خاص دنيا الوطن ـ محمود الفطافطة /اقترف البشر أخطاء كثيرة، ولكن أسوأ جريمة اقتُرفت على الإطلاق هي التخلي عن الأطفال، وإهمال ينبوع الحياة” بهذه الكلمات التي رددها الفيلسوف التربوي غابرييلا ميسترال، ننطلق للحديث عن مرحلة الطفولة واستغلال الطفل في العمل لتذهب زهرة حياته، وتُراق براءته اليانعة اليافعة.
ومما لا شك فيه، فإن مرحلة الطفولة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان لأنها تعتبر حجر الأساس في تكوين وتنشئة شخصيته، ففيها تُغرس كل القيم والاتجاهات التي ترسم وتحدد سلوكه في المستقبل، لأن أطفال اليوم هم شباب الغد ورجال المستقبل.
وعندما ينخرط الأطفال في هذه المرحلة بسوق العمل، فإنهم يتخلون عن طفولتهم ويقفزون من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب والرجولة لتختلط لقمة العيش بعرق جبينهم، وبالأخص عندما يقعون بين يدي من لا يرحم طفولتهم، ويشفق عليهم.
في هذا التقرير سنسلط الضوء على الأطفال العاملين في فلسطين، مع التركيز على واقع هذه الظاهرة، والأسباب والدوافع المؤدية لها، وآليات الحماية لهذه الشريحة الهامة من المجتمع، إلى جانب أهم الالتزامات الواجب أن تقوم بها الأطراف ذات الشأن لرفع الظلم والتعسف عن فئة الأطفال العاملين.
جذور وأرقام
بداية، يجب التأكيد على أن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل تعد من الظواهر القديمة الحديثة التي يعود ظهورها إلى الثورة الصناعية في أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث بدأت المشكلة عندما أصبحت المصانع والمناجم في الدول الأوروبية تستخدم أطفالاً للعمل لديها بساعات طويلة وفي ظروف صحية قاسية، وعندما تفاقمت المشكلة أصدر البرلمان البريطاني أول قانون ينظم عمل الأطفال، وذلك في عام 1802.
وتشير دراسة حديثة أصدرتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين إلى أن عمل الأطفال يُشكل انتهاكاً جوهرياً لحقوق الإنسان، فهو يحرم الأطفال من حقهم في العيش كأطفال، والأمل بمستقبل أفضل، وبهذه الصورة يمكن أن يتغير المصطلح الدارج من عمل الأطفال إلى استغلال الأطفال في العمل، وهو ما يمكن اعتباره جريمة تفتك بالطفولة.
في تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2011 تبين وجود 9,4% من الأطفال في سن(10ـــ17) في الأراضي الفلسطينية يعملون، بواقع 7,6% في الضفة، و9,1% في القطاع. وبشأن القطاعات التي يعمل بها الأطفال، فقد تمركزت في قطاعات: الزراعة، التجارة، المطاعم، الفنادق، التعدين والمحاجر، والصناعة التحويلية، وقطاع البناء والتشييد، والنقل والمواصلات والاتصالات، وخدمات وفروع أخرى).
أسباب ودوافع
بالرجوع إلى عديد الدراسات المتخصصة، يتبين أن هناك جملة من الأسباب التي دفعت إلى ظهور وانتشار ظاهرة عمالة الأطفال في فلسطين، من أبرزها: الظروف الاقتصادية، الذي يُعتبر الفقر وتدني معدلات النمو الاقتصادي من أهم تلك الأسباب، كما أن زيادة معدلات النمو السكاني وانخفاض مستوى الدخل يُسهمان في زيادة معدلات الفقر، الذي يجعل بعض الأُسر غير مكتفية بمعيلٍ واحد لها، حيث تلجأ لإدخال أطفالها لسوق العمل حتى يُسهم الطفل في دخل آخر للأسرة.
وهناك الظروف الاجتماعية، إذ تُعتبر بعض المعتقدات الاجتماعية سبباً من أسباب انتشار ظاهرة عمالة الأطفال، كوجود بعض الأُسر التي يسيطر عليها معتقد بضرورة تأمين مستقبل أولادهم من خلال عملهم منذ الصغر بحرفة أو مهنة ليعتاشوا منها مستقبلاً، ما يؤدي إلى تركهم للمدارس وتحملهم المسؤولية في وقتٍ مبكر.
وإلى جانب ذلك، هناك التسرب من المدارس، حيث يرتبط ذلك التسرب ارتباطاً وثيقاً بدخول الأطفال سوق العمل، وقد أشارت عدة دراسات مسحية إلى أن 90% من الذكور المتسربين يتوجهون إلى سوق العمل الفلسطيني من أجل مساعدة أُسرهم في توفير لقمة العيش.
