غزة / قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته اليوم إن الفلسطينيين يواجهون انتهاكات جسيمة في نظام العدالة الجنائية التابع لححكومة المقالة “حماس”، تشمل التوقيف التعسفي، والحبس بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب، والمحاكمات غير العادلة. قامت حماس، منذ سيطرتها على غزة في 2007، بإعدام ثلاثة رجال على أساس “اعترافات” منتزعة تحت التعذيب على ما يبدو.
ويوثّق التقرير المكون من 43 صفحة، “نظام للانتهاكات: العدالة الجنائية في غزة”، يوثق انتهاكات واسعة النطاق ترتكبها أجهزة المقالة الأمنية، تشمل الاعتقال بدون تصريح، والامتناع عن إبلاغ العائلات سريعاً بمكان المحتجزين، وإخضاع المحتجزين للتعذيب. كما يوثق أيضاً انتهاك حقوق المحتجزين من قبل النيابة والمحاكم. كثيراً ما تقوم المحاكم العسكرية بمحاكمة مدنيين، في مخالفة للقانون الدولي. وكثيراً ما تحرم النيابة المحتجزين من التواصل مع محام، كما أخفقت المحاكم في تدعيم حق المحتجزين في إجراءات التقاضي السليمة في حالات التوقيف بدون تصريح والاستجواب المصحوب بالإساءة، كما اكتشفت هيومن رايتس ووتش.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “بعد خمس سنوات من حكم حماس في غزة، تنبعث من نظام العدالة الجنائية فيها رائحة الظلم، كما أنه ينتهك حقوق المحتجزين بشكل روتيني، ويمنح أجهزة الأمن المسيئة حق الإفلات من العقاب. على حماس أن توقف ضروب الانتهاكات التي خاطر المصريون والسوريون وغيرهم في المنطقة بحياتهم لإنهائها”.
وقالت هيومن رايتس ووتس:” إن سلطات حماس أخفقت في التحقيق مع المسؤولين الأمنيين المسيئين وملاحقتهم جنائياً، ومنحت بالممارسة حصانة من الملاحقة لمسؤولي جهاز الأمن الداخلي بوجه خاص”. وعلى حماس أن تجري إصلاحات عاجلة في نظام العدالة الجنائية في غزة، لإنهاء أعمال التوقيف التعسفية، وضمان تواصل المحتجزين سريعاً مع المحامين، وإنهاء محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية، ومحاسبة المسؤولين الأمنيين الذين يرتكبون المخالفات، كما قالت هيومن رايتس ووتش. أما إعدام الأشخاص الذين تم الحصول على اعترافهم تحت التعذيب فهو يمثل إشارة واضحة للسلطات بضرورة فرض حظر فوري على عقوبة الإعدام، إن لم يكن إلغاءها. ينبغي على سلطات حماس أيضاً أن تحقق سريعاً، وبحياد وتدقيق، في كافة المزاعم القابلة للتصديق الخاصة بالتعرض لإساءات أثناء الاحتجاز”.
وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ضحايا للانتهاكات وعائلاتهم، ومع محامين وقضاة وبعض جمعيات حقوق الإنسان في غزة، وراجعت ملفات القضايا وأحكام المحاكم. وقد أفاد شهود بأن جهاز الأمن الداخلي، ووحدة المخدرات التابعة لقوة الشرطة المدنية، ومحققي الشرطة، كلهم يعذبون المحتجزين.
وأفادت “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان”، وهي جمعية حقوقية فلسطينية غير تابعة لأحزاب، تقوم أيضاً بمراقبة انتهاكات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، أفادت بتلقي 147 شكوى تعذيب على يد هذه القوات الثلاث التابعة لحماس في عام 2011 وحده.
