل وذكي فقال لهم،(ارى ان يغلق المسجد لان صلاة التراويح سنة ووحدة المسلمين فرض). وختم بالقول “عندما يصبح المسجد بؤرة للتوتر والتشنج فقد انحرفنا عن الاسلام “.
تقرير أمد .