واشنطن : نشرت صحيفة “ذي انترناشونال هيرالد تربيون” الاميركية اليوم الجمعة مقالا للصحافي مارك لاندلر تناول فيه العلاقات بين الرئيس الاميركي باراك اوباما ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو في اعقاب الفوز الهزيل الذي حصل عليه نتنياهو في الانتخابات النيابية الاسرائيلية اخيرا، وامتناع المسؤولين الاميركيين عن التعليق على ما تركته هذه الانتخابات من الاثار على العلاقات بينهما. وفي ما يلي نص المقال:
“بالنسبة الى الرئيس اوباما، الذي كثيراً ما كانت علاقته مع نتنياهو شبيهة بعلاقة بين زوجين مرتبطين بعلاقة تعوزها المحبة، لا بد ان تكون الاشهر الثلاثة الماضية قد وفرت قدراً الرضا القاتم.
ففي تشرين الثاني (نوفمبر) تغلب اوباما في الانتخابات الرئاسية على ميت رومني الذي كان المرشح المفضل لكن غير الحصيف لدى نتنياهو. ويوم الثلاثاء الماضي تعثر نتنياهو في محاولة اعادة انتخابه، وقد فاز حزب “ليكود” الذي يرأسه بما يكفي من المقاعد في البرلمان ليبقى في منصبه، لكنه قصر كثيراً في تحقيق التوقعات امام ارتفاع نسبة التصويت في اوساط حركة الوسط النشطة.
ومع ذلك فان البيت الابيض لم ينبس ببنت شفة في العلن على الاقل، فيما كانت النتائج تتدفق من اسرائيل. وظل المسؤولون في الادارة الاميركية مترددين في التعليق على مدى تأثير النكسة التي اصابت نتنياهو على علاقته مع اوباما، خاصة وان الزعيم الاسرائيلي لم يبدأ بعد العمل لتشكيل ائتلاف حكومي.
وقال مراقبون وهم ينقبون في التداعيات ان هناك اكثر الساحة السياسية الاسرائيلية الجديدة تنطوي على ما هو اكثر من تبرير بالنسبة الى اوباما.
وقد يمهد موقف نتنياهو الضعيف الطريق نحو تحسين علاقاته مع الرئيس الاميركي، إن لم يكن نحو “اعادة تشكيل” تلك العلاقات، حسب التعبير الذي تستخدمه الادارة منذ فترة طويلة.
واذا حاول نتنياهو كما يتوقع بعض المحللين ان يشكل ائتلافا يضم الوسط واليمين الاسرائيلي بحيث يشمل يائير لابيد، الذي فاز حزبه “هناك مستقبل” بـ19 مقعدا من اصل 120 مقعدا في البرلمان، فقد يخفف ذلك من حدة الاطراف الأكثر تشددا في ائتلاف اليمين الحالي الذي يرأسه نتنياهو.
وبامكان لابيد ان يدفع حكومة جديدة في الاتجاه الذي يقلل من اسباب التوتر التي ظلت قائمة لفترة طويلة مع اوباما. وعلى سبيل المثال، فان لديه حرصاً على ايجاد وظائف وتوفير مساكن أكثر من اهتمامه في توسيع البناء في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية، وهي ممصدر احتكاك متكرر بين اوباما ونتنياهو.
وقد يجد نتنياهو نفسه، بعد مغادرة ايهود باراك، الجنرال السابق الصقوري، منصبه وزيرا للدفاع، ابعد الى حد ما عن الضغوط للتفكير في تسديد ضربة منفردة ضد ايران بسبب برنامجها النووي. وسيكون هذا مصدر ارتياح لدى البيت الابيض الذي اضطر للتوسل الى الاسرائيليين للتجمل بالصبر في الوقت الذي يقوم فيه بمتابعة جهود اللحظة الاخيرة الدبلوماسية مع طهران.
وقال آرون ديفيد ميلر، المفاوض لفترة طويلة في قضية الشرق الاوسط: “ترؤس نتنياهو وهو في موقف ضعيف لحكومة تضم بعض عناصر الوسط هو افضل نتيجة يمكن للبيت الابيض ان يتوقعها. اذ ان ذلك يمنحهم (الادارة الاميركية) فرصة أفضل لتحاشي الحرب ضد الملالي الايرانيين وللمحافظة على فرصة احلال السلام مع الفلسطينيين”.
وقال ميلر ان اكثر النتائج التي تشيع التفاؤل ستكون على غرار علاقة “الزوجين المتنافرين” بين اوباما ونتنياهو، يخفيان فيها خلافهما حول قضايا مثل المستوطنات، ولكن يعرفان كيف يتناولانها بمهارة افضل.
