أمد/ حاولت حكومة بينيت لبيد، هذا الأسبوع، الاحتفال بمرور عام على تأسيسها، لكنّها لم تجد مجالا لذلك، في ظل انهيار الائتلاف الحكومي الذي تستند إليه، وفقدانها الأغلبية البرلمانية. وبدلا من أصوات الاحتفال، تعالت أصداء العد التنازلي للسقوط، الذي أصبح مسألة وقت، ووقت قصير جدًّا. وإذ يقوم الثنائي لبيد وبينيت بمحاولات يائسة وبائسة لإنقاذ حكومتهما، يسعى كل منهما إلى ألّا يتحمّل تكتّله الحزبي مسؤولية إسقاط الحكومة، لأن الاتفاق بينهما يقضي بأن يتولّى رئاسة الحكومة الانتقالية من لا ينتمي إلى معسكره من يتسبب بالإطاحة بالحكومة.
وبعد أن جرى الإعلان عن زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدين، لإسرائيل، فلا أحد يعرف من سوف يستقبله؟ هل سيكون نفتالي بينيت رئيس الحكومة الحالي؟ أم يئير لبيد رئيسا لحكومة انتقالية؟ أم بنيامين نتنياهو رئيسا لحكومة بديلة؟
سيناريوهات
بعد إعلان عضو الكنيست اليميني نير أورباخ، أنّه لن يصوّت مع الائتلاف، أصبحت الحكومة الإسرائيلية حكومة أقلية عاجزة عن تمرير أي قرار أو أي قانون. هي تستطيع أن تستمر بهذا الحال لعدة أشهر، لولا تزايد عوامل انهيارها، بحيث أصبحت هناك إمكانية جدّية أن تسقط في التصويت على حجب ثقة أو تبكير موعد الانتخابات. وكما تبدو الأمور اليوم هناك عدة سيناريوهات:
الأول، أن يمر قانون حل الكنيست وتبكير الانتخابات بالقراءة التمهيدية في الأسبوع المقبل، أو في الأسابيع التي تليه قبل انتهاء الدورة البرلمانية الصيفية، وفي هذه الحال ستكون الانتخابات بداية تشرين الثاني/نوفمبر المقبل بعد موسم الأعياد اليهودية. يبدو أن هذا هو الاحتمال الأقوى، حيث أعلن 60 عضو كنيست تأييدهم لحل الكنيست، وبقي أن ينضم النائب اليميني المنشق نير أورباخ لترجيح الكفّة. عندها سيصبح زعيم حزب “يش عتيد” المفضّل أمريكيا، يئير لبيد رئيسا للحكومة الإسرائيلية وسيقوم هو باستقبال بايدين، الذي لن يبخل بمنحه ما يساعده في تقوية مكانته في الانتخابات.
الثاني، أن يمر قانون حل الكنيست بأصوات من معسكر يئير لبيد (يش عتيد، العمل، أزرق أبيض، ميرتس والقائمة الموحّدة) وفي هذه الحال سيبقى بينيت رئيسا للوزراء. هذا احتمال أضعف بعد أن أجمع نواب القائمة الموحّدة وحزب ميرتس على أنّهم لن يتسبّبوا بإسقاط الحكومة.
الثالث، أن تستطيع الحكومة الصمود حتى انتهاء الدورة الصيفية للكنيست في أواخر شهر تموز/يوليو المقبل، وعندها لا يمكن طرح قانون حل الكنيست إلّا بعد نهاية العطلة الصيفية، أي في أواخر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وستكون الانتخابات في هذه الحال في شهر شباط/فبراير 2023. شرط هذا السيناريو ألّا يتوفّر في الأسابيع المقبلة، 61 نائبا لحل الكنيست. هذه الإمكانية واردة لكنّها ضعيفة الاحتمال في ظل التطورات السياسية الأخيرة.
المطلوب هو إقامة جبهة رفض جديدة، ترفض التطبيع وترفض التنسيق الأمني وترفض الانقسام وترفض الهوان
الرابع، سيناريو إقامة حكومة بديلة برئاسة نتنياهو ما زال قائما، على الرغم من إعلان قيادات الليكود أنّها معنية بالانتخابات وليس بتشكيل حكومة بديلة. وقد تناقلت وسائل الإعلام مؤخّرا أخبارا عن اتصالات أجراها قياديون في حزب الليكود لتشكيل حكومة مع جدعون ساعار، زعيم حزب “الأمل الجديد”، الذي خاض الانتخابات تحت شعار إنهاء حكم نتنياهو، والذي أنكر ذلك واستعمل كل أحرف النفي للتأكيد على أنه لا ينوي الانضمام إلى حكومة بديلة برئاسة نتنياهو.
ومع ذلك هذا الاحتمال وارد بالتأكيد، خاصة أن حزب ساعر لا يعبر نسبة الحسم في الاستطلاعات الأخيرة، وكذلك هناك خشية لدى تحالف المعارضة اليميني، ألّا يتمكّن نتنياهو في الانتخابات المقبلة من حشد أغلبية برلمانية تمكّنه من تشكيل ائتلاف مستقر.
