“جسر اللنبي”، عند افتتاحه في العام 1918سائد أبو فرحة – السفر /“جسر الشيخ حسين” هو السبيل الوحيد المتاح أمام مواطني الضفّة إلى خارج فلسطين، ويحلو للفلسطينيين تسميته بمعبر “الكرامة” أحياناً. والأردن هي بمثابة بوابة الضفّة إلى العالم، بوابةٌ تفتح من الثامنة صباحاً حتى العاشرة والنصف صباحاً يومي الجمعة والسبت، بينما يمتد العمل فيها في بقية الأيام من الثامنة صباحاً حتى منتصف الليل.. باستثناء الأيام التي تقرر فيها سلطات الاحتلال تخفيض ساعات عمل المعبر بسبب الأعياد اليهودية أو غيرها.
تعددت الروايات حول سبب تسمية الجسر، لكن المرجّح في الروايات التاريخية أن التسمية تعود إلى وجيهٍ ينحدر من عائلة اقطاعية، اسمه حسين عبد الهادي الشقران، كان له دورٌ بارز في مقاومة الأتراك خلال القرن التاسع عشر.
يقع الجسر الذي يربط ما بين الضفّة والأردن، فوق نهر الأردن، ويبعد مسافة خمس كيلومترات عن أريحا في وسط الضفة، و60 كيلومتراً عن العاصمة الأردنية عمّان. وقد كان الجسر خشبياً، قبل أن يصبح حديدياً، ثم اسمنتياً.
“جسراً خشبياً” في 1885
تشير بيانات تاريخية إلى أن الدولة العثمانية هي التي بنت الجسر الأصلي في العام 1885، تحت إشراف “متصرفية القدس الشريف”. وقد كان حينها مصنوعاً من الخشب، وقد مُني في العام 1897 بأضرارٍ بالغة إثر تعرّضه لفيضان. خلال الحرب العالمية الأولى، كان مصيره التدمير، فأعادت بريطانيا بناءه باستخدام الخرسانة بعد سيطرتها على المنطقة في العام 1918، وأطلقت عليه اسم “اللنبي”، تيمناً باسم الجنرال البريطاني ادموند اللنبي.
ووفق البيانات ذاتها، فإن الجسر تعرض لانهيارٍ مفاجئ سببه زلزالٌ ضرب المنطقة في العام 1927، ليعاد تأهيله بعدها من جديد.
وتم استخدام الجسر في نقل السلاح والمؤن. لذا، لم يكن مستغرباً قيام عصابة “بلماح” الصهيونية بتفجيره في 16 حزيران 1946، ليتم ترميمه مجدداً من قبل البريطانيين.
وقد دمّر الجسر مجدداً خلال حرب العام 1967، ليعاد بناؤه من جديد العام 1968 من الحديد بشكل مؤقت، قبل أن يتم تحديثه إثر معاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية، ليصبح على هيئته الحالية.
ويشير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى أنه بعد انقضاء 6 أشهر على بدء الاحتلال الإسرائيلي للضفّة وقطاع غزّة، افتتح المعبر بتاريخ 11-12-1967، بموجب الأمر العسكري رقم (175)، الذي سمي: “أمر بشأن محطة انتقال”.
ونص الأمر العسكري على أنه “يجوز لـوزارة وشرطة اسرائيل أن تقيما بالقرب من جسر اللنبي على نهر الأردن، محطة تتم فيها معاملات التصريح والتفتيش بصدد كل راغب في الانتقال من الضفة الشرقية لنهر الأردن بقصد الوصول إلى دولة اسرائيل، أو الانتقال من دولة اسرائيل إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن”.
وبحسب تقريرٍ صدر عن المرصد في العام 2011 حول “انتهاك السلطات الإسرائيلية لحق فلسطينيي الضفّة الغربية بالسفر إلى الخارج”، فقد صدر في وقتٍ لاحق أمرٌ عسكري رقمه (466)، أضاف معبراً يسمّى “دامية” إلى جسر “اللنبي”، ليكون معبراً تجارياً فقط، يتم من خلاله تصدير المنتجات إلى الأردن.