في إحدى الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، في أغسطس/آب 2008، قام أفراد الجناح المسلح لحماس المسمى كتائب القسام باعتقال وتعذيب عبد الكريم شرير في موقع غير معروف لمدة 3 أسابيع قبل نقله إلى عهدة الشرطة، كما قالت عائلته ومحاموه لـ هيومن رايتس ووتش. قامت النيابة العسكرية بإحالة شرير إلى وكالة الأمن الداخلي، حيث عذبه المحققون مرة أخرى ومنعوه من رؤية عائلته بالأسابيع، حسب أقوال العائلة والمحامين. قالت والدة شرير إنها حين تمكنت من رؤيته أخيراً كانت الكدمات تعلو وجهه وساقيه، وقدماه متورمتين، وعلى يديه وذراعيه آثار الحبال، وعلى صدره علامات الحرق.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن النيابة اتهمته بالتعاون مع إسرائيل، على أساس جزئي من اعترافات يبدو أنها تمت بالإكراه وتحت التعذيب. وقال محاميه إن شرير في أثناء جلسات المحكمة العسكرية في قضيته كانت تظهر عليه كدمات وندوب ظاهرة، ويعاني من سلس البول. ومع ذلك لم تتعامل المحاكم العسكرية مع ادعاءات شرير الخاصة بالتعذيب على النحو الكافي، واعتبرت أن توقيفه واحتجازه التعسفيين خضعا “للتصحيح” بأثر رجعي حين نقلته كتائب القسام إلى عهدة الشرطة.
وتم إعدام شرير في مايو/أيار 2011 رمياً بالرصاص. قالت والدته إن سلطات حماس منعت العائلة من دفنه، وأن الشرطة ضربتها حين حاولت احتضان جثمانه في أثناء الدفن.
في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش في 26 سبتمبر/أيلول، قال نائب مدير جهاز الأمن الداخلي في المقالة، محمد لافي، إن الجهاز به قسم للشكاوى يتعامل مع مزاعم الانتهاكات، لكنه لم يحقق في حالة شرير لأنه لم يتلق شكوى مكتوبة. كانت هيومن رايتس ووتش قد نشرت توثيق القضية في مايو/أيار 2011 وطلبت من السلطات معلومات إضافية في يوليو/تموز 2012، لكنها لم تتلق رداً.
في الحالات التي فحصتها هيومن رايتس ووتش، لم يرفض القضاء العسكري أية قضية جنائية بحق المحتجزين بسبب انتهاك حقوق إجراءات التقاضي السليمة، كما تجاهل أو أخفق في التحقيق في مزاعم المحتجزين بتعرضهم للتعذيب. وثقت هيومن رايتس ووتش حالتين أخريين قامت حماس فيهما بإعدام سجينين حكمت عليهما السلطات القضائية دون مراجعة كافية لمزاعم ذات مصداقية تفيد بأن إدانتهما استندت إلى أدلة منتزعة تحت التعذيب.
وقال ثلاثة من محاميي الجنايات لـ هيومن رايتس ووتش إنهم تعرضوا هم أنفسهم للتوقيف التعسفي على يد أجهزة حماس الأمنية، وقال اثنان إنهما تعرضا للإساءة والتعذيب في أثناء الاحتجاز.
وسمحت سلطات غزة لمدراء ثلاث جمعيات حقوقية فلسطينية بالدخول خصيصاً إلى المحتجزين في السجون وفي مقار احتجاز الأمن الداخلي. وقالت :”على حماس أن تتبع هذه الخطوة الإيجابية بالعمل على ضمان تواصل المحتجزين العاجل مع محامييهم، وبتقنين تواصل جمعيات حقوق الإنسان مع المحتجزين والتوسع فيه. ينبغي لسلطات غزة أيضاً أن ترفع الحظر المفروض على تواصل المحتجزين مع “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان”، التي كانت سلطات حماس قد حظرتها بدعوى الانحياز.
وحسب التقرير “يزعم مسؤول الحكومة المقالة أنهم أخضعوا مئات الأفراد من الأجهزة الأمنية لإجراءات تأديبية على الانتهاكات، منذ وصول الحركة للسلطة في 2007، لكن حماس لم تنشر أية تفاصيل عن المسؤولين المعنيين أو في حالات كثيرة، أية معلومات عن الانتهاكات والعقوبات المقصودة. في مقابلات تمت في غزة من 24 وحتى نهاية 26 سبتمبر/أيلول مع مسؤولين من وزارات الخارجية، والعدل، والداخلية، دعت هيومن رايتس ووتش السلطات إلى نشر معلومات قابلة للتحقق منها عن المحاسبة على الانتهاكات.
