يتكون “التفاهم الذي يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة” من صفحة واحدة وحسب، بل انه يتكون -مع احتساب العناوين- من مجرد 24 سطراً. لكن ما يشع من بين تلك السطور هو ما يبدو وأنه يهم بالنسبة للتصرفات شديدة الاختلاف من جانب الأعداء الذين وافقوا عليه.
وقد وافقت كل من إسرائيل وحماس على وقف القتال الذي استمر في غزة وحولها لثمانية أيام، ما أفضى إلى مقتل أكثر من 160 شخصاً -معظمهم من الفلسطينيين، وخمسة منهم إسرائيليون. ومع ذلك، ثمة ريح تشاؤم ظهرت لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بينما يعلن وقف الأعمال القتالية من القدس. وعلى العكس من ذلك، وبينما يواجه الكاميرات في القاهرة، كان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، مفعماً بالحيوية والنشاط، مثل حال شوارع مدينة غزة التي كانت تضج بإطلاقات النار احتفالاً بانتهاء القتال.
وقد يكون لدى الفلسطينيين شيء ما للاحتفاء فيه. فبالإضافة إلى الوقف الفعلي للأعمال القتالية، تتضمن صفقة وقف إطلاق النار تعهداً “بتحسين الأوضاع بالنسبة لمواطني قطاع غزة”، كما قالت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، عند الإعلان عن التفاهم. ويتحدث النص نفسه عن “فتح نقاط العبور وتسهيل نقل السلع، والامتناع عن تقييد حرية الحركة للمواطنين”. وفي ما يدعى أحياناً أكبر سجن مفتوح في العالم، فإن ذلك يبدو تغيراً كبيراً- والذي سيعزى الفضل فيه إلى حركة حماس إذا أصبح حقيقة.
وقد ادعى السيد مشعل بأن “من الممكن رفع الحصار عن غزة”. وحملت عبارته أملاً جذلاً، لكن، وحكماً من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين ظهروا على قنوات الأخبار عبر الأقمار الاصطناعية طيلة المساء، فقد أشارت العبارة إلى أن عبارة “من الممكن” قد تصبح “سوف”.
وكانت بحرية إسرائيل تعمل منذ خمسة أعوام على الأقل، على منع السفن من الاقتراب من ساحل غزة، في حصار أفضى لدى اقترانه بقيود إسرائيل الدراكونية السابقة على دخول المواد الغذائية إلى الجيب المحاصر براً، إلى إلهام الناشطين المؤيدين للفلسطينيين بمحاولة تحدي الإسرائيليين في البحر. وقد أوقفت البحرية الإسرائيلية، على نحو ثابت، أساطيل السفن -وبما أسفر في واحدة من أشهر الحالات، عن مقتل ستة أتراك في أيار (مايو) من العام 2010 عقب اقتحام السفينة “مافي مرمرة” عن “الفشل الذريع للأساطيل”. ومتى ما تمت السيطرة على المراكب، فإن وجهتها تُحول دائماً إلى ميناء إسرائيلي.
لكن ، وفي مقابلة مع شبكة التلفزة الأميركية “سي إن إن” أشار سفير إسرائيل لدى واشنطن، مايكل أورين، إلى أنه سيكون من الكافي في المستقبل ببساطة تفتيش القوارب للتأكد من أنها لا تهرب شحنات أسلحة مثل تلك التي عثر عليها في السابق. وأضاف “إنه ليس حصاراً بالمعنى الكامل للكلمة، إننا نحتفظ بالحق فقط في تفتيش السفن”.
وكان كبير الناطقين بلسان نتنياهو، مارك ريغيف، يرسي الأسس لطريقة جديدة في التعامل بدوره. وقد صرح لفضائية الجزيرة الناطقة بالانكليزية بقوله: “إن القيود كانت قد فرضت نتيجة للأعمال العدائية” موحياً بأنه في حال لم تعد الصواريخ تنطلق من غزة، وعلى نحو يضطر معه نصف سكان إسرائيل للهروب إلى الملاجئ ، فإن الحياة ستصبح أسهل بالنسبة لمواطني القطاع أيضا. وأضاف ريغيف أن الهدف هو “تحقيق مستقبل أفضل للغزيين والإسرائيليين على حد سواء”. وأضاف قائلاً للشبكة نفسها: “إذا كان الجنوب هادئاً، فإن ذلك يمكّننا من أن نكون أكثر استجابة وتعاوناً”.
