ذكرت الأنباء أن العشرات من الرهائن قتلوا بعد أن نفذت القوات الجزائرية محاولة عملية إنقاذ في مجمع للغاز الطبيعي كان مسلحون إسلاميون قد استولوا عليه. ويظهر الحادث الوحشية والتصميم اللذين تنطوي عليهما الجماعات الإسلامية المتشددة التي تعمل في شمال إفريقيا، على بعد رحلة قصيرة بالطائرة إلى الجنوب من الأراضي الأوروبية.
وكان الزعماء الأوروبيون يضغطون من أجل الحصول على تفصيلات عن العملية الدموية التي نفذتها القوات الخاصة الجزائرية لتحرير مئات من الرهائن من بين أيدي مختطفيهم الإسلاميين في حقل الغاز الطبيعي الذي يقع في الصحراء الجنوبية الجزائرية. وقال الإسلاميون إنهم احتجزوا الرهائن رداً على التدخل الفرنسي في الجارة مالي، وهددوا بشن المزيد من الهجمات في المستقبل.
وكانت القوات الجزائرية قد بدأت مهمة الإنقاذ يوم الخميس قبل الماضي عندما وصلت إلى حقل الغاز على متن طائرات عمودية وفتحت النار على الإسلاميين الذين سعوا إلى نقل الرهائن إلى موقع آخر. وقالت السلطات إنه تم قتل عشرات من الرهائن، كما تم قتل بعض المتشددين بينما بقي نحو 22 رهينة في عداد المفقودين. وأعرب زعماء البلدان الأوروبية، شأنهم شأن المواطنين في هذه البلدان، عن غضبهم لعدم استشارتهم حول الغارة قبل حدوثها.
ولم يصدر المسؤولون رقماً بإجمالي عدد القتلى حتى كتابة هذا الموضوع، لكن الهجوم يبرز الوضع الأمني الخطير في المنطقة التي تعتبر مهمة من الناحية الاستراتيجية لأوروبا بسبب قربها الجغرافي ومواردها الطبيعية.
وهذه المنطقة أكبر من أوروبا الغربية، وهي منطقة صحراوية موحشة يندر فيها السكان، كما تندر السيطرة الحكومية عليها. وفي الأعوام الأخيرة، تطور شمال غرب إفريقيا إلى منطقة شاسعة حيث يستطيع مهربو المخدرات والإرهابيون الإسلاميون التحرك بحصانة. وهم يعبرون حدود الدول بيسر ويعملون في موريتانيا أو مالي في أحد الأيام، لتشاهدهم بعد أيام قليلة في النيجر أو ليبيا.
ويثبت الهجوم على حقل الغاز الطبيعي في شرقي الجزائر أحقية المخاوف الغربية من وقوع عمليات إرهابية في المنطقة، والتي تمتد إلى ما وراء شمال مالي حيث يسيطر الإسلاميون منذ العام الماضي. وقبل أسبوع من عملية الرهائن، أطلقت القوات المسلحة الفرنسية عملية “سيرفال” بالتعاون مع القوات المالية لإجبار الإسلاميين على التراجع. وتقدم ألمانيا والدول الحليفة الأوروبية الأخرى دعماً لوجيستياً للعملية، بينما قدم الحلفاء في غرب إفريقيا وعوداً بإرسال قوات.
هولاند يحدد أهدافاً طموحة
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد صرح بأن الهدف من العملية في مالي هو ضمان أنه “عندما ننهي تدخلنا تكون مالي آمنة، ولديها سلطات شرعية وعملية انتخابية، ولا وجود لإرهابيين يهددون أراضيها”. وهو هدف طموح جداً ويبدو أنه بعيد عن الواقع في المستقبل القريب. وحتى لو استطاعت القوات الفرنسية والمالية طرد الإسلاميين، فثمة عدد من الدول المجاورة التي يستطيعون الانسحاب إليها، بما فيها موريتانيا والجزائر والنيجر. وهناك يستطيع الإسلاميون المكوث بعيداً عن التدخل، وانتظار القوات الأوروبية حتى تنسحب ببساطة.