يحق لها ما تشاء
في العام 1993، أي عقب اتفاقية “أوسلو” التي وقعت بين “منظمة التحرير الفلسطينية” ودولة الاحتلال، حصلت السلطة الوطنية الفلسطينية، بموجب الاتفاقية، على حق ممارسة إشرافٍ جزئيّ على معبرَي “رفح” في قطاع غزّة و”الكرامة” في الضفّة، وأصبح من حق السلطة إصدار جوازات السفر لمواطني الضفّة والقطاع. لكن، بقيت إسرائيل هي المسؤولة النهائية عن إدارة المعابر والإشراف عليها، وبقيت بطبيعة الحال صاحبة الكلمة العليا في التحكّم بحريّة تنقّل المواطنين، وعودتهم من الخارج.
وبموجب الاتفاقية، أبقت إسرائيل لنفسها الحق بتفتيش المسافرين والأمتعة، والتحقيق مع المسافرين من دون التنسيق مع الجانب الفلسطيني، كما الحق بمنع السفر، أو ارجاع، أو اعتقال من تريد.
ويؤكد “الأورومتوسطي” أن “السلطات الاسرائيلية تعمد سنوياً إلى منع سفر آلاف الفلسطينيين عبر معبر الكرامة الحدودي، الذي يقع تحت السيادة الإسرائيلية، ويترافق هذا المنع في كثير من الأحيان مع ممارسة تصنف بالمذلة، تتمثل بالتفتيش الدقيق والعاري أحياناً، والتحقيق، والانتظار لساعات طويلة ضمن ظروف صعبة، وعدم تقديم إيضاحات أو اجابة استفسارات الممنوعين حول سبب إرجاعهم ومنعهم من السفر، والاكتفاء بعبارة الأسباب الأمنية”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن انتهاك حق حرية السفر والتنقل، ينسحب على جملة من الانتهاكات التي تمسّ بشكل مباشر حقوقاً مدنية أساسية، مثل تعطيل الحق بالعلاج والتعليم، والعمل، وأداء الشعائر الدينية، واللقاء بالأهل، لافتاً إلى محاولة جهاز المخابرات الإسرائيلي استغلال حاجة أعداد من المواطنين للسفر من أجل محاولة ابتزازهم للتعاون استخبارياً، أو توقيعهم على وثائق تسقط حقهم بالعودة مجدداً إلى مدنهم وقراهم داخل الأراضي الفلسطينية.
وقدر عدد الحالات التي تم منعها من السفر خلال العام 2011 وحده، بما لا يقل عن 4000 حالة.
في المقابل، فإن بعض المسؤولين في السلطة يسافرون في سياراتهم، بينما يسافر مسؤولون آخرون ورجال أعمال وديبلوماسيون وفئات أخرى محدودة في مركبات معينة “ميني – باص”، مخصصة لـ”الشخصيات الهامة جداً” (“في.اي.بي”).
من الضفّة إلى الأردن
عموماً، تبدو العقبات التي يواجهها المسافر “الضفّاوي” باتجاه الأردن أكثر بكثير من تلك التي يصادفها نظيره الوافد إلى الضفّة، رغم أن الاثنين يسلكان الخط ذاته، عبر ثلاث محطات تابعة للأطراف الفلسطينية، والأردنية، والإسرائيلية.
يمرّ المسافرون من الضفّة عبر استراحة أريحا، وسميت بذلك نظراً لكون الاستراحة متواجدة في مدينة “أريحا” الفلسطينية. وتضمّ الاستراحة عدة مبانٍ مشيّدة على مساحة 70 دونماً. من ضمن هذه المباني، يحضر مبنى المغادرين الذي يحوي قاعة فيها مئات المقاعد يجلس إليها المسافرون ولكل منهم رقم (“دور”). فيدفع ضريبة مغادرة تصل قيمتها إلى 44 دولاراً، يحصل الجانب الإسرائيلي على النسبة الأعلى منها، بينما تذهب البقية لموازنة السلطة. إلى هذا المبلغ، يدفع كل من المسافرين نحو 3 دولارات كرسم للحافلة التي ستقلهم في بداية الرحلة.
وفي حال فقدان القسيمة التي تؤكد أن المسافر دفع الضريبة، سيكون ملزماً بشراء قسيمة أخرى عند وصوله الجانب الاسرائيلي. إذ لا يمكن لأيّ مسافر باتجاه الأردن استقلال الحافلة، وهي وسيلة النقل الوحيدة المتاحة للمواطنين العاديين، من دون دفع هذه الضريبة.