وعلى ما يبدو، كان معظم الخاضعين للإجراءات التأديبية من قوة الشرطة المدنية. قال المسؤولون في غزة لـ هيومن رايتس ووتش إن أفراد الأمن الداخلي تعرضوا لإجراءات تأديبية في بضعة قضايا. قال المسؤولون جميعاً إنهم لم يسمعوا بأية ملاحقة جنائية لمسؤول في الأمن الداخلي، رغم المزاعم المتكررة بانتهاكات جسيمة.
وقال محمد لافي، نائب مدير الأمن الداخلي، إن أربعة من ضباط الأمن الداخلي خضعوا لخفض الرتبة بمقدار رتبة أو نصف رتبة ونقلوا إلى أماكن أخرى بعد وفاة نهاد الدبكي أثناء الاحتجاز في فبراير/شباط 2009. توصل تحقيق داخلي إلى أن الدبكي مات بسبب البرد وسوء حالته الصحية، كما قال المسؤولون. لكن تحقيقات “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” في ذلك الوقت قررت أن عامليها الميدانيين لاحظوا “علامات تعذيب واضحة” على جثة الدبكي.
في حالة أخرى، مات عادل رازق في عهدة الأمن الداخلي في أبريل/نيسان 2011. قال لافي إن جهاز الأمن الداخلي قام بعد التحقيق بفصل مسؤول تجاوز حدود سلطته بصفع رازق على وجهه لإفاقته بعد أن سقط على مقعد وجرح نفسه. لكن أفراد العائلة قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن جثة رازق كانت بها كدمات على الرأس والساقين، وكسور بالضلوع، وأنه اعتقل دون تصريح، وأنهم عجزوا عن مقابلته في أثناء الاحتجاز.
وقال محتجزون سابقون زعموا التعرض للتعذيب على يد الأجهزة الأمنية، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يأسوا من تحقيق العدالة. وبدا على عدد منهم الخوف من وصف ما حدث لهم في أثناء الاحتجاز، حتى رغم اشتراط إبقاء هوياتهم سرية. قال بعض الرجال إنهم احتاجوا إلى رعاية طبية بسبب التعذيب وسعوا إلى استصدار شهادات طبية كأدلة على تعرضهم للتعذيب، لكن مسؤولي المستشفيات رفضوا تزويدهم بها.
وقال التقرير :”تقوم منافِسة حماس في الضفة الغربية، السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها منظمة فتح، باعتقال الفلسطينيين واحتجازهم تعسفياً، بمن فيهم أعضاء حماس أو المتعاطفين معها، كما تخضِع المحتجزين للتعذيب والانتهاكات على نفس النحو. وتبقى الخصومة السياسية فيما بين الفلسطينيين من أهم العوامل المسؤولة عن انتهاكات حماس لحقوق المحتجزين في غزة، كما اكتشفت هيومن رايتس ووتش.
واضافت ان بعض قضايا الانتهاكات الموثقة في غزة كانت بحق أفراد تم احتجازهم لشبهة التعاون مع إسرائيل أو مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. التعاون جريمة خطيرة في القانون الفلسطيني، لكن الاشتباه في التعاون لا يبرر التعذيب أو غيره من الانتهاكات.
وتتفق النتائج التي توصلت إليها هيومن رايتس ووتش أيضاً مع تقارير متزايدة عن انتهاكات القوات الأمنية في غزة لحقوق المحتجزين المتهمين بجرائم غير سياسية، بمن فيهم المتهمين بجرائم المخدرات والاحتيال.
وقال محاميو حقوق الإنسان في غزة إنهم واصلوا تلقي نفس النوعية من مزاعم الانتهاكات من الضحايا، منذ إعلان حماس وفتح عن مصالحة سياسية في مايو/أيار 2011.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الممارسات المسيئة التي ترتكبها اجهزة الامن في غزة تتحدى معايير حقوق الإنسان التي تعهدت حماس بكفالتها. كما أن هذه الممارسات تخالف القانون الفلسطيني الذي يلزم الشرطة بالحصول على أوامر توقيف وتفتيش قضائية، ويحظر التعذيب واستخدام الأدلة المنتزعة بالتعذيب.