يبقى الأمن في داخل جوار مالي الصحراوي، بعد كل شيء، بمثل هشاشة مالي نفسها تقريباً. وتشترك موريتانيا مع مالي في حدود طولها 2240 كيلومتراً (1390 ميلاً)، وهي واحدة من البلدان الأقل سكاناً في العالم. وتعاني القوات العسكرية في البلد من الضعف بسبب عدة انقلابات، كما أن تنظيم الأجهزة الأمنية فيها بائس.
وظهرت هشاشة موريتانيا أكثر ما يكون بعد حادث غامض في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2012، عندما جرح الرئيس محمد ولد عبد العزيز أثناء إطلاق النار على موكبه. وقال المسؤولون إن الحادث كان هجوماً عسكرياً بالخطأ، رغم أن الشكوك ما تزال تحوم حول صدق الرواية. وترتب على عبد العزيز التوجه إلى فرنسا لتلقي العلاج الطبي، ما أفضى إلى تكهنات بأنه لم يعد يقوى على القيام بمهامه.
منطقة الصحارى مليئة بعدم الاستقرار
وتشبه موريتانيا جار مالي الشرقي، النيجر. فما فتئ الثوار الطوارق الإثنيون يقاتلون الحكومة المركزية في نيامي منذ أعوام. كما أن المجموعة الإرهابية “القاعدة في المغرب الإسلامي” ما تزال تنشط في البلد منذ العام 2008.
وعلى رأس كل ذلك، تأتي الصراعات الداخلية على السلطة. وفي العام 2010 قام العسكريون بانقلاب وأسقطوا الرئيس مامادو تانغا. وأعادت انتخابات حرة في جزئها الضخم الحكم المدني إلى البلد في العام 2011، على الرغم من أن أجزاء من البلد تظل خارج سيطرة الحكومة. وكثيراً ما صنفت المؤسسة الفكرية الأميركية “صندوق السلام” النيجر من بين أسوأ الدول الفاشلة في العالم.
وقد ساءت الأوضاع الأمنية في ليبيا على نحو ملموس منذ بداية الانتفاضة ضد الدكتاتور معمر القذافي قبل عامين. وتم تفكيك القوات العسكرية من الناحية الأساسية، بينما فاضت الأسواق في المنطقة بالأسلحة التي أُخِذت من القوات المسلحة التابعة للقذافي لتنتهي في أيدي المليشيات المختلفة، بما فيها المتطرفون في شمالي مالي. وبعد خمسة عشر شهراً من مقتل القذافي، لم يتم تشكيل حكومة مستقرة ومستدامة. وتعتمد السيطرة الفعلية على البلد على أمراء الحرب المتنافسين، في الوقت الذي استفادت فيه المجموعات الإسلامية في المنطقة.
يظهر حمام الدماء في الحقل النفطي أن الجزائر هي الأكثر تأثراً من التطورات التي حدثت في مالي. ولهذا السبب نجد أن الجزائر عارضت التدخل الفرنسي العسكري في جارتها الجنوبية. وما تزال الجزائر نفسها تعاني من التداعيات التي جرتها عليها حربها الأهلية في التسعينيات، والتي أسفر القتال خلالها بين القوات العسكرية وبين الإسلاميين عن مقتل مئات الآلاف من الناس.
وفي الأثناء، ما يزال العسكريون يشكلون القوة الأقوى في البلد، بالرغم من أنهم ما يزالون عاجزين عن تأمين الحدود مع مالي، والتي تمتد لمسافة 1400 كيلومتر. وتظهر الهجمات المنتظمة على الجنود الجزائريين في الجنوب قوة الإسلاميين.