بعد ركوب الحافلة الأولى من الاستراحة، تكون المحطة الأولى عند الطرف الاسرائيلي. ولكن، قبل الوصول إليها، ينزل المسافرون من الحافلة ليخضعوا لتفتيشٍ أوليّ “إلكتروني”. بعد التفتيش، ينتقل المسافرون إلى حافلة أخرى تتولى هي مهمة نقلهم إلى المحطة الإسرائيلية. عند بوابة المحطة الإلكترونية، وقبل عبورها، تنتظر الحافلة التي يقودها فلسطينيّ ساعات طويلة بلا سبب واضح أو معلن لذلك.
في المحطة، يفتّش المسافرون مجدداً الكترونياً، قبل أن تخضع أوراقهم (جواز سفر، قسيمة ضريبة المغادرة) للتدقيق. بعد التدقيق، تتولى حافلة آتية من الجانب الأردني مهمة نقلهم إلى محطة “كراجات عبدو”. وهي تسمى كذلك نسبةً إلى شركة الحافلات الأردنية العاملة في المكان. والنقطة عبارة عن ساحة كبيرة تتوسطها رفوفٌ حديدية مخصّصة لحقائب المسافرين، التي تسبقهم عادةً إلى المكان.
وبعد دفع مبلغ ثلاثة دولارات في المنطقة كبدل رسوم نقل، يستقل المسافرون حافلة أخيرة تتولى نقلهم عبر “الشيخ حسين” إلى الجانب الأردني، حيث يجري التدقيق في أوراقهم مجدّداً. وبعد ختمها، يصبح بمقدورهم دخول الأردن.. بعد دفع ضريبة قيمتها 10 دنانير (14 دولاراً)، يعفى منها حملة الجواز الدبلوماسي، وهم عادة من المسؤولين في السلطة، أو العاملين في وزارة الشؤون الخارجية والسفارات.
.. أما من الأردن إلى الضفّة
يمرّ الوافدون إلى الضفة بالمحطات ذاتها، مع فارق على مستوى الإجراءات ونقاط توقّف الحافلة التي تبدو أقل. كما تغيب كلفة ضريبة المغادرة عن مشوارهم، ما يجعله أقل ثمناً… بيد أن ذلك لا يعني أن كل شيء سيسير بالضرورة بسلاسة وسهولة.
كثيراً ما يتم إيقاف المسافرين في منطقة تتبع لسيطرة الجانب الإسرائيلي، حيث يؤمرون بالنزول من الحافلة، صيفاً أو شتاءً لا يهمّ، ويؤتى بالكلاب البوليسية لتفتش الحافلة. وإذ يمكن للإجراء أن يبدو ثقلاً أمنياً لا أكثر، فإن ما حصل في العاشر من آذار الماضي كان شاهداً على أن هذا الاجراء يمكن أن يدفع بالأمور إلى منحى تذهب ضحيته حياة إنسان.
في ذلك اليوم، استشهد المواطن الثلاثينيّ رائد زعيتر، وهو قاضٍ أردنيّ من أصلٍ فلسطينيّ كان في طريقه إلى الضفّة. وقد استشهد بعدما أطلق عليه عدّة جنودٍ اسرائيليين النار.
وأبرز تقرير أصدرته مؤسسة “الحق” عن ظروف استشهاد زعيتر، تفاصيل “صادمة” إلى حدّ كبير، تفضح مدى استهتار جنود الاحتلال بحياة هذا المواطن.
وروت المؤسسة في تقريرها عن وصول الحافلة الوافدة من الأردن إلى نقطة التفتيش هذه عند الثامنة والنصف صباحاً، فتم التفتيش، “وعند السماح للمسافرين بالعودة إلى الحافلة، وبدء الركاب بالصعود إليها، كان القاضي زعيتر يقف قرب مقدمة الحافلة، وكان هناك شخص آخر أيضا يقف بالقرب من الباب الخلفي للحافلة، وكانا يدخنان السجائر. كما كانت هناك سيدة مع طفل تنتظر انتهاء طفلها الآخر من استخدام مرافق المياه، بحيث كان البالغون الثلاثة بالإضافة إلى الطفلين آخر الركّاب المتبقين من مجموع ركاب الحافلة”.