المسؤولية والأبعاد
يقع على عاتق المؤسسات الرسمية والأهلية العديد من الالتزامات بمكافحة هذه الظاهرة، إذ يبين الباحث حازم هنية، أنه يبرز دور وزارة التربية والتعليم بشكل أساسي في حماية الأطفال من العمل وفي التنشئة الاجتماعية السليمة، وبالتالي فإن المؤسسة التعليمية تُكمل ما بدأته الأسرة في بناء شخصية الطفل وتحديدها، كما يتوجب على وزارة العمل القيام بتدريب مفتشي العمل على القيام بمسوحاتٍ حول عمل الأطفال في أعمال خطرة لا تتناسب مع البنية الجسدية، والتأكيد على أصحاب العمل بضرورة متابعة الفحوصات الدورية للأطفال العاملين.
إن الأطفال العاملين هم أكثر الأطفال عرضة لحالات العنف والاكتئاب كونهم يتعرضون للضغط من قبل الأهل للقيام بأعمال قاسية غير مؤهلين لها من الناحية النفسية والبنية الجسدية، إضافة لذلك فإنهم عرضة لمرافقة أصدقاء السوء وما قد ينجم عنها من اكتساب عادات سيئة، وممارسة سلوكيات طائشة ومنحرفة وخطرة، كإدمان المخدرات بسبب قضائهم معظم الوقت خارج منازلهم في ظل غياب رقابة الأهل.
كذلك، فإن عمل الأطفال قد يؤدي إلى تدني احترامهم لذاتهم وفقدان صلتهم بأسرهم، بالإضافة إلى أن الطفل العامل يختلف عن أقرانه ممن يخالطون المجتمع بشكل سليم، حيث إن ما يتعلمه الطفل هنا يقوم على الاستعطاف من أجل كسب عطف الآخرين، وهو ما يلاحظ بشكل واضح عند رؤية الأطفال المتركزين عند الإشارات الضوئية لبيع المحارم الورقية أو السجائر، والأساليب التي يستخدمونها في استجداء المارة وأصحاب السيارات.
ماذا يقول القانون؟
في نص المادة (93) من قانون العمل الفلسطيني ورد حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن الخامسة عشرة، بالإضافة إلى ضرورة إجراء الفحص الطبي على الأحداث قبل التحاقهم بالعمل للتأكد من ملاءمتهم الصحية له على أن يُعاد الكشف كل ستة أشهر.
أما في نص المادة (95) من القانون نفسه فتم تحديد الأعمال التي لا يجوز تشغيل الأحداث فيها، وهي على النحو التالي:1. الصناعات الخطرة أو الضارة بالصحة التي يحددها الوزير.2. الأعمال الليلية أو في الأعياد الرسمية أو الدينية أو أيام العطل الرسمية.3. ساعات عمل إضافية أو على أساس وحدة الانتاج.4. الأماكن النائية أو البعيدة عن العمران.
أما قانون الطفل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2004 فقد نصت المادة (43) منه على أنه “يمنع استغلال الأطفال في التسول كما يمنع تشغيلهم في ظروف مخالفة للقانون أو تكليفهم بعمل من شأنه أن يعيق تعليمهم أو يضر بسلامتهم أو بصحتهم البدنية أو النفسية”.
ما المطلوب؟
واستناداً إلى ما تم ذكره سابقاً، يتوجب مراعاة مصلحة الطفل الفُضلى عند سن التشريعات، والاهتمام بتخصيص موازنات في الوزارات المعنية لبرامج مكافحة عمل الأطفال، والعمل على ضرورة مكافحة ظاهرة البطالة وتشجيع المشاريع التشغيلية، وتوعية العاملين في الوزارات المختلفة بمخاطر عمل الأطفال، إلى جانب أهمية مساهمة الإعلام والمؤسسات التربوية وأصحاب العمل للقيام بتوعية الأطفال حول حقوقهم، وتبيان مخاطر العمل المبكر عليهم.
خلاصة القول: يجب أن تُدق نواقيس الخطر حيال هذه الظاهرة، وذلك في ظل تناميها المستمر، ما سيجعل مستقبل هؤلاء الأطفال مُهدداً في الوقت الذي تهدر فيه حقوقهم التي كفلتها لهم القوانين المحلية والمواثيق الدولية.
المطلوب: ضرورة أن يكون الطفل مُحاطاً بتشريعات وقوانين تحميه وتحمي حقوقه، وأُسرة واعية وقادرة على أن تكفل نموه بشكلٍ طبيعي وسليم، ومجتمع قادر على أن يحمي حقوق هذا الطفل ويكفل عدم إهدارها، كل تلك العوامل كفيلة بأن تحد من هذه الظاهرة التي أضحت مثار قلق وارتياب من ضياع مستقبل جيل بأكمله.