ولن يكون هذا خطوة بسيطة، على ضوء الشكوك المتبادلة التي عانت منها علاقاتهما. وقد ظهرت على المسؤولين في البيت الابيض علامات الغضب والتعجب اثناء الحملة الرئاسية عندما تبين ان نتنياهو يؤيد رومني، بدعوته له لتناول العشاء في منزله خلال زيارة المرشح الجمهوري الى مدينة القدس في تموز (يوليو) الفائت.
ورد اوباما على هذه المكرمة خلال الانتخابات الاسرائيلية، حسب اعتقاد اعضاء حزب الـ”ليكود” عندما نشر جيفري غولدبرغ، الصحافي الاميركي الذي كثيراً ما يتناول شؤون اسرائيل في كتاباته، مقالا قال فيه ان الرئيس حمل على نتنياهو عندما اعلنت الحكومة الاسرائيلية عن خططها لبناء مستوطنة في المنطقة المتنازع عليها “اي-1” في الضفة الغربية.
ونقل غولدبرغ عن اوباما قوله في اكثر من مناسبة: “لا تدرك اسرائيل اين تكمن مصلحتها الافضل”. ولم يؤكد البيت الابيض او ينف تصريحات اوباما.
لم يلبث نتنياهو بعد ايام سبقت الانتخابات ان رد بان “المواطنين الاسرائيليين هم الذين سيقررون من الذي يمثل بامانة المصالح الحيوية لاسرائيل” – وهو تذكير قوي بعلاقته الباردة مع رئيس اكثر حلفاء اسرائيل أهمية.
وفيما كان القادة الاسرائيليون في الماضي – بمن فيهم نتنياهو نفسه اثناء توليه في السابق منصب رئيس الوزراء – يعاقبون من جانب الناخبين الاسرائيليين على سوء ادارتهم لعلاقاتهم مع الرؤساء الاميركيين، فان المراقبين لم ينسبوا القسط الاكبر من متاعبه الى اوباما، بالنظر الى تعقيدات انتخابات اذهلت حتى الخبراء.
ومع ذلك فان السفير الاميركي السابق لدى اسرائيل مارتن إنديك يقول ان “الجمهور الاسرائيلي يهتم بالعلاقة (بين رئيس الوزراء الاسرائيلي والرئيس الاميركي)، ولم يسعفه انه اساء التعامل معها، وكان هناك تذكير بمدى السوء الذي تعامل فيه معها عشية الانتخابات”.
ويقول ايضا ان من بين المسائل المحيرة، ما اذا كان لابيد سيصر على الحصول على تنازلات مقابل الانضمام الى ائتلاف مع نتنياهو، مثل تجميد البناء الاستيطاني. وفي الوقت الذي صب حزب لابيد اهتمامه على أمور مثل الوظائف والاسكان، فان اتخاذ موقف من المستوطنات سيطلق شرارة الانفصال عن اجندة اليمين.
غير انه ليس هناك من يتكهن بان حكومة اسرائيلية جديدة ستعمد فجأة الى السماح لاوباما ان يعيد الاضواء نحو هدفه في ولايته الاولى للتوصل الى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين. اذ ان حزب لابيد لم يحقق فوزه بالدعوة لاحياء محادثات السلام التي ظلت غائبة لفترة طويلة. فالاجواء السياسية للطرفين تظل معادية لمثل هذه الخطوة.
كما انه لا يبدو ان هناك احتمالات بان يعمد اوباما، بعد الاحباط الذي اصيب به في ولايته الاولى، الى الضغط بقوة من اجل تحقيق السلام في الشرق الاوسط. وقلما يشير الرئيس الى هذا الموضوع في الايام الحالية.
وبينما قال إنديك ان السناتور جون كيري، الديمقراطي من ولاية مساشوسيتس، المرشح لخلافة هلاري رودهام كلينتون في منصب وزير الخارجية، سيجازف للمحافظة على حل الدولتين، فان من غير المرجح ان يحقق انجازا اكبر مما حققته كلينتون.
اما ميلر، وهو الان في مركز وودرو ويلسون الدولي، فقال انه يكاد لم يشاهد اي علاقة غير فاعلة باستمرار كتلك التي بين اوباما ونتنياهو. وما كان فوز مؤزر لنتنياهو الا ليزيد من تعاظم تلك التوترات.
ورغم ذلك فقد تكون امام نتنياهو، غداة النتيجة المتواضعة التي حجمته، فرصة لرأب الصدع، حسب قول ميلر.
وقال: “ما يحمل انباء طيبة الى نتنياهو، اذا هو تمكن من تشكيل ائتلاف، هو ان حكومة ذات قاعدة اعرض ستخفف من التوتر وتجعل من السنوات الاربع المقبلة مسارا اقل صعوبة. وسيكون بامكان نتنياهو ان يعمل في اطار علاقة اكثر فاعلية مع الولايات المتحدة”.