ونشأت حماس عن الجناح الفلسطيني للإخوان المسلمين، وقالت هيومن رايتس ووتش إن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي تقبض ذراعها السياسية على رئاسة البلاد، ينبغي أن تضغط على قادة حماس لإنهاء تلك الأنواع من الانتهاكات، بما فيها الاحتجاز التعسفي والتعذيب، التي عانوا منها هم أنفسهم في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
وقال جو ستورك: “ثمة أدلة وفيرة على أن الأجهزة الأمنية في غزة تعذب المحتجزين وتفلت من العقاب، وتحرم السجناء من حقوقهم. على سلطات غزة أن تكف عن تجاهل الانتهاكات وتضمن احترام نظام العدالة لحقوق الفلسطينيين”.
قالت داخلية حماس إنها تنظر إلى تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر اليوم ،الدولية لحقوق الإنسان والمتعلق بالحديث عن تجاوزات أجهزة أمن حماس وداخليتها في قطاع غزة والمتعلقة بعمليات الاعتقال والتوقيف أنه تقرير سياسي بامتياز.
وأضافت داخلية حماس التي يترأسها فتحي حماد ، أن “التقرير لم يتطرق للحديث عن الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية في الضفة ضد أبناء شعبنا حيث يوجد مئات المعتقلين السياسيين، بما يدلل على ان تقرير هيومن رايتس ووتش سياسي بامتياز وغير متوازن”.
واوضحت أن “القضايا التي ذكرت في التقرير رغم أنها غير دقيقة هي قضايا مضى عليها فترة من الزمن ونتساءل لماذا تثار الآن وفي مثل هذا التوقيت؟”.
ونفت داخلية حماس وجود تعذيب في السجون التابعة لها، قائلة “خير دليل على ذلك ما تقوم به مراكز حقوق الإنسان من زيارات متكررة باستمرار لكل السجون، ثم إننا في وزارة الداخلية لدينا أكثر من عشر هيئات رقابية خاصة بنا تراقب عمل المحققين وإجراءات التوقيف”.
وأوضحت أن كل القضايا التي تم عرضها على محاكم القضاء العسكري لأشخاص عسكريين ووفقاً للقانون الفلسطيني، مؤكدة ان “هناك تجنّ كبير على نظام الحكم في غزة من خلال مقارنتكم له بالنظام المصري السابق والسوري ولا وجه للمقارنة حيث أننا نرى أن هذا موقف سياسي بامتياز لا يجب أن يأتي من منظمة حقوقية دولية”.
وتابعت “فيما يتعلق بجهاز الأمن الداخلي نؤكد أن مراكز التوقيف الخاصة به مفتوحة أمام مراكز حقوق الإنسان جميعها وعناصر الأمن الداخلي هم جزء من منظومة الأمن التابعة لوزارة الداخلية يسري عليهم ما يسري على غيرهم من الأجهزة الأمنية الأخرى من المحاسبة والمتابعة”.
وبخصوص قضايا الإعدام قالت داخلية حماس “انه ورغم قلتها إلا أنها تأخذ الوقت الكافي في الاستئناف ونكون سعداء ببراءة أي إنسان بدلاً من إدانته وفيما يتعلق بإلغاء قانون الإعدام فهو نص قانوني فلسطيني”.
وبشأن سوء المعاملة في الاحتجاز أوضحت “أن عملية الاحتجاز تتم وفق الإجراءات القانونية ومن يقوم بالتجاوز فإنه يعرض نفسه لمساءلة القانون”، أما بشأن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان فقالت إنها “لا ترى إلا بعين واحدة وهناك دلائل كثيرة فهي جهة سياسية تتبع لسلطة فتح، ونحن حاولنا كثيراً الجلوس معها ليكون العمل مهنياً إلا أنها تأبى إلا الانحياز”.
وأوضحت داخلية حماس “اننا تهتم بكل شكوى تصل إلينا، ولدينا العديد من جهات استقبال الشكاوى التي تم بناء عليها محاسبة العديد من أفراد الأجهزة الأمنية نتيجة لتجاوزهم بعقوبات الطرد والفصل ومنهم من تم تنزيل رتبته أو اعتقاله أو الحسم من راتبه والجهة المشتكية تكون على اطلاع كامل بنتائج التحقيق والعقوبات الصادرة.