من المفيد، على المستوى الرمزي، أن تحضر «حماس» اجتماع الفصائل في القاهرة، تحت عنوان منظمة التحرير الفلسطينية. فنحن في حاجة الى مؤشرات في الاتجاه التوافقي، الذي تكون فيه الاختلافات في الرأي، ضمن الأطر الوطنية حسب قواعد الالتزام بالديموقراطية. لكن هناك خشية، أن يتخذ معطلو استعادة وحدة الكيان الفلسطيني، من موضوع تفعيل منظمة التحرير والتوجه الى انتخابات لمجلسها الوطني؛ أسباباً للعرقلة، لا سيما وأن موضوع المنظمة، يتعلق بخطوات تقوم على فرضيات. فالمأمول هو إجراء انتخابات لبرلمان المنفى مثلما كنا نسميه، أي المجلس الوطني الفلسطيني. لكن مثل هذه الانتخابات ستُجرى على فرض أن الدول المضيفة، مهيأة لمساعدتنا على هكذا خطوة، أو أن ظروفها تسمح، وهذا هو ما نحتاج الى وقت طويل لأخذ العلم به، مع وقت إضافي أطول، لعملية إعداد السجلات الانتخابية، وهذه عملية حبالها طويلة، وتختلف من بلد الى آخر، وتتداخل فيها مسائل كالجنسيات الأخرى للفلسطينيين والوضعيات الدستورية للناس في بلدان الشتات، وغير ذلك من الاعتبارات. قصارى القول، إن موضوع منظمة التحرير، يمثل مجالاً لعمل مديد تتخلله مصاعب وسجالات ومماحكات، وليس موضوعاً يمكن تنفيذه بسرعة وتُعرف مداخيله ونهاياته، لا سيما إن ظل وضع الانقسام على الأراضي الفلسطينية قائماً!
إن خير ما نستهل به العمل الوطني الديموقراطي، هو تنفيذ اتفاقات المصالحة، بهدف الشروع في عملية استعادة وحدة الكيان السياسي ومؤسسات الدولة الفلسطينية على الأرض. وهذا هو الإنجاز الذي يمكن البناء عليه، سواء لمنظمة التحرير الفلسطينية أو لاشتراع وتكريس القوانين، وتأطير العمل الوطني بقواعد دستورية تقوم عليها سلطة دولةٍ مهابة، تمثل الجميع.
وبالطبع، سيكون التوجه العاجل الى انتخابات رئاسية وتشريعية، عملاً في الاتجاه الصحيح، لأن نتائج هذه الانتخابات ينبغي أن تساعد على «ترميم» الإطار القيادي لمنظمة التحرير لريثما يُعاد بناء أطرها الأخرى، وفق الحقائق الجديدة في الشتات. فقد سئمنا صيغة العناوين والفصائل القديمة، وينبغي أن تساعد نتائج انتخابات «التشريعي» وفق لائحة تتوافق عليها الفصائل؛ في تحديد أحجام التمثيل والتواجد في «اللجنة التنفيذية» لمنظمة التحرير، كإطار قيادي للمنظمة. وسيكون للفصيل الذي يتجاوز نسبة الحسم الحق في الحصول على تمثيل في «اللجنة التنفيذية» بما يتلاءم مع تمثيله في «المجلس التشريعي»، ذلك على اعتبار أن الانتخابات في أراضي السلطة، ستعطي المؤشر التقريبي على الوزن التمثيلي للفصيل، ومن ثم يُصار الى تشكيل «اللجنة التنفيذية» المؤقتة، على هذا الأساس. بدون ذلك ستظل «اللجنة التنفيذية» عالقة الى أن تُذلل كل الصعاب أمام عملية إعداد السجلات وإجراء الانتخابات في الخارج. فمع الاحترام للجميع، إن وضع أمانة سر «اللجنة التنفيذية» الآن، لا يعكس أوزان التمثيل في المجتمع. بل إن بعض تفصيلات تشكيلة اللجنة وعضويتها، تخالف لائحتها مخالفات طال أمدها، وليس أدل على الجدية في التغيير السياسي الشامل، من إعادة صياغة «التنفيذية» بعد الإعلان عن نتائج «التشريعي» لكي يُستكمل المشوار على الأقل بالصيغة المؤقتة!
* * *
بعد اتفاقات أوسلو، مررنا بأوقات لم يكن فيها هناك نصاب للإطار القيادي للمنظمة، إذ كان مجموع الغائبين دائما، والمتوفين والممتنعين عن الحضور، والطاعنين في السن، يُخل بالنصاب. ثم إن لائحة «اللجنة التنفيذية» تشترط أن يكون عضوها متفرغاً لعضويته ولا يؤدي عملاً وظيفياً آخر، فما بالنا عندما يكون عملاً ثقيلاً. إن أول الخطو، هو أن نتعود على الالتزام باللوائح والقوانين. فالقضية الفلسطينية، والسياسة التي نخوض في معتركها، لم تدع لنا ساعة من الفراغ، لكي نقبل بأن يكون الإطار القيادي لمنظمة التحرير، أقل تمتعاً بالوزن التمثيلي.
بقي القول، إن من يراهنون على إعادة بناء «المنظمة» هم أول من يعلمون أن المسألة لا تعدو كونها عملية تجميع للرأي العام الفلسطيني في الشتات بالقدر المتاح، إبرازاً لخياراته الانتخابية. فمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية قبل أوسلو، ظلت دائماً مرتبطة بالصيغة التي كانت عليها علاقات القيادة الفلسطينية مع الدول المضيفة. وهذه علاقات تغيرت طبيعتها أو صيغتها الآن، ليصبح ما يتوجب البناء فيه وعليه، هو مؤسسات الدولة الفلسطينية، التي ستتعزز خلال مراحل ما قبل بسط السيادة؛ بتمثيل حقيقي لشعبها في الداخل والخارج. فلنتنبه الى هذا المنحى الإجباري، لكي لا تضيع الكيانية الوطنية المتاحة، بجريرة تفعيل وبناء «المنظمة»!
الحياة الجديدة .