
كتب يوسف الشايب: لا يقتصر معرض الفنانة نادين طوقان “حكاية وتاريخ بين ريشة ولون” على متعة بصرية فحسب، بل يقدّم بانوراما مُصوّرة ومزودة بشروح تفصيلية حول أزقة وحارات ومبانٍ لها تاريخها العريق، أو زخمها الروحانيّ، أو غير ذلك، في القدس.
ونجد في المعرض الذي أطلقته وزارة الثقافة في متحف محمود درويش، مساء أول من أمس، ويتواصل حتى يوم غدٍ (الخميس)، إلى جانب الجامع القبلي (المسجد الأقصى المبارك)، وقبة الصخرة المُشرّفة، حضوراً في لوحة بالألوان المائية لـ”دير راهبات صهيون” و”كنيسة الجَلْد”، في الطريق المتجهة من قرب باب الأسباط وصولاً إلى كنيسة القيامة، وأخرى لـ”عقبة المفتي” في طريق “درب الآلام”، وتحديداً في المرحلة الرابعة منه وأنت تتجه يساراً على طريق “الواد”.
كما لا بد لزائر المعرض أن يتوقف أمام رسم “المدرسة العمرية”، أو “طريق باب السلسلة”، أو “طريق السعدية”، أو “مأذنة الغوانمة” التي هي أكثر مآذن المسجد الأقصى ارتفاعاً، بطول يصل إلى 5ر38 متر، بُنيت في العام 1278 للميلاد ثم جدّدها الأمير تنكز الناصري ما بين العامين 1329 و1330 للميلاد، قبل أن تقع بعينك على رسم آخر لـ”سبيل قايتباي” نسبة للسلطان المملوكي، فـ”المدرسة الأشرفية”، وأيضا و”الكنيسة الروسية” أو الشهيرة بكنيسة “مريم المجدلية” المذهبة الشهيرة، وبنيت على الطراز المعماري الروسي في العام 1888 للميلاد، وكأننا نقلّب صفحات موسوعة مُصوّرة حول القدس معمارياً.
ولم تغب آثار أسرة الفنانة طوقان العريقة في نابلس عن زاوية أخرى في معرضها، فكان ذلك الرسم البهيّ لـ”مدخل الديوان القديم في قصر طوقان” في البلدة القديمة في نابلس، علاوة على رسومات لورود من أزهار والدها، كالـ”أرطاسيا”، و”زهرة الكركديه البيضاء”، و”زهرة الكركديه الحمراء”، علاوة على رسومات أخرى لحليّ وتحف منزلية، وغيرها.
وقالت طوقان في كلمتها بحفل افتتاح المعرض: عنوان المعرض جاء لكون كلّ لوحة فيه تعكس تاريخاً ما، ولها حكاية، فيما قمتُ بالتعريف بهذه الحكاية عبر الريشة والألوان، كما عمدتُ إلى توظيف التراث المعماري بما يخدم تقديم الموروث التاريخي والثقافي في لوحات مختلفة، وخاصة تلك المتعلقة بمدينة القدس، التي لها مكانة خاصة في قلوبنا، وتمثل إرثاً حضارياً وثقافياً ومعماريّاً وتاريخياً، ويستحق منّا هذا الإرث إبرازه بكل الطرق الممكنة.
وكان د. عاطف أبو سيف، وزير الثقافة أشار في كلمته الافتتاحية إلى أهمية دور الفن في “أشد اللحظات حُلكة”، مضيفاً: يجب أن يكون للفن دور في تعاطي أي شعب مع أزماته وواقعه الصعب، ولطالما كان الفن الفلسطيني، منذ أن رسم الكنعاني الأول صور الحيوانات على جدران الكهوف، ثريّاً، ولطالما كان الشعب الفلسطيني، عبر التاريخ، يدرك قيمة اللون والتجديد.
وأشاد أبو سيف بالقدرة المتميزة للفنانة طوقان في تجسيد القدس معمارياً عبر لوحاتها، ما يترك أثراً كبيراً على كل من يزور المعرض ويقف أمام اللوحة، ما يعكس حالة من الشغف بهذه المدينة العظيمة.
أما فادي الهدمي وزير شؤون القدس فوصف ريشة الفنانة طوقان بالمبدعة، مشيراً إلى أنها تجسّد تلك الروح المقدسية الناهضة من الركام، والتي تشق طريقها نحو الأمل رغم المآسي التي تعيشها المدينة المقدسة.. جهود نادين وغيرها من فناني القدس هي ما تشكل بارقة أمل فيما تعيشه مدينة القدس من ظلام، مستعرضاً صمود أهل القدس في مواجهة ما تعيشه المدينة من صعوبات.
وكانت صاحبة المعرض ذكرت في الكتيّب الخاص به: “هكذا هي مدينتنا، القدس، في ثنايا أزقتها، حاراتها، دروبها، ومناراتها، لها حكايات تنعش ذاكرتنا بأنّ هذه الأرض هي مهد الرسالات وأرض السلام والمحبة، برغم ما تعانيه على مرّ العصور، فعبق التاريخ والحضارة والأصالة يفوح بأزقتها ودروبها”.