وأضاف تقرير “الحق”: “عندما أصبحت السيدة بمحاذاة باب الحافلة، وعلى بعد نحو متر واحد من القاضي زعيتر، دفعه الجندي الذي قام بجولة التفتيش في الحافلة لتأخره عن الصعود، فردّ القاضي بدفع الجندي عنه، وتعارك الجندي والمسافر للحظات وقوفاً. مباشرةً، اقترب جنديان آخران من الجندي الثالث، وقام ثلاثتهم بدفع زعيتر إلى جهة الشارع ورموه على الأرض أمام الحافلة، وتراجعوا يراقبونه. نهض القاضي عن الأرض، وأخذ بالصراخ بينما يداه مرفوعتان إلى أعلى، متذمراً من إهانته، وتقدّم باتجاه الجنود. (…) في هذه اللحظة، كما أفاد شهود العيان، صوّب الجنود أسلحتهم باتجاه القاضي الذي كان يبعد عنهم ما بين 3 -4 أمتار تقريباً، وسمع إطلاق رصاصة واحدة، تلتها ثلاث رصاصات أخرى نحو القاضي الذي اهتز جسده من الرصاص، وكان جسمه يتراجع مع كل إطلاقٍ للنار عليه حتى سقط على الأرض”.
وتابع التقرير: “في هذه اللحظات، دخل سائق الحافلة إليها وأغلق الأبواب. وبعد فترة قليلة، تقدم أحد الجنود الإسرائيليين من سائق الباص الأردني، وطلب منه إبلاغ المسافرين بالنزول من الحافلة. تم إجبار الرجال والشبان على الانبطاح على الأرض ووجوههم نحوها، وأخضع الجميع للتفتيش الجسديّ، وتم تفتيش النساء وقوفاً، كما تم تحسّس أجساد الفتيات، لا سيما الأرجل. وأحياناً، كان يطلب من السيدات فتح الجاكيت. بعدها، أمر الجنود الركاب بالصعود مرة ثانية إلى الحافلة”.
ولفتت المؤسسة الحقوقية إلى أن جثة زعيتر بقيت ملقاة على الأرض، ولم تتم محاولة اسعافه أو تفحصه ومعرفة مصيره، إلا بعد مرور فترة من الزمن ـ لم يشر إلى مدتها التقرير-، الأمر الذي اعتبرته استهانة بحياة هذا المواطن.
وفي حادثة أخرى، وقعت العام الماضي وجد رسام الكاريكاتير محمد سباعنة (36 عاماً ـ من قرية “قباطية” في شمال الضفّة) نفسه عرضة للاعتقال في ختام زيارة للأردن دامت ثلاثة أيام.
وروى سباعنة، أنه بتاريخ 16-2-2013، وأثناء عودته إلى الضفة، تم إيقافه من الجانب الإسرائيلي، حيث تم التحقيق معه عدة ساعات، قبل أن يبلغه ضباط اسرائيليون بأنه رهن الاعتقال. وقال: “لم أعرف سبب اعتقالي في البداية، لكنني عرفت لاحقاً أن تواصلي مع صديقٍ لشقيقي في الأردن، كان يفترض أن يرسل كتباً معي له، هو السبب، لأنهم اعتبروا اتصالي بهذا الشخص بمثابة تواصل مع جهات معادية، فحكم علي بالسجن خمسة أشهر”. وأضاف: “الناشطون الفلسطينيون في أيّ مجال، معرضون للتوقيف والاعتقال وأشكال مختلفة من الضغوط”.
الأيام غير العاديّة
تلك هي اليوميات العادية على معبر الشيخ حسين. لا شيء فيها يفيض عن المتوقع، فالفيض يبقى حكراً على الأيام الأمنية الاستثنائية. فبعد اختفاء المستوطنين الثلاثة بالقرب من الخليل جنوب الضفّة خلال حزيران الماضي، ومع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، عمدت قوات الاحتلال إلى اتخاذ سلسلة من التدابير التي صنفت كعقابٍ جماعيّ بحق الشعب الفلسطينيّ.
وشملت هذه الإجراءات منع أهالي الخليل من السفر إلى الأردن لفترة امتدت نحو ثلاثة أسابيع، قبل أن يشمل المنع آلافاً من المواطنين المقيمين في المدن الفلسطينية الأخرى.
واعترفت الصحافة الإسرائيلية إلى حد ما بهذا الإجراء غير المعلن، وتحديداً صحيفة “هارتس”، وأفادت بأن سلطات الاحتلال، خلال أشهر حزيران وتموز وآب 2014، حظرت سفر الواردة أسماؤهم على قائمة مكوّنة من 27 ألف إسمٍ فلسطينيّ، من دون الإعلان عنها، ومن دون إبداء السبب.
وأوردت “هآرتس” أرقاماً تفيد بأن العام 2013 شهد منع 1266 فلسطينياً من السفر من أصل 700 ألف غادروا إلى الخارج، في حين مُنع في شهر تموز الماضي وحده 1463 شخصاً من مجموع 68 ألفاً غادروا الضفّة. وفي الأسبوع الأول من شهر آب، تم منع 924 شخصاً، من أصل 28347 مسافراً.