أكثر يمينية من نتنياهو
بمناسبة مرور عام على حكومته، تباهى نفتالي بينيت بأنّها كانت أكثر يمينية من حكومات نتنياهو المتعاقبة. وكان بينيت قد وعد، عندما شكّل الحكومة، بأنّها ستكون على يمين نتنياهو بعشر درجات. وقد وجّه بينيت، الأسبوع الماضي رسالة مطوّلة (27 صفحة) إلى ما سماه “الأغلبية الصهيونية الصامتة” حملت نداء استغاثة لإنقاذ إسرائيل قبل أن تقوّضها الخلافات الداخلية،
كما قوّضت ـ حسب قوله ـ الممالك اليهودية في العصر القديم. وقام كذلك بحملة مكثّفة لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بأنّه أكثر تطرفا ويمينية من نتنياهو، ونجد بين ما تناثر هذا الأسبوع من تصريحات حول “إنجازات” الحكومة الإسرائيلية الحالية، ما يلي:
*يفاخر بينيت بأن لا مفاوضات مع الفلسطينيين، ولا حديث عن دولة فلسطينية، ولا تنازل عن شبر من “بلادنا” ـ كما قال. كما يفاخر بأنّه لم ولن يلتقي الرئيس محمود عبّاس وهو بالفعل رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد منذ ثلاثين عاما، الذي لم يجتمع بأبي مازن.
*تتباهى حكومة إسرائيل الحالية بوضع خطّة لمضاعفة عدد المستوطنين في الجولان السوري المحتل، وإقامة مستوطنات جديدة على أراضيه.
*يتبجّح بينيت بأنه، خلافا لنتنياهو، سمح بإقامة مسيرة الأعلام (أو رقصة الأعلام ـ كما يسميها هو) في القدس بلا تغيير وبمشاركة 70 ألف شخص فيها.
*ويفاخر بينيت كذلك بأن سنة حكمه كانت أهدأ سنة في منطقة الجنوب، حيث سقطت 6 صواريخ فقط، ولم تصب أي إسرائيلي.
*ولا ينسى المتحدثون باسم الحكومة الإسرائيلية إبراز الزيادة الدراماتيكية في السنة الأخيرة في عدد المستوطنين، الذي يقتحمون المسجد الأقصى، وقد بلغ عددهم ما يقارب خمسين ألفا، بزيادة 75% عن السنين السابقة.
*ويؤكّد كذلك أن حكومته تنفذ السياسة الأمنية الأكثر تشدّدا منذ عشر سنوات، في الضفة وفي غزّة، ومقابل إيران وجبهات أخرى (القصد سوريا).
*ويؤكّد مواصلة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية بشكل واسع يفوق ما كان في عهد نتنياهو.
*هو يسجّل لحكومته إنجازا خاصا بإقناع الولايات المتحدة بالعدول عن وعدها بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد اقتنعت بذلك لعدم إحراج حكومة بينيت، مقابل المعارضة اليمينية التي يقودها نتنياهو
*يشدّد بينيت على انّه يلتزم بمواصلة تنفيذ المشروع الصهيوني عبر بناء 14 مستوطنة ومدينة جديدة في منطقة النقب لمحاصرة الوجود العربي الفلسطيني والحفاظ على ما يسمّى “أراضي الأمة”.
*وأخيرا يتباهى بينيت بمنصور عبّاس رئيس القائمة الموحّدة، ويقول عنه “لأول مرة يعترف قائد عربي بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي” ويضيف أن من مصلحة إسرائيل أن ينجح نهج منصور عبّاس، وأن يقوى في المجتمع العربي وإلا فسوف يقوى حزب التجمّع الوطني الديمقراطي.
على مدى السنة الماضية، نفّذ تحالف بينيت ـ لبيد سياسة أكثر تطرفا من حكومة نتنياهو، وكان اليمين خلال هذه السنة في الحكومة وفي المعارضة. وإذ ادعى البعض أن المشكلة هي نتنياهو الشخص، فقد تبيّن بالدليل العملي أن المجتمع السياسي الإسرائيلي برمتّه يمر بعملية انزياح كبير نحو اليمين، إلى درجة وقف الحديث عن حل سياسي وحتى عن مفاوضات مع الفلسطينيين. في المقابل لا يوجد في المقابل، فقد اختفى اليسار الصهيوني عن الساحة، ولم يعد أحد يسمع صوته الخافت في انتقاد سياسات وممارسات حكومات اليمين.
لقد تحوّلت الساحة السياسية الإسرائيلية إلى كتلة يمينية صمّاء لا تسمح حتى لهواة الأوهام أن ينشروا أوهامهم، كما فعلوا سابقا متشبثين بسراب الوعود الكاذبة. لم يعد هناك من يعد أو من يكذب، والنقاش هو حول الضم وليس على الحل. من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية المقبلة لن تختلف عن الحالية من حيث الموقف من القضية الفلسطينية، ولا يلوح أي تغيير في الأفق السياسي القريب أو المتوسط.
ومن الناحية العملية وليس المبدئية فقط، لم يعد هناك مجال للحديث مع دولة الاحتلال سوى بلغة المواجهة والصدام والنضال الشعبي.
من حيث المبدأ ومن حيث المنطق السياسي المعقول، تتطلب الحالة الإسرائيلية هجوما عربيا وفلسطينيا مضادا. وما يحدث عربيا هو العكس، حيث يتعمّق ويتوسّع التطبيع على المستويات كافة. أما ما يحدث فلسطينيا، فهو استمرار التنسيق الأمني من جهة وتفاقم الانقسام الداخلي من جهة أخرى.
ومع الإقرار، بلا هوادة بالواقع الصعب، فلا بدّ من التفكير بمخارج من الوضع القائم، ولعل المطلوب هو إقامة جبهة رفض جديدة، ترفض التطبيع وترفض التنسيق الأمني وترفض الانقسام وترفض الهوان.