الايام – يوسف الشايب:كانت الساحة الخارجية للمتحف الفلسطيني في بلدة بيرزيت، مساء أول من أمس، على موعد مع إطلاق كتاب “أنا والأرض” للفنان نبيل عناني، الصادر حديثاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فيما ضم بهو المتحف، حيث وقّع عناني كتابه للمقتنين، معرضاً لبعض الرسومات التي تضمنها الكتاب، الذي يمكن اعتباره سيرة فنية عبر ببليوغرافيا اللوحات التي جسّد فيها عناني المشهد الطبيعي الفلسطيني على مدار عقود.
وكشف عناني أن تجميع مواد الكتاب وتصويرها وأرشفتها يجري العمل عليه منذ أربع سنوات أو يزيد، مشيراً إلى أنه يوثق لأعماله الفنيّة حول المشهد الطبيعي والأرض الفلسطينية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، وما طرأ من تحولات على طريقته عبر العقود المتتالية في التعبير عن هذا الجانب، حيث ثمة لوحات من حقبة ثمانينيات فتسعينيات القرن الماضي، ومن ثم مطلع الألفية الثالثة إلى يومنا هذا، مشدداً على أنه لا يشمل كافة أعماله الفنية حول الأرض والمشهد الطبيعي، خاصة أنه تم استبعاد العديد من الأعمال لأسباب فنية تتعلق بتقنيات التوثيق، مشيراً إلى عمله الدؤوب وابنته القيّمة رنا عناني مُحررة الكتاب والمشرفة عليه، حيث كانا يلتقيان بشكل أسبوعي على سنوات، للنقاش الدائم حول الكتاب، الذي “أردناه أن يخرج بشكل لائق فنيّاً، شكلاً ومضموناً”.
وتحدث عناني عن معرض جماعي ضمن رابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين في العام 1982، حمل عنوان “القرية الفلسطينية”، واصفاً إيّاه، بالمميّز كنوع من الانتصار للمشهد الطبيعي الفلسطيني، ولأرض الوطن، فـ”لا معنى للإنسان دون أرض ودون وطن”، وكان واحداً من بين المشاركين، الذين توجه غالبيتهم العظمى إلى القرى من الخليل إلى جنين، دون التمكن من التوجه إلى حيث الأراضي المحتلة في العام 1948.
وتطرق عناني في حديثه عن تجربته التي عكستها لوحات الكتاب، إلى تأسيس جماعة “التجريب والإبداع” التي ضمته وكلاً من الفنانين: سليمان منصور، وفيرا تماري، وتيسير بركات، وكان ذلك خلال سنيّ “انتفاضة الحجارة” التي اندلعت في العام 1987، وانطلق هدفها الأساس من محاربة البضائع الإسرائيلية والغربية، والاتجاه نحو إنتاج أعمال فنية من خامات البيئة المحلية، فاتجه هو نحو “الجلد”، في حين توجه منصور نحو “الطين والقش”، وبركات نحو “الخشب”، وتماري نحو “الخزف والسيراميك والنحت”، وهي مرحلة وصفها بالمؤثرة، وبالنقلة المهمة في حياته على أكثر من صعيد، وفي أكثر من اتجاه.
ولم تقتصر علاقة عناني بالبيئة المحلية كمصدر لخامات الإبداع الفني على الجلد، بحيث اتجه نحو النباتات بأنواعها، ومخرجاتها من مواد وأصباغ، كالسمّاق والبهارات والقش وغيرها، إضافة إلى ألوان “الأكريليك” بطبيعة الحال.
وأكد عناني أنه تأثر بعمله في فلاحة الأرض برفقة والده، حين كان طفلاً في حلحول القرية، وقتذاك، حيث سكنت عائلته المهجرة من منطقة “اللطرون”، وتحديداً “عمواس”، حيث ولد في العام 1943، لسنوات هناك، قبل أن يدرس التصوير الزيتي في كلية الفنون بجامعة الإسكندرية ويتخرج منها العام 1969.
بدوره، قدم د. عبد الرحيم الشيخ، أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت، وصاحب مقدمة الكتاب، مداخلة قيّمة وعميقة، حملت عنوان “المشهد الشهيد”، تطرق فيها لمحاور عدّة كتوطئة للحديث عن “أنا والأرض” وعن مجمل تجربة نبيل عناني الإبداعي، خاصة في توثيقه البصري رسماً للأرض الفلسطينية، بحيث “وجد عناني أن الفن جزء من المعركة المفتوحة، ليس فقط باسترداد الماضي، بل بالقتال على صورة الحاضر والمستقبل في محيط الذاكرة وأمكنتها”، هو الذي عمد إلى “إخفاء المشهد الاستعماري من لوحاته جملة وتفصيلاً”.
ووجد الشيخ أن عناني في رسمه للمشهد “يتجاوز فن التصوير الطبيعي الشائع في التقاليد الفنيّة شرقاً وغرباً على مستوى الأسلوب والاستدعاء، فتتراءى في أعماله المشهدية ملامح السيرة الذاتية، وأماكن تواجده الأليفة في أيام الطفولة، والخشنة في أيام الشباب، وما تلاهما في فلسطين الغربية المحتلة في العام 1948 نادرة الظهور، وفلسطين الشرقية المحتلة في العام 1967 كليّة الحضور، والتي لا يظهر فيها البحر إلا غماماً”، مُشدداً على أن “ديمقراطية المشهد وانتقائية عناني في استدعائه، تتجلى في آليات الإظهار والإخفاء والترك، فيرى ما يريد”.