وحدّدت “هآرتس” أن أغلب الممنوعين من السفر هم من فئة الأكاديميين والطلاب والعاملين في الخارج، الذين جاؤوا لقضاء الإجازة الصيفية بين ذويهم، مضيفة: “عند محاولتهم السفر، تم إخبارهم بمنعهم من السفر لأسباب أمنية، وأن عليهم مراجعة الإدارة المدنية أو مكتب الارتباط الفلسطيني لمعرفة موعد رفع الحظر عنهم”. وأكملت الصحيفة الإسرائيلية استقصاءها موضحة أن المستفسرين تبلغوا بأنّ المنع واقعٌ لغاية الأول من آب. وعند مراجعتهم السلطات الإسرائيلية مع حلول الأول من آب، تم إبلاغهم بأن المنع مستمر لغاية الأول من أيلول.
وأكّد أحد العاملين في الاستراحة الفلسطينية لـ”السفير” أن القرار الإسرائيلي بـ”المنع المؤقت” انتهى من دون أن يتم الإعلان عن ذلك رسمياً، لافتاً إلى أن المسألة استهدفت الطلبة والعاملين في الخارج تحديداً، في ما بدا كمحاولة إضافية للعن حياة الفلسطينيين.
عاديّ الأيام يضيق
لفت مدير شرطة “معبر أريحا” المقدّم مصطفى دوابشة إلى أن سلطات الاحتلال منعت منذ 14 حزيران 2014 وحتى أواخر آب الماضي، نحو 4000 فلسطيني من السفر، معظمهم من الطلبة ومتعاقدي العمل بالخارج، مقارنةً مع نحو 150 شخصاً يمنعون بشكل اعتيادي شهرياً.
وإذا كان الأمر واقعاً فهو ليس محقاً. يشرح مدير مؤسسة “الحق” شعوان جبارين أن “المنع المؤقت” هو إجراء عقابي، “لأن منع أي كان من السفر لأسباب أمنية وفق المعمول به دولياً، يجب أن يكون في سياق قضائي ومحدود. أما ما حصل في حالتنا فهو بمثابة عقوبات جماعية، للضغط على المواطنين نفسيا ومعنويا، وهو ما يندرج أيضا في اطار محاولة الاحتلال لاستغلال حاجة الناس للسفر لتجنيد البعض للعمل معه كعملاء”.
من جهته، عالج رئيس الحملة الوطنية لحرية حركة الفلسطينيين “كرامة” طلعت علوي المسألة من موقع مختلف، لافتاً إلى أن الإجراء الإسرائيلي تم وسط صمتٍ رسميّ مطبق: “غاب دور السلطة تماماً في مسألة المنع من السفر، وكان المواطن يذهب لمراجعة إدارة المعابر التابعة لمسؤولية الرئاسة الفلسطينية، أو الى مكتب الارتباط الفلسطيني، فيبلغاه بأن لا دخل لهما بالمسألة”. طالبت “كرامة” المسؤولين في السلطة بأن يبادروا إلى عقد مؤتمر صحافي وإبلاغ العالم بأن الفلسطينيين يعاقبون بلا تهمة، “لكن للأسف لم يتم الاستجابة لمطلبنا”. وشرح أن عدد الممنوعين من السفر في الأيام العادية بات يتصاعد تدريجياً ليصل إلى 150 شخصاً في اليوم الواحد، “وباعتقادي، للمنع أكثر من غاية، من ضمنها صرف نظر أهل الضفّة عن العدوان على غزّة بصعوبات يومية داخلية”.
200 مليون شيكل!
ولدت حملة “كرامة” في العام 2009، لما قررت مجموعة من المتطوعين من القانونيين والاقتصاديين والصحافيين أن تنضوي ضمن جسم يأخذ على عاتقه مهمة العمل من أجل تحسين ظروف سفر المواطنين الفلسطينيين. وشرح علوي: “المعبر الذي نسميه الكرامة، لا يحمل في ثناياه أي كرامة للمسافر، بل هو امتهان لها، سواء من الناحية اللوجستية، بمعنى عدد نقاط الوقوف والتفتيش، وما يقترن بها من اجراءات بيروقراطية وغير انسانية، أو من الناحية المالية، نظراً لارتفاع كلفة السفر.. كان من المهم أن نأخذ زمام المبادرة ونحاول اصلاح ما يمكن اصلاحه، لا سيما أن مدة السفر قد تستغرق أربع ساعات في الشتاء، و12 ساعة خلال الصيف بحكم الازدحام الكبير”.