وفي الأثناء، لم يظهر أي مسؤول مصري على قنوات التلفزة الناطقة بالانجليزية. ولذلك، كان أقل وضوحاً ما إذا كان الطريق الرئيسي المفضي إلى داخل غزة -معبر رفح الحدودية في الجزء الغربي منها مع مصر- سيظل مفتوحاً في نهاية المطاف. لكن ذلك كان واحداًً من المطالبات التي قدمتها حماس، كما كان مشعل مفرطاً في إطرائه على مضيفيه -وهم حكومة تهيمن عليها راهناً حركة الإخوان المسلمين التي ولدت منها حركة حماس. وقال مشعل: “إن فلسطين تعيش في ضمير مصر”. وأضاف: “إن مصر لم تساوم على المقاومة”.
كما أنه تحدث بكلمات قصد منها التأكيد للجميع -من المصريين والفلسطينيين على حد سواء- ممن يخشون أن تجر تلك الأيديولوجية أو الجغرافيا غزة للدوران في فلك القاهرة فيما هي تخرج من العزلة أو تعيش منفصلة عن الضفة الغربية التي يحكمها فصيل فلسطيني آخر هو حركة فتح بقيادة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فقال: “إن غزة هي جزء من الوطن الفلسطيني، وهي ليست كياناً منفصلاً”.
لعله من السابق لأوانه القول ما إذا كانت الصيغة النهائية لتفاهم وقف إطلاق النار ستخرج بشيء في الحقيقة. ويقول النص وحسب إن الموضوعات مثل حرية الحركة “سوف يتم الفصل فيها مع دخول وقف إطلاق النار 24 ساعة من عمره.” وذلك يفترض تماسك الاتفاق وصموده. وكانت قبضة صواريخ قد أطلقت في الساعات الأولى، على الرغم من أن مسؤولين إسرائيليين قالوا إنهم توقعوا ذلك. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي لمجلة “تايم”: “ثمة -مسافة انفصال- تدوم ليوم أو يومين حتى تتوقف حماس تماماً”. وأضاف: “لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كانوا سيستمرون في إطلاق الصواريخ. لقد اشترينا الوقت والهدوء”.
وفي الحقيقة، بثت حكومة نتنياهو يوم الأربعاء شريط قياس لتقييم الإنجازات التي حققتها في ثمانية أيام من العمل الحربي، كله ملتقط من الجو تقريباً. وقد ضم ما يلي: الأهداف التي ضربت: 1500؛ عدد الناشطين الكبار الذين قتلوا: 7؛ الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل: 1506؛ عدد الصواريخ التي اعترضتها القبة الحديدية: 421. والفارق الدقيق تقريباً –بين الصواريخ التي أطلقت من غزة والقذائف الإسرائيلية التي أطلقت عليها- قد يكون منبئاً. وقد ادعى الناطق بلسان قوات الدفاع في إسرائيل بأن عملية عمود الدفاع قد “ألحقت أضراراً جسيمة بحماس وقدراتها العسكرية.” وكان الهدف المعلن من العملية عندما بدأت هو “استعادة قوة الردع”، ومع ذلك، فإن عدد المقذوفات التي أطلقت من غزة في اليوم السابع للعملية كان يماثل تقريباً عددها في اليوم الثالث وفي اليوم الرابع.
ومن جهته، قال مشعل: “لقد أرادوا أن يدمروا البنية التحتية لمقاومة حماس. ولا أعتقد أنهم استطاعوا عمل الكثير بهذا الخصوص. إننا نستطيع أن نحصي كم من البنايات دمروا… ولا يوجد شيء آخر لديهم لعرضه، وقد استمرت صواريخنا في دكهم حتى اللحظة الأخيرة. لا يمكن ردع الشعب الحر. وقد فشلت المغامرة الإسرائيلية”.
كارل نك* – (مجلة تايم( ترجمة: عبد الرحمن الحسيني– الغد الاردنية .
*شارك في التغطية أهارون جيه. كلين من تل أبيب.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:
Who Won in Gaza? Body Language and the Cease-Fire
من الذي انتصر في غزة؟
Leave a comment