طيف واسع من المجموعات الإسلامية ينشط في المنطقة
هناك تشكيل متنوع من المليشيات التي تنشط في منطقة الصحراء المترامية الأطراف، والممتدة بين موريتانيا والنيجر. وتشكل العديد منها تحالفات إستراتيجية، بينما تتنافس في نفس الوقت على السلطة والسيطرة على الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والسجائر.
ولعل أكثر هذه المجموعات سوء سمعة هي تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وكانت المجموعة قد تشكلت قبل ستة أعوام من إعادة تشكيل مجموعة سلفية للدعوة والقتال. وفي اختلاف عن فروع القاعدة في أفغانستان والعراق وشبه الجزيرة العربية، امتنع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي كلية تقريباً عن مهاجمة أهداف في الغرب.
وبدلاً من ذلك، ركز التنظيم الذي ذكر أنه يضم نحو 1000 عضو تقريباً على خطف الرعايا الغربيين واحتجازهم للحصول على فدى يعبئون بها صناديقهم. وأيضاً، وخلافاً لفروع أخرى من القاعدة، توقف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي عن محاولة فرض أيديولوجيته السلفية على المواطنين الأصليين، كاسباً بذلك دعمهم.
وثمة مجموعة منشقة عن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي هي حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا. وكما تردد، فإن العامل المساعد للانشقاق كان صراعاً على السلطة بين قيادة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي والمسيطر عليها جزائرياً، وبين المقاتلين من موريتانيا وبلدان أخرى. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2011، اختطفت المجموعة بعضاً من عمال الإغاثة الغربيين من مخيم للاجئين في الجزائر، وأفرجت عنهم في تموز (يوليو) من العام 2012 مقابل فدية بقيمة 18 مليون دولار أميركي (13.5 مليون يورو). وأصبح شمالي مالي منذئذٍ أهم منطقة بالنسبة لحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا التي تسيطر على أجزاء ضخمة من المنطقة.
جزائري بعين واحدة وراء أزمة الرهائن
كانت الكتيبة ملوثة الأيدي بالدماء قد تشكلت وحسب في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2012 كمجموعة منشقة أخرى عن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وقد أسس المجموعة مقاتل مخضرم بعين واحدة من الحرب الأهلية الجزائرية، اسمه مختار بلمختار، والذي يعتقد بأنه كان العقل المدبر وراء أزمة الرهائن في مرفق حقل الغاز الطبيعي الجزائري. وقالت المجموعة إن الهجوم كان رداً مباشراً على العمليات العسكرية في مالي. وهدد بلمختار بشن المزيد من الهجمات إن لم تنسحب القوات الفرنسية من المنطقة.
وأخيراً، ثمة المجموعة الإسلامية “أنصار الدين” التي ظهرت في المنطقة بعد سقوط العقيد معمر القذافي. وبعد شهور قليلة من إعلان المنظمة أولاً عن تشكيلها في العام 2012، أقدمت على السيطرة على شمالي مالي. ومقاتلوها مجهزون جيداً بالأسلحة التي استولوا عليها من ترسانة القذافي، ويشرف قادتها على السلفية الراديكالية. وهي ترفض الممارسة الصوفية التي تقوم على تقديس الأولياء، والواسعة الانتشار في عموم الشمال الإفريقي. وبعد سيطرتها على عدة مدن مالية شمالية، دمرت جماعة أنصار الدين عدة أضرحة لأولياء مسلمين، وفرضت شكلاً وحشياً من الشريعة الإسلامية على المنطقة، حيث تقوم بقطع أيدي الناس الذين تتهمهم بالسرقة وتجلد الزناة. وقد صنفت فرنسا هذه المجموعات المتشددة كأهداف رئيسية لها في عملياتها في مالي. لكن كسب فرنسا السيطرة هناك في أي وقت قريب يبقى مهمة صعبة.
كريستوف سيدو — (ديرشبيغل) 18/1/2013
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني– الغد الاردنية.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان
A Terrorist Homeland in North Africa