وبالفعل، نجحت الحملة في استصدار قرارٍ رئاسي لإلغاء بعض الرسوم التي كانت تجبيها إدارة المعابر وبلدية أريحا، وتصل إلى ثلاثة دولارات تقريباً على الشخص الواحد بلا سند قانوني بخصوصها. ما اقترن أيضاً باستصدار قرار رئاسي بتنفيذ مشروع لتطوير الاستراحة بدأ تنفيذه منذ أكثر من عامين، وهو اليوم في مرحلةٍ أخيرة تشمل انشاء مركز صحي: “كان وضع الاستراحة غير انساني، لذلك ضغطنا باتجاه تغيير هذه الحال”.
لكن الحملة لم تنجح في تحقيق بقية أهدافها، كما يؤكد علوي: “أسوة بالتعامل الجاري بين الدول، طالبنا بأن يكون المعبر مفتوحاً على مدار الـ 24 ساعة، وأيضا لم يستجب لمطلبنا، وعزا المسؤولون ذلك إلى رفض الطرف الاسرائيلي لذلك”.
الحملة لا تتواصل مع الجانب الإسرائيلي بشكل مباشر، بل عبر بعض الأطراف مثل “مكتب الرباعية الدولية”، أو القنصليتين الأميركية والبريطانية. وانتقد علوي الضريبة التي يفرضها الجانب الإسرائيلي (44 دولارا): “لم نجد أي قانون محلي يلزم مواطننا بدفع ولو قرش واحد، عدا أن المواثيق الدولية تحظر على دولة الاحتلال تلقي أي مبلغ من المواطنين الخاضعين لاحتلالها”.
وأضاف: “عندما راجعنا بروتوكول باريس الاقتصادي، التي وقعته السلطة مع الطرف الاسرائيلي في العام 1994، وجدنا أنه ينص على فرض ضريبة على مغادرة الحدود تبلغ 26 دولاراً، لكن وجودها في نص الاتفاق من دون أن يكون هناك قانون فلسطيني بخصوصها يجعلها غير قانونية، من هنا طالبنا بإلغائها”. ناهيك عن أن الجانب الاسرائيلي يعمد إلى مراجعة الضريبة وزيادتها دورياً كل ستة أشهر إلى سنة.
ويشرح علوي أنه تبعاً للبروتوكول، يفترض أن تتوزع قيمة الضريبة المنصوص عليها (26 دولارا)، على النحو التالي: 10.5 دولار للسلطة، و14.5 دولار لاسرائيل: “لكن ثلثي قيمة الضريبة من نصيب اسرائيل، بينما بقيت نسبة السلطة على ما هي عليه أي 10.5 دولارا من دون تغيير، مع مراعاة أن دولة الاحتلال تماطل السلطة وتؤخر دفعها. وقد وجدنا من خلال دراسة الفروقات في قيمة الضريبة ما بين 2008 وحتى مطلع العام 2013، أن الفروقات تصل إلى نحو 200 مليون شيكل، أي نحو 55 مليون دولار، لم تحول حتى اللحظة إلى خزينة السلطة”.
وأوضح أنه أمام مطالبة الحملة لوزارة المالية بعدم جباية ضريبة المغادرة، ورفض الوزارة لذلك، قام هو خلال أيار العام الماضي برفع قضية ضد وزير المالية شخصياً للمطالبة بوقف هذه الضريبة. وبعد مداولات استمرت ما يزيد عن نصف عام، ردت محكمة الجمارك القضية بحجة عدم الاختصاص: “لم يكن غريبا أن يجري رد القضية بالنسبة إلينا، خاصة أن المحكمة مكونة من ثلاثة قضاة، أحدهم رئيسها وهو من مجلس القضاء الأعلى، أما مساعداه فهما من موظفي وزارة المالية، لكن بمجمل الأحوال فإن القضية أحدثت ضجة، وزادت درجة وعي المواطنين بأن الضريبة غير قانونية”.
طالبت الحملة أكثر من مرة المسؤولين في السلطة بالسفر عبر الاستراحة، بدلاً من استقلال مركباتهم الشخصية أو السفر في مركبات الشخصيات الهامة جداً. لكن ذلك لم يحصل.